أعلن الجيش الأوكراني شن معركة لاسترداد مدينة خيرسون جنوب البلاد.  (Serhii Nuzhnenko/AP)
تابعنا

أعلن الجيش الأوكراني، يوم الاثنين، أن قواته شنت هجوماً مضاداً في الجنوب بهدف إجلاء القوات الروسية إلى الجانب الشرقي من نهر دنيبر، واستعادة السيطرة على مدينة خيرسون الواقعة في قبضة الروس منذ الثاني من مارس/آذار المنصرم.

وفي إفادة صحفية لقيادة العمليات الجنوبية في جيش كييف، قالت المتحدثة باسم القيادة ناتاليا هومينيوك، إن الهجوم في خيرسون جار. مؤكدة ما جرى تداوله في مقطع فيديو يُظهر على ما يبدو جندياً من قوات دونيتسك الانفضالية الموالية لروسيا، يقول بأن القوات الأوكرانية اخترقت خطوطهم في خيرسون.

وأوضح مسؤول محلي، وهو مستشار الحاكم الإقليمي لخيرسون سيرغي خلان، متحدثاً للتلفزيون الأوكراني، قائلاً: "اليوم، شُنت هجمات قوية بالمدفعية على مواقع العدو (...) على مجمل أراضي منطقة خيرسون المحتلة (...) إنها بداية نهاية احتلال منطقة خيرسون". مضيفاً أن "الطائرات الأوكرانية تغطي الآن خط المواجهة بكامله"، وأن "ما يحدث الآن هو بداية جيدة الإعداد ومتوازنة لهجوم مضاد".

بالتزامن مع ذلك، قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها نجحت في صد "محاولات هجوم" أوكرانية في منطقتي خيرسون وميكولاييف، وأنها كبّدت قوات كييف "خسائر جسيمة". وأردفت في بيان أنه جرى تدمير 26 دبابة و32 آلية مدرعة ومقاتلتي سو-25 للجيش الأوكراني، لافتة إلى أن "العدو خسر أكثر من 560 عسكرياً".

استراتيجية الإقلاق المستمر

في الأسابيع الأخيرة، يُجمع المتابعون لتطورات الحرب في أوكرانيا، أن النشاط العسكري للجيش الأوكراني شهد تحولاً استراتيجيا كبير، يرتكز بدرجة أولى على تكثيف عملياته في الجنوب والتحول من موقع المدافع إلى هجوم المضاد، الذي يقلق السيطرة الروسية هناك ويزعزع استقرارها.

وبدأ هذا التحول منذ شهر يونيو/حزيران المنصرم، حين شنت قوات كييف هجوماً على جزيرة الأفعى، الواقعة وسط المثلث البحري بين أوديسا وخيرسون والقرم، لتعلن في الـ21 من الشهر ذاته استردادها للجزيرة. في انتصار، وإضافة إلى رمزيته، مكَّن الجيش الأوكراني من "نقطة متقدِّمة ومحطة ارتكاز في مياه البحر الأسود، الذي أصبح يمتلك دفاعات بحرية متطورة من طراز هاربون" حسب ما أوضحه المحلل السياسي المختص بالشأن الأوكراني محمد فرج الله، في حديثه لـTRT عربي.

ويضيف المحلل، أن انطلاق معركة استرداد الجنوب رهينة بقدرة الجيش الأوكراني على تأمين نفسه جواً، وهو الأمر الذي يمثل "نقطة ضعف" في الدفاعات الأوكرانية. وفي هذا السياق، أعلن البنتاغون مطلع يوليو/تموز تسليم كييف اثنين من أنظمة الدفاع الجوي "ناسامز" وأربعة رادارات إضافية مضادة للمدفعية، كما وقَّعت في 26 أغسطس/آب الجاري عقداً بـ18 مليار دولار لشراء أنظمة الدفاع الجوي ذاتها للغرض نفسه.

وتشهد مدينة زاباروجيا منذ أسابيع قصفاً مستمراً، يتبادل الجانبان الروسي والأوكراني مسؤوليته. واتهم المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبزيا، الثلاثاء، أوكرانيا بمواصلة قصف محطة زابوريجيا للطاقة النووية بشكل يومي، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى "وقوع حادث إشعاعي ستكون له عواقب وخيمة على القارة الأوروبية بأكملها".

وفي 9 أغسطس/آب، هزَّت انفجارات قاعدة ساكي الروسية شرق شبه جزيرة القرم، أدت إلى توقف أكثر من نصف الطائرات التابعة لسلاح البحرية في أسطول البحر الأسود عن العمل، حسب وسائل إعلام غربية. ولم تعلن أوكرانيا مسؤوليتها عن الهجوم. بينما تعهد الرئيس فلودومير زيلينسكي، في 23 أغسطس/آب، باستعادة شبه الجزيرة، قائلاً إن: "كل شيء بدأ مع القرم، وسينتهي مع القرم".

حرب بلا نجاحات سريعة

وبشأن خيرسون، عملت القوات الأوكرانية منذ يوليو/تموز على التحضير للهجوم المضاد، وذلك باستهداف خطوط الإمداد الروسية ومخازن السلاح بضربات نوعية، استخدمت فيها الأسلحة الغربية وطلعات مُسيرات "بيرقدار TB2". إضافة إلى هذا، استمرت القوات البرية الأوكرانية بتقدم بطيء وإسقاط القرى واحدة تلو الأخرى، ما مكنها -قبل شهر- من السيطرة على 44 بلدة و15% من الأراضي في محيط خيرسون، حسب قائد كتيبة في الجيش الأوكراني.

وصولاً إلى الهجوم المضاد الذي جرى الإعلان عنه الاثنين، إذ تستمر قوات كييف في نسقها البطيء، دون المجازفة بالتسرع في توقع نجاحات سريعة. هذا ما أكده كبير مستشاري زلينسكي، أوليكسي أريستوفيتش، بقوله: "إن هذا الهجوم عملية بطيئة لطحن العدو"، فـ"بالطبع يرغب الكثيرون في هجوم واسع النطاق وأخبار عن أسر جيشنا لقوات العدو في غضون ساعة"، لكن "نحن لا نقاتل بهذه الطريقة.. والأموال محدودة".

وأوضح أريستوفيتش أن القوات الأوكرانية اخترقت الدفاعات الروسية في عدة مناطق من خط المواجهة بالقرب من مدينة خيرسون، وأنها قصفت العبَّارات على الضفة الغربية لنهر دنيبر التي تستخدمها القوات الروسية للإمداد في المنطقة. هذا ونقلت شبكة BBC عن مسؤولين في كييف، أن القوات الأوكرانية استخدمت أنظمة صواريخ "هيمار" التي زودتها بها الولايات المتحدة في تدمير ثلاثة جسور عبر نهر دنيبر، وكذلك الجسور المؤقتة التي أنشأتها القوات الروسية.

هجوم في توقيت ضروري

كانت خيرسون، المطلة على البحر الأسود، أول مدينة أوكرانية تقع في يد الروس، منذ بداية هجومهم على البلاد في 24 فبراير/شباط الماضي. وتكمن أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لموسكو في كونها تقع على مصب نهر دنيبر، ما يجعلها مصدراً رئيسياً للمياه العذبة نحو القرم ومناطق الجنوب الخاضعة للسيطرة الروسية.

كذلك تعد خيرسون نقطة ارتكاز أساسية في مساعيها للاستحواذ على أوديسا، حيث أهم ميناء تصدير أوكراني، وإتمام مهمة عزل البلاد عن كامل شريطها الساحلي.

من هذا المنطلق، بالنسبة لأوكرانيا التي تحارب على أرضها، فإن استرداد خيرسون يعني طردها الوجود الروسي إلى شرق نهر الدنيبر والتحرير الكامل لأراضيها غربه، والاستفادة من النهر كعائق طبيعي من أجل تأمين تلك الأراضي. وإضافة إلى هذا، التحكم في أهم مصدر للمياه العذبة لشبه جزيرة القرم، كما الاقتراب خطوة أخرى نحو زاباروجيا.

فيما تشهد خيرسون، وغيرها من المدن الأوكرانية التي بسطت روسيا سيطرتها عليها، عملية "ترويس" مكثف وطمس لمعالم السيادة الأوكرانية عليها. حيث أطلقت موسكو عملية تجنيس واسعة لسكان تلك المناطق، كما أنشأت نظاماً مصرفياً موازياً لنظيره الأوكراني، وغيّرت أنظمة البث التلفزيوني لتسمح للسكان بمشاهدة القنوات الروسية المشفرة.

كل هذا يأتي في إطار خطة ضم للمدينة، ومدن أوكرانية أخرى، للأراضي الروسية على شاكلة ما وقع سنة 2014 للقرم. حيث أعلنت موسكو، في 9 أغسطس/آب، نيتها إجراء استفتاء لضم خيرسون ومناطق أخرى منتصف شهر سبتمبر/أيلول القادم. وبالتالي يأتي الهجوم المضاد الأوكراني على المدينة في توقيت ضروري، من أجل منع روسيا من المضي في المسار الذي خططته لتلك الأراضي.

TRT عربي