تابعنا
فترة الحجر الصحي التي يمر بها كثير من بلدان العالم اليوم بسبب جائحة كورونا صعبةٌ ومخيفة وطافحة بالتوتر، لكنّها قد تكون إيجابيةً أيضاً. إنّها فرصةٌ لتعلّم الكثير من الأشياء ومراجعةِ النفس والتأمّل في الذات والعالم.

قصصٌ مختلفة، أشخاصٌ من مختلف الخلفيات والمجالات يحكون لـTRT عربي يومياتِهم مع الحجر الصحّي، وكيف غيّرت أزمةُ جائحة كورونا حيواتهم ونظرتهم إلى الإنسان والإنسانية.

البقاء في البيت هو تأديةُ واجب

حنان كنون، أستاذة تعليم ثانوي بالمغرب. تعيش الحجر الصحي منذ منتصف مارس الماضي. لم تخرج خلال هذه الفترة التي تمتدّ إلى الآن سوى ثلاث مرّاتٍ فقط لقضاء احتياجاتٍ ضرورية. الهدف هو حماية النّفسِ والآخر من فيروس كورونا المستجدّ.

ـ ما القراراتُ التي اتخذتِها خلال فترة الحجر الصحّي؟

قرّرتُ أنني لن أخرَج من البيتِ إلّا للضرورة القصوى، أي لاقتناء حاجياتٍ غذائية أو طبّية. قرارٌ آخر أصعبُ من سابقه هو عدمُ الذهاب لزيارة والدتي في الدار البيضاء (أعيشُ في مدينة سلا)، وذلك لحمايتها من انتقال المرض في حالة وجوده وتجنّب كلّ خطر ممكن عليها.

ـ كيف تعيشين أيّامكِ خلال الحجر الصحّي؟

بكثيرٍ من الصفاء والهدوء أبدأ وأنهي يومي. أعملُ أربع أو خمس ساعاتٍ في اليوم. حافظتُ على نشاطِ ممارسة الرياضة لمدّة ساعةٍ يومياً. أقرأ كثيراً. أستيقظُ في الصباح الباكر كما لو أنني ذاهبةٌ إلى العمل، أرتدي ملابسي، أضعُ الماكياج، قبلَ أن أبدأ في تصوير فيديوهات الدروس.

ـ ما الذي تغيّر في حياتِك خلال هذه الفترة؟

الكثيرُ من الأمور. فبالإضافة إلى العمل عن بُعد، تغيّرت نظرتي إلى العالم وحتى تفاعلي مع الأشياء المحيطة بي. عندما أطلّ من نافذة بيتي اليوم أنظرُ إلى العالم بشكلٍ مختلف، وألاحظ الأشياء بطريقةٍ مختلفة. أصبحتُ أنظرُ إلى الشمس التي تشرق في الصباح بامتنانٍ أكبر، وأنظر إلى الناس الذين يخرجون دون احترام للحجر الصحي المفروض وأفكّر في معنى المسؤولية.

حتى الحسّ التضامني الذي أتمتّع به تعاظَم أكثر خلال هذه الفترة. قبل أيام، رأيتُ شخصاً مشرّداً يبحث في القمامة عن شيءٍ يأكله، واجتاحتني تساؤلات عميقة حول وضع الإنسان. كلّ ما كان غير مرئيّ بالنسبة لي أصبح واضحاً الآن. اكتشفتُ أيضاً أن الكثير من المغاربة لهم حسّ تضامني عميق، فقد أبانوا عنه في هذه الفترة تجاه العائلات المعوزة والناس الذين فقدوا مصادر عيشهم بسبب الحجر الصحي.

لا تعيشُ حنان فترة الحجر كأنّها سجن. صحيحٌ أنّها اشتاقت إلى السّير في الشارع، إلى رؤية أقربائها وأصدقائها، إلى الجلوس في المقاهي والذهابِ إلى الأماكن التي تحبّ، لكنّها تنظر إلى فترة الحجر الصحّي بطريقةٍ مختلفة. إنّ البقاء في البيت بالنسبة لها هو تأديةُ واجب، ليس فقط تجاه نفسِها بل تجاه الإنسانية.

الإنسان يتعوّد على كلّ شيء وأيّ شيء

ليلى، طالبةٌ جامعية تونسية. تبلغُ من العمر 22 عاماً. اضطرّت إلى العودةِ إلى بيتِ أهلها بعد إيقاف الدراسة في البلاد منذ منتصف شهر مارس/آذار الماضي، لتقضي فترة الحجر الصحّي معهم.

"أصبحتُ أطبخ كثيراً، أقضي كلّ وقتي في الطبخ أو القراءة، وهما أمران لم أكن أعيرُهما اهتماماً، بسبب ضيق الوقت ومسؤوليات الدراسة"، تقول ليلى لـTRT عربي.

بعد يومين من عودتِها إلى بيتِ أهلها، كان الجلوس في البيت جحيماً بالنسبة لها، "لكنّ الإنسانَ يتعوّد على كلّ شيءٍ وأيّ شيء، ويستطيع الاستمرار في الحياة وفقاً للظروف المحيطة به"، تقول، وتضيف: "مع الوقت، تأقلمتُ مع ظروف الحجر. ميزةُ الإنسان أنّه يستطيع أن يتعلّم ويستفيد من أيّ وضعية كانت، حتى الوجودُ داخل سجن نستطيع الاستفادةَ منه، فكيف بفترة حجر مؤقتة، نملك فيها كلّ وسائل الراحة وشغل الوقت؟"

"الإنسان جزء من الطبيعة وليس محور الكون"

لا تستطيع أسماء بلعربي إلّا أن تعتبر نفسَها محظوظة جداً، كونها ذهبت إلى بيتِ والديها قبل فرض الحجر الصحّي في المغرب قبلَ حوالي شهر. فوالداها المتقدّمان في السّن سيكونان في حاجةٍ إليها خلال هذه الفترة بالخصوص.

وبالرغم من أنّها تعملُ مستشارة تقنية ووظيفية في إحدى الشركات بالرباط، إلا أنّها استغلّت فترة الحجر الصحّي في القيام بأنشطةٍ كثيرة ومختلفة.

ـ كيف وجدتِ العملَ عن بُعد خلال فترة الحجر الصحي؟

هذه أوّل مرّةٍ في حياتي أجرّب فيها العملَ عن بُعد. وجدتُه صعباً، باعتباري إنسانةً تحبّ جوّ المكتب والعملَ في فريق. بالإضافة إلى ذلك، أصبحتُ مضطرّةً للعملِ أكثر، وهو أمرٌ مُتعِب.

ـ بالإضافة إلى العمل عن بُعد، ماذا تفعلين خلال فترة الحجر؟

استغللتُ هذه الفترة للانخراط في الكثير من المبادرات لمساعدة الناس عن بُعد أيضاً، من بينها مبادرة دعم الأُسَر الفقيرة، ومبادرة توفير الإنترنت للتلاميذ، وهي كلّها مبادراتٌ تجعلُك تشعر أنّك تقدّم شيئاً جليلاً للمجتمع، وتعطيك القوة للاستمرار، وتساعدُك نفسياً على تجاوز رتابة وتوتر فترة الحجر.

ـ ما الذي تعلّمتِه من هذا الوضع الذي يمرّ به العالم اليوم بسبب جائحة كورونا؟

أنّ الإنسان جزء من الطبيعة وليسَ محور الكون، كما تعلّمنا ذلك فلسفة سبينوزا.

فرصةٌ للتفكير في القضايا التي تشغل العالم

حاتم، ربّ أسرة مغربي يعيش بألمانيا، ويعمل في مجال شركات صناعة الأدوية. تغيّرت حياتُه جذرياً بعد جائحةِ كورونا: العملُ عن بُعد، المسافات الاجتماعية، البقاء في البيتِ طول الوقت تقريباً.

ـ هل للعملِ عن بُعد آثارٌ عليك وعلى حياتِك؟

طبعاً، معظم الشركات التي أتعامل معها في عملي مغلقةٌ تقريباً، اللقاءات مع الزبائن التي كانت تتمّ بشكلٍ مباشرٍ فيما مضى أصبحت تتمّ الآن بالفيديو. يختلف اللقاء المباشر عن نظيره بالفيديو طبعاً، فرؤية فيديوهات خمسة أو ستة أشخاص على الشاشة أمامك أمرٌ متعب عكسَ أن تكون محاطاً بهم في الواقع.

حتى الخروج من البيت اليوم أصبح مهمّةً صعبة. الارتداء الإجباري للكمامة ورؤية جميعِ الناس حولَك يرتدونها أمرٌ يُشعِرك بالخوف وبأنّك في حالة طوارئ واستنفار.

ـ الحجر الصحّي منَح الكثيرين وقتَ فراغٍ أطول. ماذا تفعلُ بكلّ هذا الوقت؟

يمكن للإنسان دائماً أن يجد ما يفعله. أطلقنا أنا ومجموعةٌ من أصدقائي مشروعاً على يوتيوب اسمه "إخوان الصفا"، ما كانت لتُتاح لنا الفرصة لإطلاقه لولا الوقت الذي منحنا إياه الحجر، وهو مشروع بودكاست تنويري نتناقش فيه حول مختلف القضايا التي تشغل العالم وخاصّةً البلَد الذي ننتمي إليه، ومن القضايا التي تناولناها في الحلقات الأولى للمشروع جائحةُ كورونا وكلّ ما يرتبط بها. عمِلنا على تصحيح الأفكار المغلوطةِ حول الموضوع، وتناولنا الشائعات والخرافات المرتبطة به. كانت فرصةً لا تُعوّض للتفكير في الجائحة وهضمها وفهمِها في إطارٍ فكريّ.

ـ ما الاختبارات التي وضعَك الحجر الصحي أمامها؟

اختبارُ العائلة. كنتُ دائماً أفكّر أن الجلوس معهم وجهاً لوجه لوقتٍ طويل قد يفجّر قنبلة موقوتة، ولكنّني لاحظتُ أن الحجر الصحّي علّمنا أن ننتبه للتفاصيل الصغيرة والبسيطة، أن ننتبه لتصرّفاتنا تجاه الآخرين حتى لا تحصل مشكلةٌ كبيرة. أعطاني الحجر الصحّي جواباً عن سؤال مهمّ وهو مدى توازنِ عائلتي وقوتِها أمام الأزمات.

كانت حنان سابقاً تتحدث عن دور المدرّس، لكنّها الآن تتحدث عن دور التلميذ، لأنّ العمل عن بُعد بيّن دوره المهمّ في حياة المدرّس (Facebook)
أصبحت حنان تقرأ كثيراً في فترة الحجر الصحي (TRT Arabi)
خلال الحجر الصحي، أطلق حاتم وأصدقاؤه مشروع بودكاست على يوتيوب من أجل تنوير الرأي العام حول مجموعة من القضايا التي تهمّ العالم وبلدهم المغرب (TRT Arabi)
بالرغم من أنّ أسماء تعملُ مستشارة تقنية ووظيفية في إحدى الشركات بالدارالبيضاء، إلا أنّها استغلّت فترة الحجر الصحّي في القيام بأنشطةٍ كثيرة ومختلفة (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً