تابعنا
أعلنت تركيا أنها ستخفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 21% بحلول عام 2030، وصدّقت على اتفاقية باريس للمناخ في أكتوبر 2021،وأجرت تحولات في مجموعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن تحقيق هدف الاتفاقية بالحدّ من ارتفاع درجات حرارة الأرض.

دفعت أزمة المناخ دول العالم للتحرك سريعاً نحو مستقبل منخفض الكربون، ووضعِ خططٍ استراتيجيةٍ نحو "صافي الصفر"، أي عدم انبعاث كميات من غازات الدفيئة أكثر من تلك التي أُزيلت، وأُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي للتعجيل بهذا التحول.

وتسعى تركيا لتحقيق تنمية مستدامة من خلال ثورتها التنموية الخضراء، التي تعد واحدةً من الأهداف الأولى والأكثر أهمية لرؤية عام 2035، إذ تهدف تركيا إلى تحقيق الحياد المناخي "صفر كربون" وتحويل اقتصادها إلى اقتصاد أخضر من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجدّدة والنظيفة، مثل الرياح وأشعة الشمس والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية، وكذلك الطاقة النووية بدلاً من الوقود الأحفوري المسؤول الأول عن غازات الدفيئة المسببة لتغيّر المناخ.

الخلفية الاقتصادية لخطة التحول الأخضر

بدأت مناقشة قضايا التحوّل الأخضر و"صفر انبعاثات" بشكل مكثّف في تركيا، في أعقاب صدور مجموعة من التشريعات الأوروبية المعروفة باسم "حزمة المواءمة لـ55" التي نشرتها المفوضية الأوروبية في يوليو/تموز 2021، في إطار تنفيذ الصفقة الخضراء الأوروبية التي أعلنها الاتحاد الأوروبي عام 2019، بهدف تحويل أوروبا إلى أول قارة محايدة مناخياً بحلول عام 2050، بدءاً بخفض الانبعاثات بنسبة 55% على الأقل بحلول نهاية هذا العقد.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي في إطار حزمة المواءمة، عن آلية تعديل حدود الكربون (CBAM)، وهي أول ضريبة كربون عابرة للحدود، تهدف إلى مكافحة ما يسمى "تسريب الكربون" أي نقل إنتاج السلع التي يصدر عنها انبعاثات كربونية كثيفة، خارج حدود الاتحاد الأوروبي إلى بلدان تطبّق سياسات مناخية أقل صرامة.

ويعتبر الامتثال للصفقة الخضراء الأوروبية، وآلية تعديل حدود الكربون، من الأمور الأساسية التي تسعى تركيا لتحقيقها، مع وصول حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي إلى 196.4 مليار دولار في عام 2022.

وتحتل تركيا المرتبة الخامسة بحصة 3.9% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي، ويحظى الأخير بحصة تبلغ 40.6% ويحتل المرتبة الأولى من إجمالي صادرات تركيا بقيمة 103.1 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التجارة التركية.

وأعلنت تركيا أنها ستخفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 21% بحلول عام 2030، وصدّقت على اتفاقية باريس للمناخ في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ويعني التصديق إجراء تحولات في مجموعة واسعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن تحقيق هدف الاتفاقية بالحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، ومواصلة الجهود للحدّ من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وتشمل الإجراءات بشكل أساسي التحول بعيداً عن مصادر الوقود الأحفوري في مجالات الطاقة والتصنيع.

خريطة الطريق نحو صفر انبعاثات

يمكن لتركيا تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 من خلال زيادة قدرتها في تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتخزين وتقليل استهلاك الوقود الأحفوري باستثمار سنوي مقداره 10 مليارات دولار، وفقاً لتقرير مركز إسطنبول للسياسات في جامعة سابانجي.

وبحسب التقرير الذي قُدّم أمام مؤتمر المناخ "كوب 27" في شرم الشيخ عام 2022، يحتاج قطاع الكهرباء الذي يبرز كأهم قطاع في التحوّل الضروري لمكافحة أزمة المناخ، إلى استثمار بقيمة 36.5 مليار دولار حتى عام 2030.

وبموجب سيناريو الصفر الصافي، ستتجنّب تركيا 1.35 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع انخفاض إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في البلاد بنسبة 32% عن مستويات عام 2018 في عام 2030.

وبحسب الأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء التركي، بلغ إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في عام 2021 في تركيا نحو 564.4 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وحصلت الانبعاثات المرتبطة بالطاقة على الحصة الأكبر بنسبة 71.3%، تليها العمليات الصناعية واستخدام المنتجات بنسبة 13.3%، والزراعة بنسبة 12.8%، وقطاع النفايات بنسبة 2.6%.

وتسعى تركيا إلى تنويع مصادر الطاقة ضمن آلية دعم موارد الطاقة المتجدّدة (YEKDEM) لعام 2024، التي أعلنتها هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية (EPDK)، بهدف تشجيع إنتاج الطاقة المستدامة وتحقيق النمو الاقتصادي من خلال الدعم الذي تقدمه لقطاع الطاقة المتجددة.

وتتضمن هذه الآلية تفاصيل 778 محطة طاقة تتكون من مصادر مختلفة للطاقة المتجدّدة، وتتمتع محطات الطاقة هذه بقدرة إجمالية مركبة تبلغ 17.6 غيغاواط وتلعب دوراً حاسماً في تحقيق أهداف الطاقة المستدامة في تركيا.

وترسم خطة التنمية الثانية عشرة لفترة 2024-2028 التي اعتمدها البرلمان التركي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023 خريطة طريق طويلة المدى في إطار رؤية 2053، وبحسب الخطة، فإن دور الطاقة التي يجري توفيرها من موارد محدودة وبتكاليف عالية حالياً، سيتراجع في معادلة الإنتاج والاستهلاك، نتيجة التحولات التكنولوجية الجديدة والوصول إلى مجموعة واسعة من الموارد الجديدة والنظيفة.

ورغم أن الاعتماد على النفط لن ينتهي بشكل كامل في المستقبل، فإن استخدام مصادر الطاقة النظيفة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية، سيصبح أكثر انتشاراً، وبالتوازي مع ذلك، ستصبح الفرص التكنولوجية الجديدة مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه والهيدروجين الأخضر أكثر وضوحاً بحسب الخطة.

النمو والتطورات في الطاقة المتجدّدة

شهدت تركيا نمواً كبيراً في مصادر الطاقة المتجددة، إذ تضاعف توليد الكهرباء من المصادر المتجددة ثلاث مرات تقريباً في العقد الماضي، ووصلت حصة الكهرباء النظيفة في إجمالي توليد الطاقة إلى 44% في عام 2019، بحسب تقرير تركيا 2021 الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، والذي توقع أيضاً تعزيز محفظة الطاقة المنخفضة الكربون في البلاد مع تشغيل أول محطة للطاقة النووية في تركيا.

واحتلت تركيا، التي رفعت حصة مصادر الطاقة المتجدّدة في إجمالي الطاقة المركبة إلى 55%، المرتبة الخامسة في أوروبا والثانية عشرة على مستوى العالم، وتخطط لزيادة حصة الطاقة المتجدّدة إلى 69% في عام 2053.

وأكملت تركيا خرائط الطريق الخاصة بإزالة الكربون في قطاعات الصلب والألمنيوم والإسمنت والأسمدة في سياق هدف صافي الانبعاثات الصفرية، بحسب ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته أمام القمة العالمية للعمل المناخي التي عقدت في نطاق مؤتمر الأطراف (كوب28) مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي في دبي.

كما تدعو خطة الطاقة الوطنية التركية التي أعلنها وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونميز، مطلع عام 2023، والتي جرى إعدادها في إطار هدف صافي الانبعاثات لعام 2053 إلى دعم النمو الاقتصادي ونقل التحول الأخضر إلى مستوى جديد في عام 2035.

الطاقة النووية نحو مستقبل أخضر

يعتبر استخدام الطاقة النووية إحدى القضايا البارزة التي تدعمها خطة الطاقة الوطنية التركية، إذ من المتوقع أن تصل طاقة الكهرباء المنتجة من الطاقة النووية في تركيا إلى 11.1% من إجمالي الإنتاج بحلول عام 2030.

وتخطط تركيا لتشغيل مفاعلها النووي الأول لمحطة "آق قويو" للطاقة النووية بولاية مرسين جنوباً، في 29 أكتوبر/تشرين الأول القادم، تزامناً مع الذكرى 101 لتأسيس الجمهورية، لتزويد البلاد بأول كهرباء نووية.

ومن المتوقع أن تلبي محطة الطاقة، التي ستنتج نحو 35 مليار كيلوواط ساعي من الكهرباء سنوياً عند تشغيلها بكامل طاقتها، 10% من الطلب على الكهرباء في تركيا وحدها.

ويبلغ العمر التشغيلي لمحطة "آق قويو" للطاقة النووية 60 عاماً، ومن الممكن تمديده لمدة 20 عاماً أخرى، وستسهم المحطة في هدف تركيا "صافي الانبعاثات 2053"، إذ بإمكانها منع ما مجموعه 2.1 مليار طن من انبعاثات الكربون خلال الستين عاماً التي ستكون فيها قيد التشغيل.

وتعتبر الطاقة النووية مصدراً للطاقة النظيفة عديمة الانبعاثات، إذ تتولد طاقة هائلة من خلال انشطار ذرات اليورانيوم، وتُستخدم الحرارة المنبعثة من الانشطار لتوليد البخار الذي يدير التوربينات لتوليد الكهرباء من دون إطلاق منتجات ثانوية ضارة مثل تلك المنبعثة من الوقود الأحفوري.

كما تنتج الطاقة النووية قدراً أكبر من الكهرباء على مساحة أقل من الأرض مقارنة بأي مصدر آخر للطاقة النظيفة.

وأصدر مجلس هيئة التنظيم النووي (NDK) التركي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تصريحاً لتشغيل وحدة الطاقة رقم 1 لمفاعل "آق قويو" الذي نفذته مؤسسة روساتوم الروسية الحكومية التي ستسمح ببدء تحميل الوقود النووي في المفاعل وبدء عمليات التحكم قبل التشغيل.

وأكد وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، على أنه يهدف إلى تشغيل أكثر من 20 ألف ميغاوات من قدرة الطاقة النووية في السنوات الثلاثين المقبلة.

وتُجري الحكومة التركية محادثات مع روسيا الاتحادية وكوريا الجنوبية لبناء محطة ثانية للطاقة النووية بولاية سينوب شمالاً، وكذلك مع الصين بشأن إنشاء محطة نووية ثالثة في منطقة تراقيا شمال غرب البلاد.

TRT عربي
الأكثر تداولاً