تابعنا
اكتسبت رفح شهرتها العالمية باسم معبر رفح الحدودي، فهو المكان الوحيد الذي يعوّل عليه في إدخال المساعدات وإخراج المصابين لتلقي العلاج في القاهرة، وحتى قبل الحرب على غزة، فهذا المعبر هو الذي جرى من خلاله دخول البضائع إلى القطاع من مصر إلى جنوب غزة.

مع استمرار تهديدات إسرائيل باجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة، تتجدد أيضاً التحذيرات الأممية والدولية بتحول الوضع في رفح إلى كارثة إنسانية إذا ما نفذت إسرائيل تهديداتها.

وعلى هامش مؤتمر الأمن في ميونخ الأسبوع الماضي، حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي من أنّ أيّ تدفق للاجئين الفلسطينيين من رفح إلى سيناء بمصر سيكون بمثابة "كارثة".

وأشار بيان لدائرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى أن أكثر من مليون فلسطيني يحتمون بمنطقة رفح هرباً من القصف، وأن الاتحاد لديه "قلق بالغ" بشأن خطة إسرائيل لمهاجمة المنطقة.

وتشير التقديرات إلى أن نحو مليون و400 ألف مدني محاصر في مدينة رفح، سواء كانوا سكاناً أصليين أو نازحين من شمال ووسط قطاع غزة يسكنون الخيام، ويعانون جميعاً من نقص الخدمات والموارد.

موقع استراتيجي جذَب المعارك

تقع مدينة رفح جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بينه وبين شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبلغ مساحتها 55 كيلومتراً مربعاً، وتبعد عن القدس نحو 107 كيلومترات إلى الجنوب الغربي، وهي أيضاً بوابة الحدود المصرية الشرقية.

يعود تاريخ رفح إلى خمسة آلاف سنة، سماها المصريون القدماء روبيهوي، أما الآشوريون فقد سمَّوها باسم قريب من الاسم الحالي، رفيحو، واليونان والرومان سمَّوها رافيا، أما اسم رفح الحالي فهو تسمية عربية.

ولكونها البوابة الشرقية لمصر ووادي النيل، فقد جعلها هذا الموقع الاستراتيجي موقعاً لمعارك فاصلة ولمرور عدد من الجيوش عليها من آسيا إلى إفريقيا.

وفى عهد الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد حدثت فيها معركة كبيرة بين الآشوريين والمصريين القدماء، الذين تحالفوا مع ملك غزة، وآل النصر في هذه المعركة للآشوريين.

وفي عام 217 قبل الميلاد حدثت معركة أخرى في رفح بين البطالمة حكام مصر والسلوقيين حكام الشام، وبذلك خضعت رفح وسوريا لحكم البطالمة مدة 17 عاماً إلى أن استرجعها السلوقيون.

أما في العهد المسيحي فقد اعتُبرت رفح مركزاً لأسقفية إلى أن فتحها المسلمون العرب على يد عمرو بن العاص، إلا أنه في القرن السابع للهجرة لم تعُد رفح عامرة وأصبحت خراباً، ثم عادت للازدهار بعد ذلك.

وقد مرّ بها نابليون عام 1799 في حملته الفرنسية على بلاد الشام، كما زارها كل من الخديوي إسماعيل، والخديوي عباس حلمي الثاني الذي رسّم الحدود بين سوريا ومصر من خلال عمود غرانيت وضعه تحت شجرة السدرة القديمة.

وفي التاريخ الحديث عام 1917 خضعت مدينة رفح للحكم البريطاني الذي فرض الانتداب على فلسطين، وفي عام 1948 دخلها الجيش المصري وبقيت تحت الإدارة المصرية إلى أن احتلتها عصابات صهيونية عام 1956، ثم عادت للإدارة المصرية مرة أخرى في 1957 حتى عام 1967، ثم احتلتها إسرائيل.

وبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد استعادت مصر سيناء ووضعت أسلاكاً شائكة لتفصل رفح وسيناء، وتقدّر مساحة ما ضم إلى الجانب المصري نحو 4000 كيلومتر مربع، وبقي من مساحة أراضيها 55 ألف كيلومتر مربع، اقتطع منها نحو 3500 كيلومتر مربع للمستوطنات، قبل إخلائها في عام 2005.

رفح.. نهاية الخصوبة وبداية الصحراء

تقع مدينة رفح في أقصى الجنوب السهلي الساحلي الفلسطيني، وتبعد عن ساحل البحر خمسة أميال ونصفاً، وترتفع عن سطح البحر 48 متراً، وتتميز بأرضها الرملية.

مناخها شبه صحراوي، وعُرفت قديماً بأنها الحدّ الفاصل بين مصر والشام، فمن بعدها تقل الأمطار وينتهي الخصب وتبدأ الصحراء التي تمتد إلى سيناء وشرق الدلتا.

ولهذه الطبيعة تأثير في نشاطها الاقتصادي، فهو نشاط بسيط يتمثل في الصيد والصناعة والتجارة، أما الزراعة فلم تتحسن إلا بعد الستينيات، إذ حفر أصحاب الأراضي الآبار، ما ساعدهم في زراعة الحمضيات، واستُصلحت أراضٍ قريبة من البحر، ولطبيعتها الحدودية فقد ازدهرت فيها التجارة.

وتتكون المدينة اليوم من 12 حياً وتجمعاً سكنية، منها: منطقة المواصي، وتل السلطان، ووسط البلد (مخيم اللاجئين)، ورفح الغربية، والحشاش، وحي النخلة، وخربة العدس، وحي السلام، والجنينة. ويبلغ عدد سكانها الأصليين ما يزيد على 122 ألف نسمة، حسب تعداد الجهاز المركزي للإحصاء عام 2007.

ويقول الخبير العسكري وخبير الأمن القومي اللواء محمود محيي الدين إنّ معظم سكان رفح تعود أصولهم إلى مدينة خان يونس وإلى بدو صحراء النقب وصحراء سيناء، ثم أُضيف إليهم النازحون الذين قدموا إليها بعد 1948.

ويضيف محيي الدين لـTRT عربي أن المدينة أُضيف إليها اليوم مَن نزحوا إليها بعد الترحيل القسري الذي أرغمتهم عليه إسرائيل في حربها على القطاع في الأشهر الأربعة الأخيرة.

رفح اليوم

وبكل هذا العدد من السكان تعاني رفح من قلة الموارد والخدمات الصحية، فليس بها إلا عدد قليل من المستشفيات، أبرزها مستشفى رفح المركزي ومستشفى الكويت التخصصي ومستشفى الشهيد أبو يوسف النجار، وجميعها تعاني من نقص في الإمدادات الطبية والأدوية وغياب الكهرباء والطاقة.

واكتسبت المدينة شهرتها العالمية باسم معبر رفح الحدودي، فهو المكان الوحيد الذي يعوّل عليه في إدخال المساعدات وإخراج المصابين لتلقي العلاج في القاهرة، وحتى قبل الحرب على غزة، فهذا المعبر هو الذي جرى من خلاله دخول البضائع إلى القطاع من مصر إلى جنوب غزة.

والآن تحولت رفح إلى مخيم كبير للاجئين الذين نزحوا إليها من الشمال، إما فراراً من المجازر والقصف وإما مرحلين قسرياً من بيوتهم، وأصبحت شوارعها مليئة بمخيمات أقمشة وبلاستيك على أعمدة معدنية، وأنشئت آلاف من الخيام في الجزء الشمال الشرقي للمدينة الذي كان خالياً قبل ديسمبر/كانون الأول 2023.

رفض مصري للتهجير

ويتحدث اللواء محمود محيي الدين بأن إسرائيل تزعم أن للمقاومة الفلسطينية أربعة كتائب موجودة في رفح، ولهذا تهدد بالاجتياح البري، "فمن وجهة نظر إسرائيل العسكرية فقد أتى الدور على رفح، ولكن نظراً إلى الاكتظاظ بالسكان والنازحين، توجد اعتراضات دولية ومصرية".

ويؤكد الخبير العسكري أن "دخول جيش إلى هذه المدينة سيُحدِث كارثة إنسانية، فضلاً عن احتمالية النزوح، الذي لن تقبل به مصر".

وعن المنطقة التي تجهز على الجانب المصري قرب الحدود بمدينة رفح، فقد صرح اللواء عبد الفضيل شوشة محافظ شمال سيناء (شرق) بأن القوات المسلحة تقيم منطقة لوجيستية لاستقبال المساعدات لصالح قطاع غزة، وأنه لا صحة لإقامة مخيمات استعداداً لاستقبال أهالي القطاع.

وأضاف اللواء شوشة في بيان أن "إعداد هذه المنطقة هدفه تخفيف الأعباء عن السائقين والتكدسات الموجودة بالعريش وعلى الطرق، وتسهيل عمل الهلال الأحمر المصري، والمنطقة التي تجري إقامتها في رفح تضم أماكن لانتظار الشاحنات ومخازن مؤمَّنة ومكاتب إدارية وأماكن مبيت للسائقين، ويجري تزويدها بوسائل المعيشة والكهرباء".

TRT عربي
الأكثر تداولاً