تابعنا
تسلّط الأضواء مجدّداً في تونس على مجلس نواب الشعب، بعد تتالي التصريحات من قبل عدد من الكتل البرلمانية المعارضة حول تقدّم حاصل في جمع التواقيع لمصلحة عريضة لسحب الثقة من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، والتي بلغت حسب هذه التصريحات 104 نواب.

قبل أشهر قليلة، وتحديداً في 30 من يوليو/تموز 2020، لم ينجح معارضو الغنوشي داخل مجلس نواب الشعب التونسي في سحب الثقة منه بعد فشلهم في جمع 109 أصوات تحت قبة البرلمان من أصل 217 نائباً هم عدد أعضاء البرلمان.

هذه اللائحة الجديدة تأتي هذه المرة في ظل أزمة سياسية بلغت حدّ الانسداد، بعد رفض رئيس الجمهورية لقبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية بعد حصولهم على ثقة البرلمان منذ 26 يناير/كانون الثاني المنقضي، إلا أن هذه الأزمة يبدو أنها تتجه نحو الحلحلة بعد إعلان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة العمالية الكبرى في تونس) عن قبول الرئيس بمبادرته للحوار الوطني.

هذا الوضع الجديد للأزمة يعيد طرح السؤال حول جدوى لائحة سحب الثقة من الغنوشي، وما مدى إمكانية نجاحها هذه المرة.

معارضة واسعة

أكد النائب والقيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (شيوعي) منجي الرحوي "أن لائحة سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي تجاوزت مئة إمضاء، وأن إيداعها مكتب الضبط مرتبط بمدى توفر الشروط التي تضمن مرورها".

وأضاف الرحوي، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الرسمية) "أن اجتماعاً قريباً سيجمع رؤساء الكتل وعدداً من النواب سيفضي إلى إيداع اللائحة والعمل على تمريرها"، مشيراً إلى أن الكتل المعنية بسحب الثقة من الغنوشي تواصل مشاوراتها بخصوص ظروف وشروط إيداع هذه اللائحة بمكتب الضبط بالبرلمان.

وسبق أن أعلن رئيس كتلة الإصلاح البرلمانية حسونة الناصفي أن القائمين على جمع إمضاءات النواب ينتظرون الوصول إلى حاجز النصف زائد واحد من عدد أعضاء البرلمان، لتجنب سيناريو لائحة سحب الثقة البرلمانية السابقة التي لم تحصل سوى على 89 صوتاً، ممَّا أدى إلى سقوطها حينها،في حين يتطلب إيداع العريضة إمضاءات ثلث نواب البرلمان أي 73 نائباً فقط.

وعلى الرغم من تشكيك المقربين من رئيس البرلمان في إمكانية وصول اللائحة إلى الرقم الذي تحدّث عنه الرحوي، مطالبين القائمين عليها بالكشف عنها، حيث لا تزال إلى حدود كتابة هذه الأسطر محاطة بسرية بالغة.

فإنه، وبحسب تصريحات لعدد من النواب فإن بعض الكتل المتحالفة مع حركة النهضة والداعمة لحكومة هشام المشيشي قد أعلنت هذه المرة عن مساندتها للائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بالإضافة إلى الكتلة الديمقراطية كبرى كتل المعارضة البرلمانية ( 38 نائباً) وكتلة الدستوري الحر (16 نائباً)، أعلنت كل من كتلة الإصلاح ( 18 نائباً) وكتلة حزب تحيا تونس (10 نواب) دعمها للائحة، وهما من الكتل المكونة للحزام السياسي لحكومة المشيشي.

وتتهم الأحزاب الداعمة للعريضة الغنوشي (79 عاماً) بالفشل في إدارة الجلسات في ظل التوتر المستمر بين الكتل البرلمانية، ولا سيما الصراعات المتكررة بين حزبه حركة النهضة وحليفه "ائتلاف الكرامة" من جهة، والحزب الدستوري الحر من جهة ثانية، وتسبب ذلك في تعطيل متواتر للجلسات العامة وعمل اللجان.

إلا أن الأحزاب الرافضة لسحب الثقة من الغنوشي ترى أن العريضة خدمة لأجندة عبير موسى، التي تبشّر بإعادة نظام شبيه بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وحزبه التجمع الدستوري الذي كانت تشغل فيه منصب نائب أمينه العام.

تحالف قوي

في المقابل تجد حركة النهضة نفسها وهي الحزب الفائز في الانتخابات النيابية الأخيرة في عام 2019، بحصوله على 54 مقعداً من مقاعد مجلس نواب الشعب، ملتزمة بالدفاع عن موقع زعيمها على رأس البرلمان، وهو المنصب الوحيد من بين الرئاسات الثلاث الذي نجحت النهضة في الوصول إليه منذ سنوات، بعد خسارتها المبادرة في ترؤس الحكومة وتشكيلها بسبب اشتراطات الأحزاب المتحالفة معها أولاً، ومن ثم بعد انتقال مبادرة اقتراح رئيس الحكومة لرئيس الجمهورية إثر عدم نجاح حكومة الحبيب الجملي في نيل الثقة في البرلمان.

وتراهن النهضة في فشل تمرير لائحة سحب الثقة على تحالف برلماني متماسك منذ فترة تمّ اختباره في أكثر من مناسبة في دعم الحكومة، والتعديل الوزاري الذي أدخل عليها، والتصويت على الميزانية العامة للبلاد وعدد من القوانين وآخرها تعديل قانون انتخاب المحكمة الدستورية.

ويتكوّن هذا التحالف من كتلة "ائتلاف الكرامة" (18 نائباً) التي تشترك مع حركة النهضة في المرجعية الفكرية، وساهمت في انتخاب الغنوشي على رأس البرلمان في بداية المدة النيابية الحالية نهاية عام 2019، بالإضافة إلى حزب "قلب تونس" (30 نائباً) وهو الحزب الفائز بالمركز الثاني في الانتخابات النيابية الأخيرة، ويدعم كذلك حكومة هشام المشيشي.

وتراهن الأحزاب الداعمة للعريضة على حصول اختراقات في كتلة قلب تونس من أجل تصويت عدد من أعضائها لسحب الثقة من الغنوشي، إلا أن تصريحات رئيس الكتلة أسامة الخليفي تؤكّد رفض الحزب مساندتها، حيث عبّر في حديث لوكالة الأناضول يوم 25 مارس/آذار الجاري عن أن الحل لأزمة البرلمان "هو الحوار، وأن يتنازل الجميع ويذهب في احترام المؤسسات والقانون واحترام التداول السلمي على السلطة".

وأضاف "لسنا في حاجة إلى حروب سياسية قد تذهب بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه"، في إشارة إلى عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان، وقال: إن "النظام الداخلي للبرلمان يضمنها، لكن لا يجب استعمالها استعمالاً مفرطاً لتصفية الحسابات السياسية ولتعطيل المؤسسات".

الاتجاه نحو الحوار

ومع انسداد الوضع في السلطة التنفيذية بسبب الأزمة بين رأسيها في ظل استمرار رفض رئيس الجمهورية قيس سعيّد القبول بالتعديل الحكومي، تعيش البلاد أزمة اقتصادية هي الأشد سوءاً منذ 10 سنوات، ضاعفت منها الإجراءات المتخذة للحد من انتشار جائحة كورونا.

تعدّدت المبادرات للخروج من هذه الأزمة وفتح قنوات الحوار بين مختلف الأطراف السياسية في البلاد، كان أبرزها مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أعلن أمينه العام نور الدين الطبوبي في تصريح خلال حوار تلفزي على القناة الوطنية التونسية (الرسمية) أن رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد تبنيه لمبادرة الحوار، مؤكّداً أهمية الوعي بضرورة إنجاح الحوار الوطني الذي قال إنه سينطلق قريباً وسيتم تذليل الصعوبات من أجل إنجاحه.

واعتبر المحلل السياسي التونسي الحبيب بوعجيلة في حديث لـTRT عربي أن مسار سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي من المرجح أن يتوقف مع انطلاق الحوار الوطني، والذي يتوقع أن يخلص إلى تثبيت المؤسسات الثلاث، لا مساس برئاسة الحكومة للمشيشي ولا مساس برئاسة راشد الغنوشي في رئاسة البرلمان ووقف استهداف رئيس الجمهورية من قبل الأحزاب المشاركة في الحكومة، مع إقامة تسوية شاملة تدخل تعديلات على الحكومة.

وأكّد بوعجيلة أن كل ذلك رهين برفع جميع الاشتراطات السابقة المرفوعة أمام الحوار، خصوصاً تلك التي رفعها رئيس الجمهورية، وفي مقدمتها استقالة المشيشي والفيتو على مشاركة بعض الأطراف التي يتهمها الرئيس بالفساد.

ويرى بوعجيلة أن نجاح الحوار رهين بقبول رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وحركة النهضة والاتحاد العام التونسي للشغل الجلوس على طاولة الحوار، باعتبارهم الأطراف الأهم في الحياة السياسية في تونس.

ويضيف المحلل السياسي التونسي أنه حتى في صورة تقديم العريضة فإنّه من الصعب جدّاً النجاح في سحب الثقة من رئيس البرلمان، حيث تشهد الكتلة الديمقراطية خلافات داخلية أدّت إلى ضعف كبير فيها، وكذلك إلى تراجع لدور عبير موسي في ظل المقاطعة الإعلامية لها، وتراجع الدعم الذي كانت تتلقاه لتغذية الاستقطاب السياسي في البلاد.

وقال: "في ظروف سياسية أفضل كانت تعيشها الكتل الداعمة للعريضة لم تنجح في جمع 109 أصوات لإسقاط الغنوشي، حيث إن التسريبات الأخيرة لرئيس الكتلة الديمقراطية محمد عمار كانت محرجة للكتلة بالفعل، وصراعات ظهرت للعلن، وخسائر متتالية لرئيسة الحزب الدستوري الحر، بالإضافة إلى حصول تقدمّ فعلي على علاقة بملف انتخاب المحكمة الدستورية".

ويختم بوعجيلة حديثه لـTRT عربي بالحديث عن أن "التسوية السياسية حالياً مدعومة من الأطراف الدولية الداعمة للانتقال الديمقراطي في تونس، والتي ترفض إحداث فراغ على رأس المؤسسة التشريعية، وهذه القوى الخارجية لا ترى أطرافاً سياسية يمكن التعامل معها أكثر من راشد الغنوشي ونور الدين الطبوبي لضمان تثبيت وضع الحكومة والانطلاق في الإصلاحات الاقتصادية من أجل إخراج البلاد من الأزمة، والحد من حالة الاحتقان الاجتماعي".

TRT عربي