تتويج سيدات إنجلترا المعروفات بـ"اللبؤات" في كأس العالم للسيدات (Getty Images)
تابعنا

ستبقى أمسية 31 يوليو/تموز 2022 عالقة كثيراً في أذهان الجماهير الإنجليزية على وجه التحديد، وذلك احتفاءً بفوز سيدات البلاد بلقب كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخها.

جاء تتويج سيدات إنجلترا المعروفات بـ"اللبؤات" على غرار لقب "الأسود الثلاثة" المرتبط بمنتخب الرجال، عقب الفوز على ألمانيا في المباراة النهائية بنتيجة 2-1 بعد نهاية الوقت الأصلي بالتعادل بهدف لمثله، قبل تسجيل هدف الانتصار في الشوط الإضافي الثاني.

وتُوّجَت "اللبؤات" باللقب القاري بحضور جماهيري غير مسبوق بعدما احتشد أكثر من 87 ألف متفرج في جنبات ملعب "ويمبلي" بالعاصمة الإنجليزية لندن، وهو أكبر رقم في تاريخ المسابقة القارية لمنتخبات الرجال أو السيدات على حد سواء.

ومع هذا الرقم القياسي من المشجعين في البطولة الأوروبية، تبقى الكرة النسائية متأخرة بخطوات عن نظيرتها الرجالية التي تستقطب عشاق "الساحرة المستديرة" في جميع أرجاء العالم، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن أسباب ذلك، وما المطلوب لجذب المتابعين والرعاة، ومحاولة تقليص الفجوة وجعل الفارق ضئيلاً بين الكرتين الرجالية والنسائية وبطولاتها القارية والعالمية.

لغة الأرقام

انطلقت بطولة كأس الأمم الأوروبية للرجال في عام 1960 بمشاركة 4 منتخبات قبل زيادتها إلى ثمانية ثم إلى 16 وصولاً إلى 24 منتخباً بدءاً من نسخة 2016، في حين انطلقت أول بطولة أوروبية رسمية لمنتخبات السيدات في عام 1984 عندما تقابلت السويد وإنجلترا في مواجهة نهائية مكونة من ذهاب وإياب، قبل أن يرتفع العدد وصولاً إلى 16 منتخباً.

وتُظهِر هذه الأرقام أن الكرة النسائية الأوروبية انتظرت 24 عاماً بعد انطلاق بطولة الرجال الأولى لكي تحظى بمسابقة رسمية للسيدات، علاوة على أن بين عدد المنتخبات المشاركة لدى الجنسين فارقاً، فالرجال يشاركون بـ24 منتخباً مقابل 16 للسيدات وفق آخر إحصائية تتعلق بالبطولتين.

الفجوة الكبيرة بين الرجال والنساء في كرة القدم لم تكن متعلقة بالبطولة الأوروبية فحسب، بل انسحبت أيضاً على نهائيات كأس العالم لكرة القدم، إذ تعود البطولة الأولى لمنتخبات الرجال إلى عام 1930 بمشاركة 13 منتخباً، ثم أصبح 16 في البطولة التالية، وهنا يدور الحديث عن نسخة 1934 إذ بقي الحال كما هو حتى نسخة 1982 بمشاركة 24 منتخباً قبل زيادتها إلى 32 بدءاً من نسخة 1998، في حين سيرتفع العدد إلى 48 اعتباراً من نسخة 2026 التي تحتضنها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

في الجهة المقابلة انتظرت الكرة النسائية طويلاً حتى إقامة أول مونديال للسيدات، وذلك في نسخة عام 1991 بمشاركة 12 منتخباً، ثم ارتفع العدد إلى 16 انطلاقاً من نسخة 1999، وصولاً إلى 24 اعتباراً من نسخة 2015، فيما سيكون العدد 32 بداية من مونديال 2023 الذي تستضيفه أستراليا ونيوزيلندا.

وتُعَدّ الولايات المتحدة الأكثر تتويجاً بمونديال السيدات بـ4 ألقاب كان آخرها عام 2019، تليها ألمانيا بلقبين عالميين، مع الإشارة إلى أن الألمانيات الأكثر تتويجاً باللقب الأوروبي بثمانية ألقاب، بفارق شاسع عن النرويج التي حلت وصيفة بلقبين فقط.

ما سر تفوق كرة الرجال؟

يقول المحامي الرياضي الدولي محمد متولي، إن عوامل كثيرة تقف وراء تفوق الكرة الرجالية على نظيرتها النسائية، مبيناً أن الكرة النسوية حديثة العهد مقارنة بالرجالية، بخاصة في الوطن العربي والقارة الإفريقية.

ولفت متولي في حديثه لـTRT عربي إلى أن الوضع تَغيَّر الآن بعد إلزام الاتحاد الدولي لكرة القدم اتحادات اللعبة والأندية المنضوية تحت لوائها ضرورة وجود فرق نسائية.

وبيّن أن كرة القدم في المقام الأول هي لعبة عالمية للرجال، لذلك "لا تتمتع كرة النساء بنفس نسب المشاهدة، ولا بجزء صغير مقارنة مع الرجال"، لكنه استدرك في الوقت نفسه بأنه في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تحديداً في الولايات المتحدة، كانت تُعرَف كرة القدم بأنها لعبة نسائية.

وفي ما يتعلق بالعالم العربي، يرى المتحدث أن الأمر يتطلب وقتاً طويلاً لتغيير الأفكار حول كرة القدم النسائية، "حتى يستسيغ الجمهور اللعبة للنساء، وإمكانية مشاهدة دوريات قوية في المنافسة".

ويضيف أن الأمر عربياً يحتاج إلى وقت "لتطوير البنات الصغيرات وعقليتهن الرياضية"، لكون اللعبة حديثة لـ"الجنس اللطيف"، فضلاً عنه أنه يُلزِم على الاتحادات "الاهتمام بالرياضة النسائية ودعمها بلوائح خاصة، وإمدادها بمتخصصين لتطوير أفكار اللاعبات والتكتيكات"، بغية خلق منافسة قوية تجذب الجماهير للمتابعة والتشجيع، إضافة إلى ضرورة الاهتمام الإعلامي والتسويق الصحيح.

فارق بالأجور

تفوُّق كرة الرجال على نظيرتها النسائية شمل جميع الجوانب، ومن ضمنها رواتب اللاعبين وسوق الانتقالات والعوائد المالية من البطولات وعقود الرعاية والتسويق، لكن لاعبات منتخب أمريكا رفضن الاستسلام للأمر الواقع، إذ قدمن في مايو/أيار 2020 شكوى للمساواة في الأجر مع فريق الكرة الرجالي، قبل أن يصطدمن برفض محكمة أمريكية ادعاءاتهن بأن تقاضيهن رواتب أقل من تلك التي يحصل عليها زملاؤهن الرجال "يمثل انتهاكاً لحقوقهن".

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فإن 28 لاعبة من المنتخب الأمريكي لكرة القدم اشتكوا اتحاد كرة القدم في البلاد (USSF)، إذ طالبن بتعويضات بقيمة 66 مليون دولار "بموجب قانون المساواة في الأجور".

وقالت المحكمة في حيثيات رفض الدعوى، إن "ما حصده الفريق النسائي من أجور يعد أعلى مما يحصده الرجال وفقاً لعدد المباريات"، في حين شدّد اتحاد كرة القدم الأمريكي على أنه يريد العمل مع الفريق "لرسم مسار إيجابي إلى الأمام لتنمية اللعبة في داخل الولايات المتحدة وحول العالم"، مؤكداً التزامه "بقاء كرة القدم الأمريكية رائدة العالم في بطولات السيدات داخل الملعب وخارجه".

وكانت سيدات أمريكا تُوّجن بكأس العالم صيف 2019 للمرة الرابعة في تاريخهن (وهو رقم قياسي)، علاوة على فوزهن بخمس ميداليات ذهبية أولمبية، في حين فشل منتخب الرجال الأمريكي في تحقيق إنجازات كروية لافتة في المنافسات الدولية، إذ وصل إلى ربع نهائي مونديال 2002، فيما يظل أفضل إنجازاته تحقيق المركز الثالث في أول بطولة كأس عالم عام 1930.

مُنع فريق كرة القدم النسائي الروسي من التأهل لكأس العالم للسيدات (Reuters)

تفوق نساء أمريكا على الرجال في كرة القدم لم يكن السبب الوحيد في تعالي الأصوات المطالبة بالمساواة في الأجور بين الجنسين، إذ كشفت صحيفة "موندو ديبورتيفو" الإسبانية أن كلاسيكو السيدات بين برشلونة وريال مدريد، في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، شهد حضوراً جماهيرياً تاريخياً في كرة القدم النسائية.

وفق الصحيفة الكتالونية، فإن المباراة التي جرت أواخر مارس/آذار 2022، عرفت تحطيم الرقم القياسي العالمي بحضور ما يزيد على 91 ألف متفرج في مدرجات ملعب "كامب نو"، متفوقاً بـ5 آلاف متفرج على الحضور الجماهيري لموقعة كلاسيكو الرجال في الاستاد ذاته ضمن الموسم نفسه.

بدورها أبانت الكاتبة تشارلوت كلايمر الفارق الكبير في الأجور والمكافآت بين منتخبات السيدات والرجال، بقولها في تغريدة لها إن المنتخب الفائز بكأس العالم للسيدات عام 2015 حصل على مليونَي دولار من الفيفا، فيما نال الخاسر في ربع نهائي مونديال روسيا 2018 للرجال على 16 مليون دولار، أي 8 أضعاف ما تناله السيدات للفوز بالكأس العالمية، ليبقى الفارق لافتاً بين مكافآت الجنسين رغم الزيادات المالية التي تُرصَد للكرة النسائية.

إلامَ تفتقر الكرة النسائية؟

الدراسات الإحصائية تؤكد أن عدد الرجال الذين يشاهدون الرياضة النسائية عموماً، وعلى رأسها كرة القدم، يفوق عدد النساء، إذ إن 54% من مشاهدي كرة القدم النسائية من الرجال مقابل 46% من النساء، كما أن عدد النساء اللاتي يشاهدن كرة القدم الرجالية يتفوق على عدد مشاهِدات الكرة النسائية.

من جانبه حاول الباحث الإنجليزي بول برادلي من جامعة "ليفربول جون موريس" برفقة 4 من زملائه في عام 2013، إجراء دراسة وارتكزت على ملاحظة أداء 54 لاعباً و59 لاعبة ضمن دوري أبطال أوروبا، حول ما يميّز كرة قدم الرجال من نظيرتها النسائية.

وخلصت الدراسة إلى أن لعبة الرجال يشاهدها مئات الملايين حول العالم، وكلما زاد عدد المشاهدين ازدادت الرغبة في الاستعراض ولفت الأنظار، مؤكدة أن "العدائية" و"الحدة البدنية" تميّز لعبة الرجال من النساء.

ولم تُظهِر الدراسة فروقاً كبيرة في عدد المراوغات أو لمسات الكرة، فيما خسرت اللاعبات الاستحواذ بمعدلات أكبر وسجّلن دقة أقلّ نسبياً من الرجال في التمرير.

كما بيّنَت الدراسة أن لدى الرجال قدرة أكبر على قطع المسافات بسرعة أعلى، وبحِدَّة وكثافة مختلفتين عن قريناتهم من النساء، بخاصة في مراكز الأطراف كالجناح والظهير.

تحظى كرة القدم النسائية باهتمام زائد، ولكنها تحتاج إلى وقت طويل على ما يبدو لمنافسة كرة قدم الرجال في لفت الانتباه، لأسباب تتعلق بنضج كرة القدم النسائية، وبعض العوامل البنيوية كالأجور وعدد الأندية.



TRT عربي