تابعنا
صار الاتفاق عنصراً من عناصر الضغط على طهران إزاء تحركاتها الإقليمية ونفوذها السياسي، تفاقم ذلك مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عداءه الصريح لهذا الاتفاق في أول عهده، ثم انسحابه منه في مايو/أيار 2018.

عاشت السياسة الخارجية الإيرانية حرباً دبلوماسية منذ إعلان خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بين إيران والمجموعة الدولية في فيينا في 14 يوليو/تموز 2015، فقد صار الاتفاق عنصراً من عناصر الضغط على طهران إزاء تحركاتها الإقليمية ونفوذها السياسي، تفاقم ذلك مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عداءه الصريح لهذا الاتفاق في أول عهده، ثم انسحابه منه في مايو/أيار 2018.

أخذ الاتفاق النووي منحىً مختلفاً في الضغط على إيران، متجاوزاً الضغوط الدبلوماسية ليفتح باب الحرب الاقتصادية والعقوبات التي تجاوزت إيران ووصلت إلى حلفائها ومن يتلقون دعمها، ومن هذا جملة اغتيالات لقادة إيرانيين في مناطق الصراع العربي التي تحضر فيها إيران. بهذا كله تسعى إدارة ترامب إلى اتفاق شامل ينهي الصراع الأمريكي الإيراني منذ بداية الثورة الإسلامية، بما في ذلك إيقاف البرنامج الصاروخي وكبح حضور إيران في الإقليم.

واظبت إيران على عملها الدبلوماسي في الساحة الدولية مع الحليفين الروسي والصيني، وإبراز صورة الملتزم بتعهداته أمام الأوربيين في حين يخلُّ الطرفُ الأمريكي بتعهداته، ويرى محللون أن إيران حاولت كسبَ وِد الساحة الدولية بجهود حثيثة وتحركات إقليمية ودولية تبرزُ رغبة إيران في الحوار والتفاهم، وعلى الطرف الآخر ظلت إيران ملتزمة بدعم حلفائها في الإقليم وصدَّرت أذرعها الإعلامية صورة المواجهة الحادّة مع إدارة ترامب، التي توّد وأد الاتفاق النووي وتعتبره ذنباً لا يغتفرلإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ويردُ محافظو إيران على روحاني وترامب معاً بضرورة الانسحاب من أي طاولة حوار أو تعهد أحد أطرافه الولايات المتحدة.

تفاقمت الأزمة الاقتصادية الإيرانية وشهد الشارع هبّات شعبية ضد غلاء الأسعار وظروف المعيشة، وانقسم الداخل الإيراني إلى معارض لسياسة روحاني الخارجية التي عادت على البلاد بالضرر والعزلة، باعتباره لم يتنازل عن الاتفاق النووي كما روّج خصومه المحافظون الذين رفضوا الحوار مع الغرب، واتهموا روحاني بتقديم تنازلات تخدش سيادة الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وبعد قمع المظاهرات الشعبية وارتفاع صوت المعارضة الداخلية من خصوم روحاني جاء قانون قيصر الذي يفرض عقوبات على نظام الأسد في سوريا وحليفته إيران، وشهدت البلاد تفجيرات وحرائق في موقع عسكرية وصناعية في إيران تدور حولها تهم التأديب الأمريكي.

تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، التي تنتهي في 18 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وصرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، 27 أغسطس/آب، أن العقوبات على إيران ستبقى على حالها من خلال التجديد، وجاء الرد الإيراني على لسان المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده على "تويتر"، بعد ساعات، معلناً أن أمريكا ليس لها أي وجه شرعي لتتخذ هذه الخطوة، مشيراً إلى أن بومبيو يعيش في عالم خيالي غير عالمنا، على حد تعبيره. إلا أن تصريحات بومبيو سبقت عقوبات جديدة على شركات وقود إيرانية.

إيران بين أمريكا والمجتمع الدولي

فشلت الولايات المتحدة في تمرير قرار مجلس الأمن لتمديد حظر الأسلحة على إيران، بدعم 13 عضواً في المجلس رفضوا التصويت له، على رأسهم الصين وروسيا و11 دولةً من بينها حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون.

وصف روحاني إصرار الولايات المتحدة على تجديد العقوبات على بلاده بالغريب، معتبراً أن هذا الإصرار يُعمِقُ الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إيران. ومن جملة الصعوبات الاقتصادية التي سببتها العقوبات ما حدث لسعر صرف الدولار مقابل التومان الإيراني. واعتبر الولايات المتحدة تتعمد اختلاق السخط الشعبي في الداخل الإيراني على حكومته، مؤكداً أن مصير الاتفاق النووي مرتبط بكل سبل التعاون والتفاهم مع أمريكا.

وزار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي طهران الأسبوع الماضي، وأجرى خلال زيارته مباحثات مع روحاني ورئيس منظمة الطاقة الذرية علي أكبر صالحي ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، وتوجه غروسي إلى فيينا بعد يومين من المشاورات.

وعولَ الإيرانيون على هذه الزيارة أن تكون ضمن جهودهم في مخاطبة المجتمع الدولي والأوربيين تحديداً، لإبراز الاستجابة الإيرانية للحوار والتفاهم، ووفق البيان المشترك بين الوكالة وإيران، وافقت إيران على السماح للوكالة بالوصول إلى موقعين اختارتهما الأخيرة، كذلك الاتفاق على زيادة التعاون وتوطيد الثقة المتبادلة.

شكلّت إسرائيل ضغطاً كبيراً على الرأي الدولي منذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لمعاقبة إيران وتمديد حظر بيع الأسلحة لها. كانت آخر هذه الجهود فيمؤتمر صحافي مشترك بين وزير الخارجية الألماني هايكو ماس ونظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي في برلين، الخميس، أكدا فيه سعي ألمانيا لاستمرار حظر السلاح ضد إيران في المستقبل لأنها تلعبُ دوراً خطيراً في المنطقة.

ورغم سعي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا للتمسك بالاتفاق النووي مقابلتنازلات إيرانية في القضايا التي تمس الأمن والتدخلات الإقليمية، فإن أشكنازي يحاول عرقلة هذه المساعي التي تواجه استياءً من جانب إسرائيل، ويطلب من هذه الدول أن تدعم ألمانيا نحو تمديد حظر السلاح على إيران، على عكس فرنسا التي رحبت بتعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كذلك الصين التي انتقدت مساعي أمريكا وقالت إنه لا يحق لها التدخل في اتفاق انسحبت منه.

وحول رفض فرنسا وألمانيا وبريطانيا دعم جهود ترامب في تمديد حظر الأسلحة على إيران، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين إن تصويت هذه الدول مخيب للآمال المرجوة لتأديب إيران في المنطقة، وقال إن العقوبات الشديدة التي تفرضها بلاده على إيران مهدت الطريق للوصول إلى اتفاق سلام "تاريخي" بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، ولولا هذا الضغط على إيران لما طبعّت الإمارات علاقاتها بإسرائيل، على حد قوله.

الاتفاق والانتخابات الأمريكية

قال روحاني إن الانتخابات الرئاسية القادمة ستفرزُ فائزاً يمشي بنهجه الخاص، وفي كل الأحوال تجاوزنا كل الصعاب ولم نذعن في أسوأ الظروف التي مرت بنا. ويرى مراقبون أن كلّاً من إيران وأمريكا تسعيان إلى تدويل الاتفاق النووي، ليخرج من نطاق العداء الثنائي ويصبح قضية لمجلس الأمن والدول الأعضاء، لكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة تضع الإيرانيين في حالة ترقب لتغيرات غير متوقعة.

تناولت الصحافة الإيرانية مستقبل الاتفاق النووي مرهوناً بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وجرت مفاضلة بين المرشح الديمقراطي جو بايدن والرئيس ترامب، في محاولة لقراءة مستقبل الاتفاق النووي بين المرشحين، إذ أيّد بايدن الاتفاق النووي في عهد أوباما وطالب سابقاً بتخفيف العقوبات عن إيران، في حين يؤكد ترامب ضرورة كفّ يد إيران عن دول المنطقة ومعاقبتها.

قالت صحيفة كيهان الإيرانية المقربة من خامنئي إن سياسة بايدن نحو إيران لن تختلف عن سياسة منافسه ترامب. يرى بايدن أن الاتفاق النووي ناقص، وكان عليه أن يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني وحضورها في دول المنطقة، على عكس الصحف الإيرانية المقربة من الإصلاحيين، التي بشرت بعودة الاتفاق النووي في حال فاز بايدن.

وحول مستقبل الاتفاق النووي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قال المحلِّل الإيراني المتخصص في العلاقات الأمريكية الإيرانية والاتفاق النووي علي أكبر داريني، في تصريحات لـTRTعربي، إن أمريكا اليوم تسعى بكل قوتها إلى إلغاء هذا الاتفاق بشكل تام، بعقوبات ثقيلة وتضييق على الاقتصاد، وفي حال إلغائه قبل فوز بايدن فلا يمكن العودة للاتفاق بأية طريقة، كذلك إذا فاز بايدن فلن تكون العودة إلى الاتفاق بالسهولة التي يتحدث عنها المتفائلون بفوزه.

ويضيف داريني أنه في الوضع الراهن تحاول أمريكا التأثير على أعضاء مجلس الأمن لتمديد العقوبات على إيران، وهذا ليس ضمن سلطتها باعتبارها خرجت من الاتفاق ولم تعد مشاركة فيه، ليبقى الأمر مرهوناً بالحوار والدول التي تقف ضد الإملاءات الأمريكية بشأن إيران.

وعلى أعتاب هذه الانتخابات، تبدو أمريكا وحيدة في رغبتها بتمديد العقوبات التي حارب ترامب بشراسة لفرضها منذ مجيئه، وسنشهد في الانتخابات دعايات انتخابية تظهر فيها إيران موضوع جدلٍ بين المرشحين دون نية واضحة تجاه القادم.

وحول الفارق بين ترامب وبايدن بشأن العقوبات، قال داريني إن بايدن لا يختلف كثيراً عن ترامب بشأن إيران، فكلاهما يتفقان على أن الاتفاق النووي كان ينقصه التطرّق للبرنامج الصاروخي وحضور إيران في المنطقة، ودعم أذرعها.

TRT عربي