معادلة جغرافية معقدة.. ماذا نعرف عن "ممر زنغازور" الذي يربط آسيا بأوروبا؟/الصورة: AA (AA)
تابعنا

منذ نهاية حرب قره باغ الثانية بالنصر لأذربيجان في عام 2020، تحول مشروع "ممر زنغازور" ليصبح من أكثر القضايا الخلافية بين أرمينيا وأذربيجان، إذ اتهمت باكو أرمينيا بانتظام بالتنصل من التزاماتها بإنشاء طريق النقل، الذي من شأنه أن يربط معبر ناخيتشيفان الأذربيجاني ببقية البلاد، عبر جنوب أرمينيا، الذي من شأنه أيضاً أن يعزّز العلاقات التجارية واللوجستية، وحتى السياسية، للعالم التركي برمته في وسط آسيا ومنطقة القوقاز.

وفي معادلة معقدة أبرز جوانبها هي أرمينيا وأذربيجان وتركيا وإيران وروسيا، وعلى الرغم من أنّ زنغازور كانت ذات يوم منطقة أذربيجانية يسكنها مسلمون أتراك، فقد ضمّها إلى أرمينيا الاتحاد السوفييتي في عشرينيات القرن الماضي، ولا تزال داخل حدود أرمينيا حتى اليوم، مما أفقد أذربيجان اتصالها مع ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، وبطبيعة الحال اتصالها مع تركيا.

حتى إن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف هدّد بأنه إذا لم تُعطِ أرمينيا باكو ما تريده، فإن أذربيجان ستأخذ أرض الممر بالقوة.

خلافات متجددة حول الممر

على الرغم من أن التصعيد الأخير في سبتمبر/أيلول، الذي أسفر عن مقتل 105 أشخاص، يبدو أنه خفّت حدّته حاليّاً، فإن الحكومة الأذربيجانية تؤكد أن فشل المفاوضات حول الممر هو أساس ما يجري من هجمات. فحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأذربيجانية يأتي هجوم أرمينيا بهدف "وضع شروط جديدة وتعطيل عملية فتح طرق المواصلات والنقل"، وفقاً لما نقلته منظمة Eurasianet، ومقرها الولايات المتحدة.

وعقب التصعيد الأخير كرّر رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أن أرمينيا لن تسمح لأذربيجان بأن يكون لها "ممرّ" عبر الأراضي الأرمينية، وهي التصريحات ذاتها التي قالها باشينيان في مؤتمر عُقد في روسيا في 8 سبتمبر/أيلول، وأشار فيها إلى مقترحات قدّمَتها يريفان لباكو لحلّ هذا الخلاف.

فيما تشير مقترحات حكومة باشينيان إلى مشروع قرار نشرته دائرة الأمن القومي الأرمينية في 18 أغسطس/آب، يقترح إنشاء ثلاث نقاط عبور حدودية جديدة: في قرية سوتك على حدود منطقة كيلباجار الأذربيجانية، وكاراهونج على حدود منطقة جوبادلي الأذربيجانية، ويراخ على حدود منطقة ناخيتشيفان.

وبينما ستسمح المعابر الحدودية الجديدة للمركبات الأذربيجانية بالسفر بين البرّ الرئيسي للبلاد وناخيتشيفان، وهو ما يوفي، من الناحية النظرية، بأحد الشروط الرئيسية لاتفاقية وقف إطلاق النار لعام 2020، لا تزال أذربيجان تُصِرّ على تنفيذ وصلات النقل: طريق على طول الحدود الجنوبية لأرمينيا عبر مدينة ميغري، وهي أقصر مسافة بين ناخيتشيفان وبقية أذربيجان، حيث وافق الجانبان بالفعل على إعادة بناء خط سكة حديد يعود إلى الحقبة السوفييتية.

ما أهمية "ممر زنغازور"؟

في الاتفاقية الموقَّعة بعد الحرب، كان من المقرر أن تنسحب أرمينيا من الأراضي التي احتلتها منذ ما يقرب من 30 عاماً، وذُكر أنه ستُنفَّذ ممرات نقل جديدة بفضل جو الثقة الذي سيُنشأ هناك. كان خطّ النقل الجديد الذي سيُفتتح بين أذربيجان وناخيتشيفان أحد أهمّ بنود هذه الاتفاقية، خصوصاً أن ممرات النقل التي تصل إلى أذربيجان من آسيا الوسطى قُطعَت خلال فترة الاحتلال الأرمني، ومُنع اتصال أذربيجان بناخيتشيفان، وبعد ذلك اتصالها مع تركيا، حسب الأناضول.

ومن شأن ممر زنغازور، إذا ما فُتح أمام حركة المواطنين والمركبات والقطارات تحت حماية خدمة أمن الحدود الروسية، أن يزيل كثيراً من العوائق التي طالما واجهتها باكو جراء صعوبة الاتصال التي هيمنت على المناخ العامّ طوال العقود الثلاثة المنصرمة، إذ سيُسهم مباشرةً، ليس في نهضة ناخيتشيفان فحسب، بل سينعش اقتصاد المنطقة برُمّتها، وستستفيد منه تركيا وأذربيجان ووسط آسيا.

كما سيجعل الممر أذربيجان مركزاً لوجستياً غاية في الأهمية في منطقة القوقاز، ويجعل باكو لاعباً أساسياً في التجارة العالمية التي تمرّ عبر الأراضي الأورو-آسيوية، ونقطة التقاء مهمة على طول طريق الحرير الصيني المنطلق من وسط الصين باتجاه أوروبا.

وعلى الرغم من أن إعادة إنشاء ممر النقل يبدو أنها عملية طويلة وشاقة، فإنه إذا حدث فسيُشيَّد طريق يربط بين آسيا الوسطى وأوروبا بلا انقطاع على طول المسار الذي سيمر عبر بحر قزوين وتركيا. في هذه الحالة ستُعزَّز العلاقات التجارية واللوجستية والسياسية للعالم التركي، فضلاً عن زيادة حجم تجارة تركيا، ليس فقط مع أذربيجان، بل أيضاً مع الشرق الأوسط بأكمله.

ماذا سيتغير مع افتتاح الممر؟

لأن عديداً من الجهات الفاعلة لها اهتمام مختلفة في ممر زنغازور، تؤدّي المصالح المتضاربة أيضاً إلى زيادة التوتر في الجغرافيا التي تهمّ عديداً من البلدان، على رأسها إيران وأرمينيا وأذربيجان وروسيا وتركيا.

وبينما ترتبط تركيا وأذربيجان بعلاقات صداقة طويلة الأمد وشراكات استراتيجية فاعلة، تخشى إيران أن تصبح أذربيجان مركز جذب للأذربيجانيين الذين يعيشون على أراضيها، بالإضافة إلى التراجع الجيوستراتيجي الذي يسببه افتتاح الممر، حيث سيُمنَع ارتباطها بالبحر الأسود وروسيا بسبب انفصالها عن أرمينيا، مما يقلّل نفوذها في القوقاز ويُفقِد قوّتها لتكون دولة عبور على طريق الحزام، وفقاً لمقال الدكتورة عائشة جول كيتينجي المختصة بالعلاقات الدولية.

في المقابل، سيسهّل افتتاح الممر على جميع البلدان في المنطقة التواصل معاً ومع المناطق الجغرافية الأخرى. ومع تعزيز العلاقات التجارية واللوجستية، سيُستبدل بالتوترات علاقات تجارية جديدة بالتوازي مع زيادة الازدهار الذي سيجلبه تطوير طريق النقل عبر قزوين (CTN) وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، بما يعني تعزيز خطوط الإمداد في أوراسيا وموقع العبور.

TRT عربي