تابعنا
منذ أن بدأت روسيا تدخُّلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015 اشترطت خضوع النظام السوري عسكرياً وأمنياً لقراراتها، لكن ذلك لم يمنعها من المضي في مسار موازٍ لتشكيل كيانات عسكرية تابعة لها بصورة مباشرة لضمان الولاء العسكري لها على المدى الطويل.

وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية شكلت روسيا فرقة النمر بقيادة الضابط البارز في قوات النظام سهيل الحسن وأغدقت عليه العتاد والدعم، كما أنشأت الفيلق الخامس الذي فتحت أبوابه للمتطوعين والمنشقين سابقاً وحتى للمقاتلين السابقين في صفوف الجيش الحر ممن انخرطوا في التسويات والمصالحات في المناطق التي كانت يُهجَّر سكانها، وذلك كملجأ لهم يعيدهم إلى النظام ولكنه يحميهم من انتقامه في الوقت نفسه. 

وبناء على ذلك يعد الفيلق الخامس تشكيلاً عسكرياً كبيراً تابعاً للنظام السوري رسمياً، ويأتمر بأوامر قاعدة حميميم الروسية عملياً، ويتلقى من روسيا دعماً مادياً ولوجستياً وعسكرياً. ويوجد في عدة محافظات سورية. 

لكن وجود الفيلق الخامس في محافظة درعا تحديداً يتمتع بخصوصية معينة، إذ يضم أحد الألوية اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة الذي كان يقود فصيل فرقة "شباب السنة" في الجيش الحر سابقاً. وتشكل اللواء الثامن عام 2018 بعد التسوية التي أبرمت بين روسيا والنظام من جهة وفصائل المعارضة المسلحة في المحافظة من جهة أخرى، ما أدى إلى ترحيل بعض الأهالي والمقاتلين إلى الشمال السوري وبقاء الغالبية بشرط احتفاظهم بأسلحتهم، وحصر الإشراف على الملف الأمني فيها على الشرطة العسكرية الروسية. 

وضم اللواء الثامن في درعا (الذي يُعرف في الإعلام أحياناً بالفيلق الخامس) معظم مقاتلي شباب السنة، وانضم إليه لاحقاً العديد من مقاتلي الفصائل الأخرى التي تفككت بعد التسوية. ويتمركز بشكل خاص في بصرى الشام وما حولها شرقي درعا.  

ويُعرف عن قائد اللواء أحمد العودة حسب مراقبين محليين صلة المصاهرة التي تجمعه برجل الأعمال السوري المقيم في الإمارات والمقرب من روسيا خالد المحاميد، إذ يعد الأخير أحد داعمي العودة وفصيله "شباب السنة" منذ ما قبل التسوية. كما زار العودة قاعدة حميميم الروسية، ويتواصل مع الضباط الروس بشكل مباشر ويزور الأردن بصورة متكررة. 

الصراع مع الفرقة الرابعة

وبخلاف أفرع الفيلق الخامس في المحافظات الأخرى يتبع اللواء الثامن روسيا بشكل مباشر ولا يرتبط مع النظام السوري وقواته بأدنى صلة، ما منحه وضعاً فريداً ولَّد في بعض الأحيان تناقضات ظاهرة، كدخوله في صراع مع الفرقة الرابعة التابعة لقوات الأسد التي تهيمن عليها إيران ومليشياتها، بالإضافة إلى رفع شعارات ثورية في بعض المناسبات، فضلاً عن حوادث عدة دخل فيها اللواء باشتباكات عابرة مع أجهزة أمن النظام وعلى رأسها الأمن الجوي، وحرب الاغتيالات المتبادلة. 

المحلل السياسي نصر أبو نبوت رأى أن روسيا "اعتمدت على شخصية أحمد العودة الذي لم يستطع أن يكون ذا نفوذ على كامل المنطقة، وبخاصة في المناطق الغربية والقريبة من الحدود مع إسرائيل، بسبب غضب أهل المنطقة منه على خلفية اتهامه بتسليم الجنوب للنظام وروسيا، ومن خلفه صهره خالد المحاميد". 

وأضاف أبو نبوت الذي ينحدر من محافظة درعا في حديث مع TRT عربي: "استثمرت الفرقة الرابعة المدعومة إيرانياً هذا الخلل ودخلت على الخط، وأخذت تتغلغل في المنطقة الغربية وتطمئن الناس والأهالي وتقدم عناصرها على أنهم من أهل البلد، فأخذت تجنِّدهم لصالحها وتعطيهم بطاقات أمنية يستطيعون التحرك بها وأن يحتفظوا بأسلحتهم، الأمر الذي جعل للفرقة الرابعة نفوذاً في المنطقة".

من جهته لفت قائد سابق لأحد فصائل الجيش الحر بدرعا إلى أن "كثيراً من الناس يرى الحل في الدخول بالفيلق الخامس كونه أهون الشرَّين، لكن لم يتوصلوا إلى اتفاق مع أحمد العودة الذي يسعى لضم جميع المجموعات له". 

ويضيف القائد العسكري السابق الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية في حديث مع TRT عربي أن "أحمد العودة يقف سداً منيعاً أمام عودة الموالين للنظام إلى بصرى الشام على الرغم من ضغوط النظام لذلك. كما حصلت مشاكل كثيرة بينه وبين الأمن العسكري على الحواجز".

وخلص القيادي السابق في الجيش الحر إلى أن النزاع على النفوذ والسيطرة الذي يخوضه اللواء الثامن مع المجموعات التابعة للفرقة الرابعة يُعزى في أحد أسبابه إلى العودة إذ "يستغل تلقِّيه دعماً كبيراً من روسيا في زيادة هامش صراعه مع قوات النظام ومليشياته". 

من جهته أوضح عامر الحوراني الناطق باسم تجمع أحرار حوران العامل في المنطقة أن الفصائل عندما اتفقت مع روسيا اشترطت أن يكون التعامل مع روسيا فقط وأن لا تكون لها علاقة مع النظام. 

وأضاف في حديث مع TRT عربي أن "اللواء الثامن هو الذراع الروسي في المنطقة، ينفذ ما تريده روسيا لكنه لا يدخل في علاقة مع النظام ويتحاشى الصدام معه إلا في بعض الأحيان تنتهي بجهود روسية".

وبيَّن أن "عناصر اللواء رفضوا فكرة الخروج إلى الشمال والمشاركة بالحملة العسكرية على إدلب على الرغم من الإشاعات حول ذلك، فلم نوثق أي إصابة أو قتيل في معارك إدلب من أبناء المنطقة". 

سياسة روسية خاصة 

وتعزى السياسة الروسية الخاصة التي تعاملت بها مع الجنوب السوري إلى العديد من الأسباب يتداخل فيها العنصر المحلي مع العنصر الإقليمي. 

فقد تعهدت روسيا سابقاً للولايات المتحدة بحفظ أمن المنطقة الجنوبية لصالح إسرائيل وأن تبعد الإيرانيين عن المنطقة الجنوبية، لذلك شكَّلت اللواء الثامن هناك ليشكل قوة عسكرية محلية في الجنوب يستطيع الاعتماد عليها لتحقيق هذا الهدف، حسب نصر أبو نبوت المحلل السياسي المواكب لأحداث المنطقة. 

ويرى أبو نبوت أن روسيا عملت على تفعيل دورها بالجنوب "بتفعيل دور المعارضة وإرضائها هناك، لذلك كنا نشاهد كيف تمنح الفيلق الخامس دوراً ليكون قوات فصل بين المعارضة وقوات النظام كما حصل في الصنمين والحراك، أو تعطيه دوراً لمنع قوات النظام من إكمال عمليات اقتحام لبعض المناطق، على الرغم من أن مثل هذا الدور يمكن أن يكون متفقاً عليه بين الجانب الروسي والنظام، فإنه يبقى سياسة روسية معتمدة لخلق التوازن الذي يؤدي إلى السيطرة على الأمور والتحكم بها بشكل أفضل ومستمر". 

وحول عدم ممارسة روسيا ضغطاً يذكر على اللواء الثامن فيما يتعلق بعلاقاته مع النظام السوري، أكد أبو نبوت أن "روسيا بالنهاية دولة محتلة، ولها مصالح سياسية واقتصادية ونفوذ في سوريا، وهي ليست معنية بالحفاظ على النظام أكثر من عنايتها بتحقيق هذه المصالح". 

ويضيف: "لذلك تجد روسيا نفسها معنية باحتواء الغضب والشعور الداخلي بالانزعاج الموجود عند الناس ولا بد لها أن تمسك العصا بالمنتصف، ولذلك كانت قوات الشرطة العسكرية الروسية ذات أصول معظمها شيشانية مسلمة الديانة لتعطي انطباع الأريحية والقبول عند الأهالي". 

واعتبر أن "روسيا استطاعت من خلال السياسة الاحتوائية في مرحلة ما بعد 2018 أن تحقق الكثير من الهدوء الذي تحتاج إليه في هذه المنطقة، بناء على التزاماتها مع الأمريكي ومن خلفه الإسرائيلي". 

مواجهة النفوذ الإيراني

ويقول عامر الحوراني الناطق باسم تجمع أحرار حوران إن الحملة على درعا عام 2018 جرت بموافقة دول الجوار وهي الأردن وإسرائيل، لكنها اشترطت أن تؤدي إلى إبعاد إيران عن المنطقة. 

واستدرك الحوراني بالقول: "لا توجد مؤشرات على أن روسيا تحارب التغلغل الإيراني بالجنوب السوري الذي تسارع بشكل ملحوظ بالريف الغربي وقرب الحدود مع إسرائيل بخاصة بعد صدامات مايو/أيار العام الجاري التي انتهت باتفاق جنَّب المنطقة عملية عسكرية لكنه أدى إلى تغلغل الفرقة الرابعة هناك". 

وشدد على أنه "لا يوجد صراع بين روسيا وإيران حقيقة غير حرب الاغتيالات بين الفيلق الخامس والمليشيات الإيرانية" مذكراً بأن ضحية هذه الحرب هم من أبناء المنطقة. 

من جهته يتفق المحلل السياسي نصر أبو نبوت مع الحوراني على أنه لا توجد مؤشرات على جهود روسية لإخراج إيران من المنطقة على الرغم من الاتفاق بينها وبين أمريكا على ذلك قبل عملية التسويات في الجنوب، وفقاً لأبي نبوت. ويضيف: "بل على العكس، فالجانب الروسي صرح أكثر من مرة بقوله إنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً" لإخراجها أو إبعادها من المناطق الموجودة بها في الجنوب. 

ولفت إلى وجود قواعد عسكرية إيرانية في اللجاة وتل الحارة والقنيطرة في الجنوب، مؤكداً أن "تحركات المليشيات الإيرانية ليست بعيدة عن أنظار الروس الذين لا يتخذون أي خطوات حيالها". 

TRT عربي