تابعنا
شكّلَت القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران في 17 أيلول/سبتمبر الماضي بسوتشي، أول مناسبة يُكشَف فيها عن التوصُّل إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل اللجنة التي سيُعهَد إليها، وفقاً للقرارات الدولية، عملية إعادة كتابة الدستور السوري.

في ظل التعقيدات المتزايدة في المشهد السوري، وفي ظل الاستعصاء المزمن في حلحلة المعوقات الراهنة للتقدم نحو الحل السياسي المنشود للأزمة المتواصلة، تبرز قضية اللجنة الدستورية كتطوُّر مهمّ، لا يرى فيه كثير من السوريين أملاً يُذكر، فيما يترقب البعض ما يمكن أن تسفر عنه عملية تشكيل اللجنة، وما قد تفتحه من آفاق واحتمالات لكسر الجمود الراهن.

شكّلَت القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء تركيا وروسيا وإيران في 17 أيلول/سبتمبر الماضي بسوتشي، أول مناسبة يُكشَف فيها عن التوصُّل إلى اتفاق نهائي بشأن تشكيل اللجنة التي سيُعهَد إليها، وفقاً للقرارات الدولية، عملية إعادة كتابة الدستور السوري، كخطوة أولى في اتجاه الحل السياسي، برعاية الأمم المتحدة، التي أعلنت لاحقاً، وبشكل رسمي على لسان أمينها العامّ أنطونيو غوتيريش خلال اجتماعات الجمعية العامة للمنظمة، عن إقرار تشكيل اللجنة بشكل نهائي.

ويأتي تشكيل اللجنة تتويجاً لعمل مسارَي جنيف وأستانا معاً، إذ كان المبعوث الأممي الخاص السابق إلى سوريا ستيفان ديمستورا، قد أقر بعد جولة التفاوض الرابعة بجنيف 24 كانون الثاني/يناير 2017 تقسيم القضايا المطروحة للتفاوض بين المعارضة السورية ونظام الأسد إلى 4 سلال، للتفاوض حولها بصورة منفصلة ومتوازية، وشكلت مسألة صياغة الدستور إحداها.

ونتيجة لتعنُّت النظام السوري وامتناعه عن الانخراط في عملية التفاوض، ركّز ديمستورا على عملية صياغة الدستور، وهو ما قوبل من روسيا بتجاوب وضغط مارسته على النظام، ما أدى إلى عقد مؤتمر سوتشي العام في 2018، الذي جمع عدداً كبيراً من ممثلي النظام وبعض أطياف المعارضة برعاية روسية-تركية، وأقر المؤتمر مبدأ تشكيل لجنة لكتابة الدستور وبعض الخطوات اللازمة لتشكيلها، في ضوء مقترح المبعوث الأممي.

وجرى الاتفاق على أن يقوم نظام الأسد بتسمية قائمة بـ50 شخصاً يمثّلونه في اللجنة الدستورية، وأن تقوم المعارضة بتسمية قائمة بنفس العدد، أما القائمة الثالثة الخاصة بالمجتمع المدني فتقوم الأمم المتحدة بتسمية أعضائها الخمسين، لكن بعض الأسماء المطروحة فيها بقيت محل خلاف بين مكتب المبعوث الدولي والنظام لأكثر من 18 شهراً، فيما يبدو أن قمة سوتشي الثلاثية الأخيرة تمكنت من تبديد الخلاف، ليستكمل المبعوث النرويجي الذي خلف ديسمتورا، غير بيدرسون، المهمة.

بين ترقُّب ورفض

وبشكل عامّ، يبدو أن غالبية الشارع السوري لا سيما في معسكر المعارضة لا يُبدى أي تفاؤل تجاه عملية تشكيل اللجنة الدستورية وما يمكن أن تسفر عنه، وذلك "لأسباب تتعلق بالرؤية الروسية ورؤية النظام السوري للعملية السياسية، إذ يتمسك النظام بأن هدف اللجنة هو إجراء تعديلات دستورية فقط، في حين تعتبر المعارضة أن مهمة اللجنة هي صياغة دستور جديد"، وفقاً للمحلل السياسي السوري فراس فحام، في حديث مع TRT عربي.

ويرى فحام أن المشكلة تكمن في هيكلية اللجنة، وقدرة أي كتلة داخلها على التعطيل، واختزال العملية السياسية بمسألة الدستور.

ويضيف: "يُشترط الحصول على 75% من أصوات الأعضاء البالغ عددهم 150 لاتخاذ القرار، وعلى اعتبار أن كتلة المعارضة 50 عضواً، وكذلك النظام له 50 عضواً، ونفس العدد لقائمة الأمم المتحدة، بالتالي سيكون من الصعب الحصول على تأييد 113 عضواً خلال التصويت".

ويشير "فحام" إلى أنه ثمة شعور عام لدى الشارع السوري بأنه "جرى الالتفاف على عملية الانتقال السياسي والقرارات الدولية الناظمة لها وعلى رأسها 2254، الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تقود التحول إلى نظام جديد".

أما عضو الهيئة السياسي في الائتلاف الوطني السوري المعارض يحيى مكتبي، فهو يرى "فرصة" في تشكيل اللجنة "لتحريك العملية السياسية"، ويؤكد في الوقت نفسه ضرورة التريُّث والمراقبة "بحذر" لتطورات الأمور.

يقول مكتبي في حديث لـTRT عربي حول اللجنة الدستورية، إنها "لا تعدو في الوقت الراهن أن تكون فرصة لتحريك العملية السياسية. الأمر بحاجة إلى مزيد من الوقت لنرى كيف سيكون مسار الأمور، وما إذا كانت فعلا فرصة قد تكون مواتية لدفع العملية السياسية قُدُماً نحو الأمام".

ويضيف: "رفض غالبية السوريين مسألة اللجنة لا ينطلق من رفضهم للتفاوض مع النظام، ولكن من خوفهم أن تكون بوابة لإعادة تأهيل الأسد، إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون لسوريا مستقبل إن بقي بشار الأسد وعصابة القتل حوله".

وفي شرحه لأسباب تشكيك كثير من السوريين في اللجنة الدستورية، يلفت مكتبي إلى أن الغالبية العظمى تعتقد أن التسلسل المنطقي يبدأ من تشكيل هيئة حكم انتقالي، مضيفاً: "مسألة اللجنة الدستورية لا يمكن بحال من الأحوال أن تغني عن بقية السلال، بخاصة في ما يتعلق بسلة الحكم، التي تهيئ البيئة المحايدة والآمنة وعدم تسلط الاجهزة الأمنية على رقاب الناس، إذ لا يمكن عقد انتخابات في أجواء من الترهيب".

وتضمنت اقتراحات المبعوث الأممي السابق ديمستورا للعملية التفاوضية بين النظام والمعارضة تقسيم القضايا المطروحة للتفاوض وتوزيعها على أربع سلال، هي الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

من جهته يرى الكاتب السوري المعارض غسان المفلح، أن "غالبية الرافضين لديهم الوعي والإحساس بأن هذه اللجنة هي لتأهيل الجريمة الدولية وواجهتها الأسدية"، مضيفاً: "هم ضدها أيضاً انطلاقاً من مبدأ من يجرب المجرب عقله مخرب".

وشكك المفلح في حديث مع TRT عربي، في إمكانية تغيير سلوك النظام، متسائلاً: "هل تغيرت علاقة الأسدية بالموالين لها؟ إذا كان النظام لم يتغير مع الموالين فهل سيتغير مع المعارضين؟". لافتاً إلى أنه "لو كان للتغيير نية لوجب الانتهاء من ملف المعتقلين على الأقل، قبل بدء اللجنة الدستورية".

إمكانيات النجاح

ويتفق المراقبون على ضرورة تحقيق شروط معينة لضمان نجاح اللجنة في عملها، بما يؤدي إلى توسيع آفاق الحل السياسي والانتقال خطوة نحو الأمام، إن كان لدى الأطراف المعنية نية للتقدم، وتبرز هنا أهمية أدوار القوى الإقليمية والدولية بما يمكن أن تمارسه من ضغوط وتعطيه من ضمانات، في حين تطرح الأسئلة حول أوراق قوة المعارضة في عملية كتابة الدستور ومجمل العملية السياسية، وفرص نجاحها في توظيف التطورات في مصلحة الشعب السوري.

ومن أبرز الشروط الواجب توافرها لضمان نجاح اللجنة الدستورية أن يترافق عمل اللجنة مع الدفع نحو التأسيس لمرحلة الحكم الانتقالي الضرورية للإفادة من كتابة أي دستور جديد، إذ يعتقد المحلل السياسي فراس فحام، أنه "إذا لم تُستكمل العملية السياسية ويُتوافق على هيئة حكم انتقالي تمهد لانتخابات نزيهة بإشراف دولي مع ضمان مشاركة اللاجئين، فلن يكون لكتابة أي دستور أهمية، لأن النظام الحالي لم يلتزمه، فهو جاء للحكم أصلاً بخرق الدستور".

ويرى فحام ضرورة وجود ضمانات تمنح أعضاء اللجنة خصوصاً المستقلين حصانة دولية، وذلك لمنع تأثير النظام على قرارهم، منوّهاً في الوقت نفسه بأهمية ممارسة الأمم المتحدة دوراً ضاغطاً عند محاولة النظام تعطيل عمل اللجنة.

ويتّفق يحيى مكتبي، القيادي في الائتلاف السوري المعارض، مع فحام في ضرورة المطالبة بـ"ضغط حقيقي على النظام، كما قبل باللجنة الدستورية من قبل نتيجة الضغط، من أجل تسيير أعمالها وتسريع خطواتها لإنجاز مهمتها".

من الجانب الآخر، حسب مكتبي، يجب أن يكون "توافق وطني في جانب المعارضة يراعي المصلحة الوطنية العليا، كي لا تحدث إشكالات يمكن أن تعوق في بعض النقاط إنجاز عملية الدستور".

وتملك المعارضة السورية أوراق قوة، كما يقول القيادي السوري المعارض، وتكمن أوراق القوة هذه في ثلاث نقاط: الأولى كون المعارضة "تنطلق من مطالب محقة اتفق عليها كل شعوب الأرض"، أما النقطة الثانية فيعبر فيها مكتبي عن اعتقاده أن "لكل الاحتمالات إعداداً جيداً خلال الفترة الماضية في ما يتعلق بعملية التفاوض وكل السيناريوهات المحتملة".

أما النقطة الثالثة فهي أن المعارضة بنت خلال الفترة الماضية شبكة من العلاقات المتوازنة مع جميع الأطراف الاقليمية والدولية المعنية بالملف السوري.

وذكرت تقارير مؤخراً أن النظام السوري لم يتعاون مع جهود المبعوث الدولي الخاص، غير بيدرسون، فيما يتعلق بعقد جلسات تحضيرية على مستوى اللجنة المصغرة ضمن اللجنة الدستورية، لتكون تمهيداً للاجتماعات المقررة نهاية الشهر الجاري في جنيف.

ويجيب عدم تعاون النظام على تخوُّف الشارع السوري من أن تكون اللجنة قد شُكّلت من أجل إعادة تأهيل الأسد، حسب القيادي في الائتلاف المعارض يحيى مكتبي، متسائلاً: "إذا كان هذا صحيحاً فلماذا حاول النظام ولا يزال يحاول إعاقة عمل اللجنة من خلال محاولة فرض شروط لم يستطع فرضها؟".

لكن الكاتب السوري غسان المفلح، يختلف مع يحيى في تفسيره تعنُّت النظام تجاه اللجنة الدستورية، معتبراً أن "هذا السلوك من النظام هدفه أن يوهم الجميع أن هذه اللجنة مهمة وأنها تضغط عليه، وهذا غير صحيح مطلقاً"، مضيفاً: "تل أبيب لا تزال تغطيه".

ولا يتردد المفلح في القول إن "المعارضة المشاركة في اللجنة تخدع نفسها بتسويق أنها يمكن أن تنجح، والباقي تفاصيل تافهة"، على حدّ قوله.

اللجنة الدستورية والانتقال السياسي

ويبقى التحدي الرئيسي أمام العملية السياسية في سوريا إذا قُدر للجنة الدستورية إنجاز مهمتها، هو مدى تأثيرها على الانتقال السياسي المنشود، في ظل عوائق تمنع هذا الانتقال.

ورغم أنه يرى أن نجاح اللجنة الدستورية لا يعني بالضرورة إحداث تغيير في جوهر النظام، دون اتخاذ خطوات موازية لمعالجة الملف الأمني والعسكري، وتهيئة البيئة السياسية، فإن عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض، يحيى مكتبي، يعتقد أن نجاح اللجنة الدستورية في كتابة الدستور "هو الذي يعطي الإطار القانوني للحكم الانتقالي وما يليه من خطوات، إذ لا يمكن بحال تنفيذ عملية انتقال سياسي بوجود فراغ قانوني وقضائي".

ويضيف: "لا بد من وجود دستور متفَق عليه وخاضع للاستفتاء الشعبي، بحيث تكون العملية الانتقالية عندما تبدأ خطواتها، متكئة على إطار قانوني متفق عليه وواضح".

TRT عربي