تابعنا
كشف الرئيس التونسي قيس سعيّد، عن قائمة مستشاريه بالديوان الرئاسي، بعد نحو أسبوع من تنصيبه ثاني رئيس منتخَب بعد الثورة، ليفتح باب التساؤلات والتكهنات على مصراعيه حول عقيدته السياسية والدبلوماسية لخمس سنوات قادمة.

ضبط دستور تونس الجديد صلاحيات رئيس الجمهورية في مهامَّ سيادية تتعلق أساساً برسم السياسات العامة للدولة في مجالات الدفاع والأمن القومي باعتباره القائد العامّ للقوات المسلحة، فضلاً عن دوره الرئيسي في تحديد الخطوط العريضة للدبلوماسية التونسية والعلاقات الخارجية.

وعرفت الدبلوماسية السياسية والأمنية منعطفات كثيرة واختلافات جذرية في وجهات النظر خلال فترة حكم الرئيس المنصف المرزوقي والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، خصوصاً ما يتعلق بقضايا حارقة على غرار الملف السوري والليبي، وملف محاربة الإرهاب والأمن القومي.

محيط دبلوماسي

ويرى مراقبون أن خلوّ رصيد الأكاديمي والخبير الدستوري المتقاعد قيس سعيّد من أي تجربة سياسية أو دبلوماسية سابقة، جعله ينتقي بدقة فريقه الرئاسي، ويحيط نفسه بمجموعة من الكوادر المحنكة والمشهود لها بالكفاءة في المجالات الأمن والدفاع والدبلوماسية.

ومن بين الشخصيات التي أثارت جدلاً مدير ديوان الرئاسة الجديد طارق بالطيب، وهو رجل دبلوماسي بامتياز، ترأَّس بعثات خارجية تونسية في عديد الدول كليبيا والإمارات ومصر، كما شغل قبل تنصيبه بالديوان منصب سفير تونس بطهران، وكُلّف منذ أعوام إدارة المحادثات التونسية بين الفرقاء في ليبيا.

شخصية دبلوماسية أخرى حرص سعيّد على تعيينها في ديوانه الرئاسي مستشاراً خاصّاً لديه، هو عبد الرؤوف بالطبيب، الذي تجاوزت خبرته في مجال الدبلوماسية والعلاقات الخارجية عشرين عاماً، كما ترأَّس عدة بعثات دبلوماسية تونسية أبرزها في السعودية.

قيس سعيّد حرص أيضاً على تعيين أحد أبرز الكفاءات العسكرية، وهو اللواء محمد صالح الحامدي، مستشاراً للأمن القومي، ويُحسَب للرجل تحقيق نجاحات باهرة في مجال مقاومة الإرهاب، كما خاض تجربة عسكرية وأمنية في ليبيا ملحقاً عسكريّاً.

ويرى القيادي بحركة النهضة ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام في حديثه لـTRT عربي، أن اختيار قيس سعيّد فريقه الرئاسي ينسجم بالضرورة مع توجهاته ورؤيته في مجال السياسة الخارجية والأمن القومي للدولة، عبر "سياسة ثورية مُعقلَنَة في إطار مؤسساتي" حسب وصفه.

وتوقع عبد السلام أن يواصل الرئيس الجديد في ثوابت الدبلوماسية التونسية مع حضور أكثر فاعلية في الملفات الحارقة خصوصاً الملف الليبي، مع الحرص على الحياد الإيجابي وأخذ مسافة من جميع الفرقاء على خلاف السياسة التي اعتمدها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، حسب قوله.

واستبعد محدثنا أن يُوكَل إلى قيادات في حركة النهضة ترؤُّس وزارات سيادية كالخارجية والدفاع، في الحكومة القادمة، مقابل الدفع بشخصيات وكفاءات مستقلة بعيدة عن التجاذبات السياسية، ومتشبعة بمبادئ الثورة لنَيل هذه المناصب بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

الانفتاح أكثر على الجزائر ودول المغرب العربي، مع محافظة تونس على علاقاتها الجيدة مع شركائها في الفضاء الأوروبي وانفتاح على القوى الجديدة كالصين والهند وتركيا، هي خيارات سيمضي فيها أيضاً الرئيس قيس سعيّد، حسب ما يراه رفيق عبد السلام.

خطاب بملامح عامَّة

جدير بالذكر أن الرئيس قيس سعيّد سبق أن أعطى إشارات وملامح عريضة للسياسات التي سينتهجها خلال فترة حكمه، وذلك إبان خطاب تنصيبه داخل البرلمان في 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد أدائه القسم الدستوري.

إذ أكد أنه لن يحيد عن الثوابت الدبلوماسية لتونس، وأن الدولة مستمرة بمؤسساتها لا بالأشخاص، وملتزمة جميع معاهداتها الدولية، مذكّراً في المقابل بحقّها في المطالبة بتطويرها في الاتجاه الذي يراعي مصالح شعبها.

قيس سعيّد وجّه أيضاً رسالة نارية إلى فلول المنظومة السابقة، بقوله إن "من كان يهزه الحنين إلى الوراء فهو يلهث وراء السراب ويسير ضدّ مجرى التاريخ"، مشدّداً على حرصه التامّ على المضيّ نحو إرساء دولة العدل والقانون، متوعداً الفاسدين بالضرب بيد من حديد.

كما حرص على التذكير بالامتداد العربي والمغاربي والإفريقي لتونس، وبأنها ستظلّ وفية لثوابتها في الانتصار لقضايا الشعوب العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، معلناً أن أول زيارة له خارج تونس ستكون للجارة الجزائر.

قضية الأمن القومي ومحاربة الإرهاب كانت أيضاً الحاضر الأبرز في خطاب قيس سعيّد لتتناغم، حسب مراقبين، مع التعيينات العسكرية الجديدة في ديوانه الرئاسي.

تعديل البوصلة

في هذا الإطار يقول المحلل السياسي والدبلوماسي السابق سمير عبد الله لـTRT عربي إن التركيبة الجديدة لفريق الديوان الرئاسي لقيس سعيّد أعطت رسائل طمأنة للرأي العامّ المحلي والدولي، بالنظر إلى الكفاءة والسمعة الطيبة التي يتحلى بها أغلبهم، خصوصاً الكوادر المحسوبة على وزارة الخارجية التونسية.

ولفت عبد الله إلى اختيار سعيّد شخصية نسوية حقوقية مستشارةً مسؤولةً عن الاتصال في القصر الرئاسي، هي الأكاديمية والرئيسة السابقة لنقابة الصحفيين التونسيين رشيدة النيفر، مما يعطي فكرة حول توجُّهات الرئيس بالحفاظ على الحريات العامة والخاصة، وهي تعهدات كان قد أطلقها خلال خطابه أمام البرلمان.

دبلوماسية ثابتة

المحيط الرئاسي القريب من الرئيس التونسي أظهر للعموم، حسب محدثنا، الخيارات الوطنية والدولية الكبرى التي سينتهجها قيس سعيّد، لكنه شدّد على أن الدبلوماسية الخارجية وثوابتها ليست مرتبطة بأهواء ومواقف هذا الرئيس أو ذاك، ولا تتغير بتغيُّر الأشخاص، بل هي محدَّدة حسب الجغرافيا السياسية للدولة ووزنها الاقتصادي.

وأشار الدبلوماسي السابق إلى أن التحرك داخل الفضاء الاقتصادي والسياسي لدول المغرب العربي وأوروبا سيكون من أولويات الرئيس قيس سعيّد، خصوصاً أنه كان قد استقبل منذ أول أيامه في قصر قرطاج شخصيات سياسية وبرلمانية من دول مغاربية وأوروبية.

الملفّ الليبي حظِيَ أيضاً باهتمام الرئيس قيس سعيّد، إذ استقبل بقصر الرئاسة رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري، معرباً عن أمله في أن تواصل تونس دورها الإيجابي في هذا الملف، مؤكداً ثوابت الموقف التونسي من المسألة الليبية والتمسُّك بالشرعية الدولية لإيجاد تسوية سياسية شاملة بين الفرقاء الليبيين.

قيس سعيّد كان له أيضاً لقاء مع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أكّد خلاله أهمية زيادة العمل لتطوير مجالات التعاون على المستوى الثنائي وفي إطار الاتحاد الأوروبي، حسب ما نشرته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.

ولا يُخفي المحلل السياسي انحراف الرؤساء السابقين عن الثوابت الدبلوماسية التونسية وفي مقدمتها الحفاظ على الحياد الإيجابي ومقومات السيادة الوطنية، من خلال انحيازهم لسياسة المحاور وافتعال أزمات دبلوماسية مع أكثر من بلد عربي، سواء سوريا والإمارات والسعودية وليبيا واليمن.

ودعا المحلل السياسي والدبلوماسي السابق الرئيس إلى تصويب البوصلة التونسية نحو ثوابتها الدبلوماسية وفرض استقلال القرار الوطني ومنع تكرار الانحرافات الماضية التي دفعت البلاد إلى التخندق في محاور إقليمية.

يُشار إلى أن سعيّد تَخلَّى بشكل شبه كلِّي عن الوجوه الأمنية والمستشارين السياسيين والإعلاميين الذين رافقوا الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في ديوان الرئاسة، كما سبق أن أثار بعض هذه الشخصيات مخاوف التونسيين بسبب الدور المشبوه لبعضهم، وتأثيرهم في قرارات الرئيس في آخر أيامه، حتى بلغت حدّ الاتهام بالخيانة.

TRT عربي