"الجنرال الشتاء".. غلاف الدورية الفرنسية "لو بيتي جورنال" من عام 1916. (Others)
تابعنا

على مر القرون، كان الشتاء أحد أهم حلفاء الروس الذين دافعوا عن بلادهم لصد الغزاة الأوروبيين، لدرجة أنهم منحوه لقب "الجنرال الشتاء". وغالباً ما ساعد الشتاء الروسي القاسي القوات الروسية على محاصرة وسحق العدو المتقدم، لكن هذه المرة يبدو أن الشتاء يستعد لتوجية سلاحه ضد حليفه فوق الأراضي الأوكرانية.

فكما تسهل موجة البرد القطبية التي تضرب أوروبا الشرقية عملية نقل الجنود والعتاد فوق الأراضي المتجمدة، فإنها بالمقابل تجعل الجنود الروس، الذين استهدفت إمدادهم من الوقود والغذاء بواسطة الطائرات المسيّرة، عرضة لمواجهة خطر الموت تجمداً.

وفي حال افترضنا أن العملية العسكرية لم تفشل واستمرت للدخول في حرب استنزاف طويلة، فهذا يعني أن الروس سيكونون في بداية الربيع في مواجهة حليف آخر، هو "الجنرال الطين" الذي لا يقل مكراً وضراوةً عن زميله "الجنرال الشتاء"، الذي قد يعوق حركة القوات والمعدات الروسية ويجعلها أهدافاً سهلة للصياد "جافلين".

"الجنرال الشتاء"

كانت المرة الأولى التي ظهر فيها اسم "الجنرال الشتاء" أو "الجنرال فروست" في عام 1812 في رسم بريطاني كاريكاتيري ساخر للاحتفاء بالفشل الكارثي لحملة نابليون في روسيا. (Others)

كانت المرة الأولى التي ظهر فيها اسم "الجنرال الشتاء" أو "الجنرال فروست" في عام 1812 في رسم بريطاني كاريكاتيري ساخر للاحتفاء بالفشل الكارثي لحملة نابليون في روسيا. فقد كتب البريطانيون المبتهجون: "الجنرال فروست يحلق بوني الصغير". منذ ذلك الحين راج استخدام هذا الاسم لوصف الشتاء الروسي القاسي الذي يحمي روسيا وشعبها هجمات الغزاة.

لكن الشتاء كان أظهر نفسه حليفاً للروس قبل قرن من نيله لقب "الجنرال"، ففي عام 1708، وخلال حرب الشمال الكبرى بين السويد وروسيا، أمضى جيش تشارلز الثاني عشر الشتاء في أوكرانيا، حيث ضربه أبرد شتاء شهدته أوروبا منذ 500 عام، الأمر الذي منح النصر للروس في مواجهة الاسكندنافيين المعتادين البرد، لكن بالتأكيد لم يواجهوا مثل ذلك البرد.

وإلى جانب جيوش تشارلز الثاني عشر ونابليون، أثبت الشتاء مجدداً ولاءه لحلفائه الروس خلال تدخل الحلفاء في روسيا بين عامي 1918 و1919، وكذلك الغزو الألماني لروسيا عام 1941 المعروف باسم عملية بربروسا.

هل يدير الشتاء ظهره لحلفائه الروس هذه المرة؟

"الجنرال الشتاء".. غلاف الدورية الفرنسية "لو بيتي جورنال" من عام 1916. (Others)

تحسباً لعدم الوقوع في شراك "جنرال الطين" الأوكراني الذي لا يقلّ مكراً وضراوةً عن زميله "الجنرال الشتاء"، خلال الهجوم الروسي على أوكرانيا، انتظر القادة العسكريون الروس انخفاض درجات الحرارة إلى المستوى الذي لجعل التنقل عبر الأراضي الأوكرانية أمراً سهلاً نسبياً، لأن الأرض تكون متجمدة حينها.

لكنهم في المقابل لم يتوقعوا خيانة حليفهم الأزلي فوق الأراضي الأوكرانية، ولم يتوقعوا أن يكون الأوكرانيون قادرين على استهداف خزانات الوقود وقوافل الإمدادات بالشكل الذي لا يبطئ ويعوق تقدم القوات الروسية وحسب، بل يجعل الجنود الروس وجهاً لوجه في مواجهة درجات الحرارة المنخفضة التي قد تميتهم تجمداً.

وعلى الرغم من الموت والدمار الناجمَين عن الهجوم الروسي المستمر منذ 20 يوماً، فإن الجيش الأوكراني صمد أفضل مما توقع الخبراء، وكان التقدم الروسي أبطأ مما كان يُخشى. والآن باتت القوات الروسية بصدد دخول حرب استنزاف طويلة في مواجهة الأوكرانيين المدعومين من الغرب، بالإضافة إلى حليفَي روسيا التقليديين: "الجنرال الشتاء"، وزميله "الجنرال الطين" الذي يستعدّ لدخول المعركة قريباً.

ما قول "الجنرال الطين"؟

الطين أيضاً من أهم العوامل ذات الصلة بإضعاف المناورات العسكرية على الأرض، فضلاً عن عَوْق تقدم الأرتال والمعدات العسكرية سواءً في روسيا والدول المحيطة بها مثل أوكرانيا. كما يُجسَّد أحياناً على أنه "الجنرال الطين" الذي لا يقل أهمية عن زميلة "الجنرال الشتاء".

ويسمي الروس هذه الظروف الموحلة بـ "راسبوتيتسا" Rasputitsa، التي تحدث مع هطول الأمطار في الخريف وذوبان الجليد في الربيع في روسيا وتجعل النقل عبر الطرق غير المحسنة صعباً، بل مستحيلاً.

وبينما تتيح الأرض المتجمدة عملية نقل الجنود وعتادهم بسهولة وأمن نسبيَّين، قد تعوق الثلوج المتراكمة حركة المهاجمين مرة آخرى. لهذا فإن إطالة العملية العسكرية إلى بداية الربيع قد تُدخِل القوات الروسية في صراع مع الطين الأوكراني الذي لن يعوق تقدم الروس وحسب، بل سيجعل منهم ومعداتهم العالقة في الوحل أهدافاً سهلة للمقاومة الأوكرانية المسلحة بصواريخ جافلين المضادة للدروع.

TRT عربي