ملاذ الشركات الجديد.. كيف أصبحت تركيا مركزاً لوجستياً لألمانيا والعالم؟ (AA)
تابعنا

خلال الأزمة العالمية الناجمة عن وباء كوفيد-19، تَعرَّض عديد من القطاعات مثل الأدوية والسيارات والإلكترونيات والصحة والمنسوجات والزراعة والطاقة لضغوط بسبب الاضطرابات في الإنتاج في الصين والمشكلات في الخدمات اللوجستية الدولية، كما ظهرت مع الوباء نقاط ضعف سلاسل التوريد العالمية المعقدة.

كانت الجائحة والحرب الأوكرانية التي تلتها فرصة لإعادة ضبط نظام قائم على العمليات القديمة في سلسلة التوريد. وهكذا بدأ عديد من الشركات العالمية إعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بها، وبدأت شركات الخدمات اللوجستية أيضاً إعادة وضع نفسها من أجل مواكبة إعادة الهيكلة هذه وتقديم خدمة أفضل للعملاء.

مع ذلك أتاحت الأزمات التي ضربت قطاعات الصناعة والإمداد فرصة كبيرة لتركيا لتصبح مركزاً مهمّاً وملاذاً آمناً، تحديداً للشركات الألمانية، في سلسلة التوريد العالمية. وتأكيداً لموقع تركيا المحوري في الخطط الرامية إلى نقل خطوط الإمداد العالمية، نشرت صحيفة الأعمال الألمانية هاندلسبلات الاثنين، تقريراً بعنوان "سلاسل التوريد الهشة: تجعل تركيا ملاذاً للشركات الألمانية".

تركيا ملاذاً لشركات الشحن الألمانية

جاء في التقرير الذي نشرته الصحيفة الألمانية أنه بينما تستفيد الدولة الواقعة على مضيق إسطنبول من الحرب الروسية ومشكلات التوصيل إلى الصين، يبحث خبراء اللوجستيات الألمان عن الفرصة لترقية أعمالهم عبر تركيا.

فبالتزامن مع انقطاع سلاسل التوريد واختناق قطاع الإمدادات العالمية بدءاً من الشرق الأقصى بسبب جائحة كورونا، ووصولاً إلى اشتعال الحرب الأوكرانية أواخر فبراير/شباط الماضي، أصبحت تركيا فجأةً ملاذاً مرغوباً للمستوردين والمصدرين الألمان، إذ توجّهَت أنظار الشركات الألمانية العاملة بقطاع الخدمات اللوجستية مباشرة إلى تركيا، وأصبحت الدولة الواقعة خارج بوابات الاتحاد الأوروبي ذات أهمية متزايدة لتوريد البضائع.

إحدى هذه الشركات هي شركة Rhenus Logistics، وهي شركة لوجستية ألمانية تعمل في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية. فيما ترى الشركة الألمانية العملاقة، التي يعمل بها ما يقرب من 40 ألف موظف وحقّقَت مبيعات بقيمة 7 مليارات يورو عام 2021، أن تركيا هي قلب سلاسل التوريد الخاصة بها، لأن مراكز الإنتاج القريبة والتوافر العالي للخدمات اللوجستية أصبح ذا أهمية متزايدة بعد تفشّي كوفيد.

وفي حديثه لوكالة الأناضول، قال توبياس بارتز الرئيس التنفيذي لمجموعة ويستفاليان للشحن، التي تضمّ تحت مظلتها Rhenus Logistics: "وجدنا أن الشركات تريد نقل عملياتها من آسيا إلى أوروبا القريبة"، و"تُعتبر تركيا، بسكانها الشباب والمتعلمين نسبياً، موقعاً مثالياً للإنتاج والتجارة"، وتابع: "نرى مصانع معينة تُغلَق وتُفتتح في أماكن مختلفة، يصبح الوصول إلى الخدمات اللوجستية أكثر أهمية. وهذا هو سبب استثمارنا بكثافة في تركيا في العامين الماضيين، لضمان أن سلاسل التوريد التركية مستقرة وموثوقة ويمكنها فعلاً العمل بين آسيا وأوروبا".

اهتمام ألماني للاستثمار بتركيا

حسب موقع مركز الأبحاث التركي سيتا، لتركيا وألمانيا كثير من الإمكانيات لاستفادة كلتيهما من الأخرى شريكَين اقتصاديين، لكن التطورات السياسية تعوق تحقيق هذه الإمكانيات. وعلى الرغم من ذلك فإن غالبية الشركات الألمانية في تركيا تعتبر البلاد موقعاً مناسباً للاستثمار، وفقاً لمسح أجرته غرفة التجارة الألمانية في الخارج (AHK) أواخر عام 2021.

ويعمل في تركيا حالياً ما مجموعه 7000 شركة ألمانية، 327 منها أعضاء في غرفة التجارة الألمانية. ومن بين هؤلاء الأعضاء شاركت 77 شركة ألمانية في المسح الذي أعدته الغرفة.

من جهته قال رئيس غرفة الصناعة والتجارة الألمانية التركية ماركوس سليفوغت للأناضول إن الشركات الألمانية تدرك جيداً إمكانيات البلاد والموقع والمنطقة بأكملها. وأضاف: "لا ترى الشركات الألمانية تركيا سوقاً استهلاكية كبيرة فحسب، بل مركزاً يتيح لها الوصول إلى سوق يبلغ عدد سكانها 1.5 مليار نسمة".

مركز إنتاج عالمي

بعد الضربة الموجعة التي تلقّتها سلاسل التوريد العالمية بفعل آثار كورونا السلبية، وضمن مساعي نقل مركز الإنتاج من الصين إلى دول قريبة من الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، نجحت تركيا في جذب عدد جيد الشركات العالمية للاستثمار والإنتاج داخل أراضيها لما تملكه من اقتصاد يحقّق مستويات نموّ مستقرة وصادرات مرتفعة، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي الرابط بين آسيا وأوروبا وسوقها الاستهلاكية الكبيرة وامتلاكها خبراء وقوى عاملة مدربة في هذه المجالات.

وما إن بدأت فيها آثار جائحة كورونا تتقلص حتى أعقبها بدء الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، الأمر الذي دفع عديداً من الشركات الأجنبية العاملة فوق الأراضي الروسية إلى إعلان أنها تفكر في سلْك مسار دول الشرق الأقصى بعد انسحابها من الصين ونقل استثماراتها ومصانعها إلى تركيا التي جعلت نفسها خلال العقديْن الماضيين مركزاً استراتيجياً مهماً على مستوى العالم في المجالات الصناعية والتجارية واللوجستية.

ولدفع عجلة الاستثمار في البلاد وجذب مزيد من الشركات العالمية لنقل وبناء مصانع لها في تركيا، لم تكتفِ الحكومة التركية بحزم التحفيز والتشجيع، بل حسّنت خلال العقدين الماضيين شبكات النقل اللوجستية في البلاد وارتقت بها إلى مستوى عالٍ. وكشفت تركيا عن خططها الطموحة التي ستجعل منها بلا منازع مركزاً لوجستياً مهماً في قارات العالم القديم. ولفت أردوغان إلى أن تركيا دولة قطعت شوطاً طويلاً بالفعل في هذا الصدد باستثماراتها البالغة 172 مليار دولار في 5 قطاعات رئيسية من 2003 إلى نهاية 2021.

وتأكيداً لخطط تركيا الطموحة، أعلن الرئيس أردوغان أن الخطة الرئيسية للنقل واللوجستيات دخلت حيز التنفيذ لتحقيق رؤية 2053، التي تتصادف مع الذكرى 600 لفتح مدينة إسطنبول. وأضاف: "الخطوات المهمة التي اتخذتها بلادنا في مجال النقل في العشرين عاماً الماضية، ستجعل تركيا القوة اللوجستية العظمى في جغرافيا واسعة".

TRT عربي