تابعنا
بينما يترقب الجميع في تونس إعلان رئيس البلاد عن اسم رئيس الحكومة الجديد والإفصاح عن خارطة الطريق المقبلة التي طال انتظارها، يطرح بشكل مفاجئ نيته تعديل النظام الحالي وتعطيل الدستور.

في تصريح خاص لوكالة رويترز للأنباء يوم الخميس 9 سبتمبر/أيلول الجاري قال وليد الحجام مستشار الرئيس التونسي قيس سعيد إنه يوجد اتجاه لتغيير النظام السياسي في البلاد وربما يكون ذلك عبر إجراء استفتاء، لأن الدستور الحالي على حد تعبيره أصبح عائقاً أساسياً ويُفترض تعليقه ووضع نظام للسلطات المؤقتة.

ولم يكن تصريح الحجام المرة الأولى التي يشار فيها إلى نية قيس سعيد تغيير النظام السياسي والدستور. إذ عبر الرئيس التونسي بدوره عن ذلك في أكثر من مناسبة منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 2019. وكان آخرها الكلمة التي ألقاها يوم الخميس 2 سبتمبر/أيلول الجاري وقال فيها: "سنعود إلى الشعب صاحب السيادة هو الذي يقرر في إطار القانون "، واعتبر محللون أن في كلام سعيد إشارة إلى إجراء انتخابات جديدة أو اتجاه نحو الاستفتاء.

وبينما كان اتجاه قيس سعيد في إعلانه يوم 25 يوليو/تموز الماضي عن إجراءات استثنائية بمقتضى أحكام الفصل 80 من الدستور التي مددها لاحقاً، ومن بينها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه واستلامه مهام السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية، في إطار خطته التي روج لها بتأييد مناصريه لتصحيح المسار وإنقاذ البلاد من خطر داهم ومحاربة الفساد، يفصح مستشاره عبر صحيفة أجنبية عن أن: "برنامج الرئيس (وقف العمل بالدستور وتغيير النظام) أصبح على بعد خطوات قليلة ومن المتوقع أن يجري إعلانه قريباً".

وتطرح في الأثناء أسئلة عديدة عما إذا كان قيس سعيد قادراً على تحقيق خطته فعلاً، وعن ملامح النظام الذي يسعى إليه والسبل التي ستمهد له الطريق إلى ذلك، وعما إذا كان حل الأزمة في البلاد يقتضي تغيير النظام.

من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي

كان النظام البرلماني مطلب الجماهير الغفيرة المحتجة في تونس التي خرجت إلى الشوارع في يناير/كانون الثاني 2011 لتنهي حقبة طويلة من نظام استبدادي.

ومع انتخاب ممثلين للشعب في المجلس التأسيسي في أكتوبر/تشرين الثاني 2011 انطلقت حوارات ساخنة عن شكل النظام الذي سيحكم البلاد وعن الصلاحيات التي ستتقاسمها السلطات الثلاث، حتى صدَّق المجلس أخيراً على دستور 2014 أو ما يشاء التونسيون تسميته دستور الثورة، وجرى منذ ذلك الحين إقرار نظام شبه برلماني في تونس.

ويمنح هذا النظام البرلمان صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها. ويعطي لرئاسة الحكومة أغلب الصلاحيات التنفيذية، فيما يختص رئيس الجمهورية بتمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة. كما يتولى حلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور، كما يتمتع بحق المبادرة التشريعية التي تتمتع بالأولوية وحق رد مشاريع القوانين المصدَّق عليها.

وعلى الرغم من أن فئة كبيرة أيدت التوزيع الحالي للصلاحيات واعتبرته يحول دون التفرد بالسلطة وعودة الاستبداد من جديد، فإن فئة أخرى انتقدت النظام الحالي ودعت منذ التصديق على الدستور إلى تغيير النظام وتوسيع الصلاحيات الممنوحة للرئيس معتبرة أن حالة التنازع وتشتت الإدارة هي أحد إرهاصات فشل النظام شبه البرلماني التي خطت طريقاً متعثراً للديمقراطية الفتية في تونس.

وكان من بين هذه الأصوات الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي والرئيس الأسبق محمد منصف المرزوقي الذي قال في تصريح سابق: "عجز أحد الطرفين عن حسم المعركة وطولها، بما يعنيه هذا من شلل الدولة وانهيار ما تبقى لها من هيبة ومصداقية مرتبطة بطبيعة النظام المزدوج الذي لا يسمح لرئيس الدولة بإقالة رئيس الحكومة ولا لرئيس الحكومة بأن يتصرّف كما لو كان الرئيس الفعلي والوحيد للجهاز التنفيذي".

وتتجدد اليوم الدعوات التي يقودها الرئيس الحالي قيس سعيد لتغيير النظام شبه البرلماني أو نصف البرلماني إلى نظام رئاسي وتوسيع الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية.

وهذه كانت نيته منذ البداية، إذ إنه يحمِّل اليوم الأخطاء والأزمة في البلاد للنخبة السياسية ولثغرات الدستور وللشكل الحالي للنظام، ليكون الرئاسي المخرج والمنفذ للبلاد.

وبينما وصلت الأزمة في تونس إلى طريق مسدود نتيجة الصراع السياسي والعطالة وغياب الحوار بين كل الأطراف، كسب قيس سعيد مزيداً من المؤيدين في صفه لإنفاذ خطته ليعود لطرحها من جديد، حتى يبدو أنها في لمساتها الأخيرة وفق ما صرح به مستشاره مؤخراً، تنتظر استفتاء شعبياً حتى تكون واقعاً.

الحل في تغيير النظام السياسي؟

يعتبر الاستفتاء إجراء كفله دستور 2014 بمقتضاه يُدعى المواطنون للتعبير عن رأيهم أو إرادتهم بمقتضى تصويت شعبي حول مسألة اتخذتها سلطة أخرى أو قد تتوخى إجراءه. إلا أن التساؤل الذي يطرحه الجميع عن آلية هذا الاستفتاء عما إذا كانت ستكون وفق دستور البلاد الذي يعتزم قيس سعيد وقف العمل به أو عن طريق إجراء آخر سيفصح عنه الرئيس التونسي وأستاذ القانون الدستوري، الذي طالما بنى توجهاته وقراراته وفق تأويلاته لفصول الدستور في ظل غياب المحكمة الدستورية.

وبينما تطرح هذه الآليات للمرور بشكل عملي إلى تغيير النظام يرى سياسيون ومحللون أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في فصول الدستور أو ثغراته ولا في توزيع الصلاحيات التي يمليها النظام الحالي المعمول به في البلاد، وإنما تكمن أساساً في الإرادة السياسية والتوافق والحوار الوطني الشامل. فالمشكلة الأساسية وفق ما عبر عنه ناشطون وفاعلون كانت تتلخص أساساً في صراعات بين أجندات سياسية متناحرة وتجاذبات أيديولوجية، ومعسكرات مناصرة للثورة وأخرى مناهضة لها تسعى للانقلاب عليها، كلها تجمعت تحت قبة البرلمان بسبب نظام انتخابي أفرز مشهداً فسيفسائياً وحال دون تشكيل حزام سياسي واسع وحقيقي. وقد تزامنت كل هذه المشاكل مع أزمة خانقة تطوق البلاد طيلة سنوات، ومطالب على الرغم من إلحاحها بقيت مؤجلة، واحتقان شعبي نتيجة غياب طويل للنجاعة الحكومية.

فكانت قرارات قيس سعيد الأخيرة بمثابة المنقذ الأخير، ومع ذلك لا يمكن الحديث عن إجماع على تغيير النظام، وإنما كان الحديث مطولاً عن تغيير النظام الانتخابي الذي حال دونه غياب المحكمة الدستورية.

ويبدو أن تونس تدخل اليوم منعرجاً آخر يمكن أن يؤول إلى مزيد من الصراع لتستمر معه حالة الفراغ السياسي، أو ربما ينقلب النظام بأكمله وهو ما يثير المخاوف من العودة إلى الاستئثار بالحكم من جديد.

TRT عربي