يحول المعادن إلى ذهب ويمنح الحياة الأبدية.. ماذا تعرف عن "حجر الفلاسفة"؟ (Others)
تابعنا

في رواية "الخيميائي" لباولو كويلو، وأثناء رحلة الراعي الإسباني سانتياغو الذي دفعه حُلمه إلى القدوم إلى مصر بحثاً عن الذهب، يلتقي بطل الرواية في واحة على أطراف الصحراء المصرية بـ "الخيميائي" عارف الأسرار العظيمة التي تمكنه من تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب، والذي يساعده على الوصول إلى الأهرامات ليكتشف أن ما ينتظره هو علامة أخرى ليصل إلى كنزه.

ومنذ ظهور المبادئ الأولية لعلم الكيمياء قديماً، سعى الخيميائيون وراء هدف واحد وحيد، وهو ما أطلق عليه كويلو في روايته اسم "الإنجاز العظيم" أو "العمل العظيم" (Magnum Opus)، والذي وصفه بأنه يتكون من جزئين اثنين، أحدهما سائل يُسمى "إكسير الحياة" الذي يمنح الحياة الأبدية، والآخر صلب يُدعى بـ "حجر الفلاسفة" القادر على تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب ثمين.

فما "حجر الفلاسفة"؟ وهل هو موجود أو هو مجرد علم زائف؟ إليكم أصل الحكاية.

حجر الفلاسفة

حجر الفلاسفة هو مادة غير معروفة، تسمى أيضاً بأسماء مثل "الصبغة" أو "المسحوق"، بحث عنها الخيميائيون لفترة زمنية طويلة اعتقاداً منهم بقدرتها المفترضة على تحويل المعادن الأساسية إلى معادن ثمينة كالذهب والفضة، واعتقدوا بأن إكسير الحياة يمكن أن يُشتق منه، كون الكيمياء كانت مهتمة بكمال الروح البشرية.

والحقيقة أن هذا الاعتقاد بُني على استنتاج مفاده أنه طالما يستطيع حجر الفلاسفة تحويل المعادن الرخيصة التي تتأكسد وتفسد إلى معدن الذهب الذي لا يفسد، فإنه بطريقة ما يستطيع أن يحول الإنسان إلى مخلوق خالد.

وبينما أرجع البعض نشوء هذه الصنعة إلى مصر القديمة وبعض آخر إلى الصين، إلا أن الجذور النظرية لحجر الفلاسفة يمكن أن تعزى إلى الفلسفة اليونانية التي أغرقها الظلام لفترة قبل أن تصل إلى العرب في القرن الثامن الميلادي و يحسنوا منها حتى القرن الثاني عشر قبل إعادتها إلى أوروبا مجدداً من خلال ترجمة كتب جابر بن حيان وآخرين.

ولعدة قرون، كان حجر الفلاسفة هو الهدف الأكثر طلباً في علم الكيمياء، وكان بمثابة المفتاح الرمزي لكل مصطلحات الكيمياء الصوفية، حيث رمز إلى الكمال والتنوير والنعيم، وبطبيعة الحال الخلود.

محاولات العصور الوسطى

منذ العصور الوسطى ولغاية أواخر القرن السابع عشر، كان ما يسمى بحجر الفلاسفة هو الهدف الأكثر رواجاً في عالم الكيمياء، حيث شجع البحث عن الحجر الخيميائيين إلى فحص العديد من المواد وتفاعلاتها في مختبراتهم، ليؤسسوا بقصد أو بغير قصد مجموعة المعارف التي أدت في النهاية إلى ظهور علوم الكيمياء الحديثة وعلوم المعادن والصيدلة.

من جانبه، حلل جابر بن حيان خواص العناصر الأربع حسب توصيفات أرسطو، مؤكداً وجود أربع خواص أساسية الحر والبرودة والجفاف والرطوبة، وأشار إلى أن المعادن هي خليط من هذه العناصر الأربعة اثنان داخليان يكونان الجوهر وآخران خارجيان يشكلان المظهر، وخلص إلى استنتاج مفاده أن تحويل معدن إلى آخر ممكن من خلال إعادة ترتيب هذه الخواص الأساسية بواسطة مادة أسماها الخيميائيون بالإكسير، وهي تستخرج من حجر الفلاسفة.

وعلى مر القرون بحثت أذكى العقول في العالم الغربي عن حجر الفلاسفة، منهم روجر بويل أبو الكيمياء الحديثة، وحتى السير إسحاق نيوتن، الذي كُشف في عام 1940 عن أوراق كان يدون فيها محاولاته اللانهائية للبحث عن حجر الفلاسفة.

مجرد حلم

سيطر هذا الحلم على مخيلة الناس لآلاف السنين، فبذل باحثو الثراء والخلود أقصى جهودهم لتحقيقه، إلَّا أن جميع محاولاتهم باءت بفشل ذريع، وذهبت جهودهم ومنها جهود نيوتن بغير طائل بعد أن تبين في العصر الحديث أنه ليست هناك طريقة كيميائية لتحويل نواة ذرة من عنصر إلى آخر، وكل ما استطاع الخيميائيون فعله هو ترتيب الذرات لتكوين مادة جديدة.

وفي النصف الأخير من القرن الثامن عشر، أيقظ العالم الفرنسي أنطوان لافوازييه، الخيميائيين من أحلامهم بعد أن أعاد تعريف مصطلح العناصر الذرية بشكلها الحالي.

لكن مع بزوغ علوم الطاقة النووية في القرن العشرين، وما رافقها من ازدهار علوم الفيزياء وعلم الجسيمات متناهية الصغر، ربما نكون قد اقتربنا من تحقيق الشق الأول من هذا الحلم الأسطوري، والذي يتعلق بتحويل المعادن الرخيصة إلى أخرى ثمينة من خلال توظيف تكنولوجيا مسرّعات الجسيمات التي تحتاج مصدراً هائلاً من الطاقة لتشغيلها.

يُذكر أن العالم ديفيد مورسي تمكن في عام 1980 من تحويل عنصر البزموت إلى ذرات من الذهب من خلال التجربة التي أجراها في مختبر لورانس بيركلي في كاليفورنيا، وذلك بعد أن سرّع حزمة من نوى الكربون والنيون إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء، ومن ثم ضربها برقائق من عنصر البزموت، إلا أن التجربة استمرت لنحو يوم كامل من أجل إنتاج بضع ذرات من الذهب، فيما بلغت تكلفة الساعة الواحدة من التجربة أكثر من 5 آلاف دولار أمريكي.

TRT عربي