نسبة مشاركة غير مسبوقة.. كيف صنعت تركيا ديمقراطية غير قابلة للتشكيك؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

في الوقت الذي تكافح فيه أوروبا لرفع مستويات المشاركة في الانتخابات إلى أعلى من 65%، وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات في تركيا إلى مستوى قياسي غير مسبوق، محلياً وعالمياً. وفي حين أن معدل المشاركة في الانتخابات، وهو أحد الديناميكيات الرئيسية التي تحدد أداء الديمقراطيات، آخذ في الازدياد في تركيا، إلا أنه يتناقص في أوروبا. وهي ما قد تكون وحدها مؤشراً رئيسياً على المستوى المتقدم الذي وصلت إليه الديمقراطية التركية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع نسبة الإقبال دليل واضح على الوعي الذي وصل إليه الناخب التركي لأهمية مشاركته في تحديد من يقود البلاد، إذ تعتبر مؤشراً حقيقياً كفيلاً بضمان أن الانتخابات ديمقراطية تجري في مناخ شفاف، ولو لم تكن كذلك لما اقتنع الناس بالحضور والمشاركة أصلاً.

وفي هذا السياق، لفت الرئيس رجب طيب أردوغان، في خطاب الشرفة ليلة الأحد، الانتباه إلى الإقبال الكبير في الانتخابات وقال: "لقد أثبتت تركيا مرة أخرى أنها من بين الديمقراطيات الرائدة في العالم بمعدل مشاركتها في الانتخابات".

إقبال منقطع النظير

بعد الانتهاء من فتح جميع صناديق الإقتراع داخل تركيا، بلغت نسبة المشاركة 88.92% داخل تركيا، إذ كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية 88.84% ونحو 86.98% في الانتخابات البرلمانية. فيما بلغت نسبة المشاركة في الخارج 53.89% بالمتوسط، موزعة على 53.85% للانتخابات الرئاسية و53.92% على البرلمانية.

بالمقابل، تبلغ نسبة المشاركة في الانتخابات في أوروبا حوالي 65% في المتوسط. ففي الانتخابات العامة التي أجريت في نهاية 2022 في إيطاليا انخفضت نسبة المشاركة إلى أدنى مستوى في التاريخ وبلغت 63%، بينما سجلت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الفرنسية التي عقدت منتصف العام الماضي أدنى مستوى عند حوالي 48%.

ووفقاً لنتائج الانتخابات التي أبلغت عنها وكالة الأناضول، توجه إلى صناديق الاقتراع 55 مليوناً و762 ألفاً و560 ناخباً من أصل 64 مليوناً و190 ألفاً و651 ناخباً يحق لهم الاقتراع داخل وخارج تركيا.

انتخابات نزيهة وتنافسية

وفي بيان الأحد عقب اكتمال عملية التصويت في عموم تركيا مع حلول الساعة 17:00 عصر الأحد بالتوقيت المحلي، أعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات أحمد ينار، اكتمال عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعموم البلاد بلا مشكلات.

من جهته، قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو: "إن العملية الانتخابية كانت نظيفة. بعبارة أخرى، جرى تمرير انتخابات أكثر هدوءاً واعتدالاً في جميع أنحاء تركيا. في هذه المناسبة، أود أن أشكر جميع الأجهزة السياسية، أمتنا، ولا سيما قواتنا الأمنية".

فيما قال أستاذ العلوم السياسية البروفيسور أتيلا يايلا متحدثاً للأناضول حول تأثير انتخابات 14 مايو/أيار والانتخابات البرلمانية الثامنة والعشرين على الديمقراطية التركية، نجحت مرة أخرى في إجراء انتخابات نزيهة وتنافسية، وهي من المتطلبات الأساسية للديمقراطية. لهذا السبب، تستحق تركيا أن تفخر بنفسها وأن تجري الإشادة بالديمقراطية التركية.

نظام رقابي وفرز صارم

يشرف القضاء التركي من خلال الهيئة العليا للانتخابات (YSK) على عملية الاقتراع برمتها. ولكل صندوق اقتراع هناك لجنة مراقبة تتكون من فريقين أساسيين؛ الأول هو ضابط لجنة صندوق الاقتراع، ويجري تحديده من قبل الهيئة العليا للانتخابات من بين أولئك الذين هم من موظفي الخدمة المدنية. والثاني هم كتاب الاقتراع الذين يمثلون الأحزاب المشاركة.

تنفذ لجان صناديق الاقتراع جميع الأعمال بدءاً من مراقبة عملية التصويت مروراً بالتأكد من سير العملية برمتها بكل حرية وسرية بما يتلاءم مع قوانين الانتخابات، وصولاً إلى فتح الصندوق وفرز الأصوات وتسجيلها ونقلها إلى مراكز هيئة الانتخابات العليا في البلدات والمقاطعات، ومن ثم إدخالها على النظام الإلكتروني بشكل رسمي.

وبعد ضمان سريان عملية التصويت بشكل قانوني، تبدأ عملية فرز الأصوات على النحو التالي:

1- بعد فتح صندوق الاقتراع، يجري عد مظاريف التصويت التي تخرج من صندوق الاقتراع ومقارنتها مع تواقيع أو بصمات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في قائمة الناخبين في صندوق الاقتراع.

2- يجري فحص مغلفات التصويت قبل فتحها. إذا كان هناك مظروف غير صالح، يجري فصله. وفي حال كان عدد المغلفات أكبر من عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، فسيجري اختيار مغلفات مغلقة بشكل عشوائي واستبعادها لضمان المساواة بين التوقيعات والمغلفات. أما إذا كان عدد المغلفات أقل من عدد التوقيعات، فسيجري بدء عملية العد مباشرة.

3- بعد فرز أوراق ومغلفات الاقتراع غير المستخدمة وربطها وختمها وتسجيلها في المحضر من قبل لجنة صندوق الاقتراع، تبدأ عملية الفرز، والتي تستمر دون انقطاع ودون توقف. حتى لو كان هناك اعتراض، فلن يتوقف العد في غضون ذلك، وسيتمكن مراقبو الأحزاب السياسية والمرشحون المستقلون وجميع الناخبين المسجلين في مراكز الاقتراع من مراقبة الإجراءات.

4- عند اكتمال عملية العد والفرز، يجري وضع جميع المستندات في حقيبة الانتخابات وتجري طباعة ختم مجلس انتخابات الدائرة استعداداً لتسليم الحقيبة الانتخابية والختم المعدني، جنباً إلى جنب مع رئيس لجنة صندوق الاقتراع وعضوين على الأقل، بسرعة إلى رئيس لجنة انتخابات المنطقة. بعد ذلك، تقوم مجالس انتخابات المقاطعات بتجميع محاضر نتائج صناديق الاقتراع بحضور ممثلي الأحزاب السياسية والمراقبين، ومن ثم يجري دمج جميع المحاضر وإرسالها إلى مجلس الانتخابات المحلي.

5- تسلّم هيئة الانتخابات المحلية نسخة من المحضر إلى الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين في الوقت نفسه. ليجري بعد ذلك جمع جميع أكياس الاقتراع المختومة المستخدمة في الدائرة الانتخابية على العنوان الذي يحدده المجلس. في غضون ذلك، ينشر الهيئة العليا للانتخابات في الوقت نفسه عدد الأصوات ومحاضر نتائج الاقتراع المسجلة في نظام معلومات الانتخابات للأحزاب السياسية. وبالتالي، بعد نهاية هذه العملية برمتها، تظهر نتائج مؤقتة.

لا صوت يعلو فوق صوت الأرقام

خلال ساعات الفرز الأولى ظهرت أصوات مشككة بالنتائج التي نشرتها وكالة الأناضول من أطراف في المعارضة التركية، ورفض بعض قادتها الأرقام التي تشير إلى تفوق أردوغان على كليجدار أوغلو الذي بدوره كتب مغرداً على تويتر "نحن متقدمون"، وهو الأمر الذي أشار إليه رئيسا بلدية إسطنبول وأنقرة المرشحان لمنصب نائب الرئيس عن "تحالف الأمة'' المعارض، اللذان زعما بدورهما أن وكالة الأناضول التركية غير موثوق بها، وأن زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو يتصدر النتائج.

وفي الوقت الذي نشر فيه كليجدار أوغلو تغريدته كانت وكالة أنكا للأنباء المعروفة بقربها من المعارضة قد أظهرت تقدّم الرئيس أردوغان بالانتخابات الرئاسية بواقع 50.65%

ولكن مع ازدياد عدد الصناديق التي فُتحت وفُرزت أصواتها، بدأت المعارضة ووسائل إعلامها تقر بأن الصدارة باتت من نصيب أردوغان، لا سيما وأن النتائج التي عرضتها الأناضول تتوافق مع النتائج الرسمية التي أصدرتها الهيئة العليا للانتخابات، فضلاً عن الأرقام التي في حوزة المعارضة أيضاً، مما دفعها بالنهاية إلى التسليم أمام شفافية الانتخابات وسلامة نتائجها.

من جهته، أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال خطاب الشرفة، احترامه للإرادة الوطنية بصناديق الاقتراع، وأكد أن الفائز الأول في الانتخابات هو الديمقراطية والشعب التركي، مشيراً إلى أن الشعب التركي أظهر توجهاً كبيراً تجاه شخصه بـ49.51%، ولتحالف الجمهور أيضاً في البرلمان التركي.

وأوضح أردوغان في منشور لاحق على وسائل التواصل الاجتماعي أن حسم الانتخابات الرئاسية تأجل إلى الجولة الثانية بفارق أقل من نصف بالمئة.

إشادات دولية

قالت وزارة الخارجية التركية، الثلاثاء، إنّ 489 مراقباً دولياً شاركوا في مراقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية في دورتها 28 التي أُجريت في 14 مايو/أيار الحالي بعد دعوات وجَّهتها تركيا إلى عدد من المؤسسات الدولية والأوروبية والإقليمية. فيما أكد المراقبون والمنظمات الدولية في بيانات وتصريحات مختلفة، سلامة وشفافية العملية الانتخابية، وتوافقها مع المعايير الدولية.

وبينما أشاد الاتحاد الأوروبي الثلاثاء بنسبة المشاركة الكبيرة للشعب التركي في الانتخابات، مبيناً أنها مؤشر واضح على التزام الأتراك لاستخدام حقوقهم الديمقراطية، رحب مفوض شؤون التوسع وسياسة الجوار بالاتحاد الأوروبي أوليفر فارهيلي بنسبة المشاركة الكبيرة للأتراك بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، معتبراً أنها مؤشر على اهتمامهم باستخدام حقوقهم الديمقراطية.

ورداً على سؤال مراسل وكالة الأناضول حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، الاثنين، إن تركيا "تتمتع بتقليد ديمقراطي عريق يدعو للافتخار". وأكد أن الولايات المتحدة وتركيا حليفان منذ زمن بعيد، وتربطهما "علاقات متجذرة"، مضيفاً: "نواصل متابعة الانتخابات في تركيا وبشكل عام نهنئ الشعب التركي على مشاركته الواسعة، كما نهنئ البرلمان الجديد، وسنعمل مع الفائز".


TRT عربي
الأكثر تداولاً