حملت زيارة المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل إلى تل أبيب دلالات عميقة ورسائل مهمة (Onayli Kisi/Kurum/AA)
تابعنا

حملت زيارة المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل إلى تل أبيب دلالات عميقة ورسائل مهمة، وأكدت ميركل خلال زيارتها أنّ قضية أمن إسرائيل ستظل ذات أهمية محورية وموضوعاً رئيسياً لكل حكومة ألمانية.

وكونها آخر زيارة خارجية رسمية لها، ولم تنوِ أن تزور خلالها مقر السلطة الفلسطينية في رام الله برئاسة محمود عباس على الرغم من تأييد ألمانيا المُعلن لـ"حل الدولتين"، فإنّ لذلك دلالة واضحة على مركزية المصالح الإسرائيلية لدى المستشارة الألمانية الأبرز في تاريخ البلاد.

وتجمع ألمانيا وإسرائيل علاقات وطيدة تشكّلت في أعقاب الهولوكوست، وهي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وشهدت أيضاً قيام دولة إسرائيل.

كما سعت ميركل تحديداً، خلال أعوام ولايتها الـ16، لتعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية الثنائية بين البلدين على الرغم من اختلافها مع إسرائيل بالسياسات المتعلّقة بالفلسطينيين وإيران.

حصاد الهولوكوست.. تعويضات ومكانة استثنائية

في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، التي تخلّلتها جرائم النازية بحق اليهود في أوروبا أو ما يُعرف تاريخياً بـ"الهولوكوست"، بدت فكرة تطبيع العلاقات بين ألمانيا ودولة إسرائيل الوليدة تبدو شبه مستحيلة.

غير أنّه، وفي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، سرعان ما انطلقت أولى المباحثات الرسمية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون ورئيس مؤتمر المطالبات اليهودية ناحوم غولدمان، ومستشار ألمانيا الغربية كونراد أديناور، لإرساء علاقات بين البلدين تحصل إسرائيل بموجبها على تعويضات استثنائية واعتراف ألماني بجرائم النازية.

وبسبب حساسية قبول التعويضات، نوقشت هذه المسألة بشكل مكثّف في الكنيست الإسرائيلي، إلى أن وقّعت حكومتا برلين الغربية وتل أبيب اتفاقية التعويضات في عام 1952. ووصلت عام 2007 بموجب تلك الاتفاقية ما إجماله 25 مليار يورو تعويضات للدولة الإسرائيلية وللأفراد الإسرائيليين الناجين من الهولوكوست.

ولم يتوقّف الأمر عند التعويضات المالية، إذ تُشير مصادر تاريخية ألمانية إلى أنّ إسرائيل وألمانيا استمرّا في سلسلة اتصالات سرّية، جرى من خلالها الاتفاق على حصول تل أبيب على صادرات أسلحة ألمانية، ما مهّد الطريق إلى بدء علاقات دبلوماسية كاملة بين حكومتي البلدين.

واستغرق الأمر نحو 15 عاماً حتى أقامت ألمانيا الغربية وإسرائيل علاقات دبلوماسية في 12 مايو/أيار 1965. ومنذ ذلك الحين، باتت ألمانيا أقوى الحلفاء الغربيين لإسرائيل رفقة الولايات المتحدة، وهو ما شدّد عليه المستشارون الألمان المتعاقبون على الحكم في برلين.

ويعتبر مراقبون السياسات الألمانية الوطيدة والشراكة متعددة المناحي بينها وبين إسرائيل كونها نتاج "عقدة الذنب"، والتي تشكّلت جرّاء الهولوكوست ووضعت برلين أمام مسؤولية مستمرة نتيجة الممارسات والجرائم النازية.

علاقة خاصة وروابط متينة

تبادلت برلين وتل أبيب الزيارات الرسمية بانتظام منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1965، فعلى غرار زيارة ميركل الاستثنائية والتي تُعدّ الثامنة والأخيرة إلى إسرائيل، وتسطّر بها المستشارة الألمانية آخر صفحة في جولاتها الخارجية الرسمية، جاء العديد من الزيارات الرسمية في إطار استثنائي فريد بين البلدين.

ففي عام 1994، جاءت أول زيارة رسمية للرئيس الألماني رومان هرتسوغ خارج أوروبا إلى إسرائيل، وتبع ذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك كأوّل زعيم أجنبي يجري استقباله في برلين بعد انتقال الحكومة الألمانية من بون في عام 1999.

وفي 30 يناير/كانون الثاني 2008، أعلن المتحدث باسم أنغيلا ميركل أن الحكومتين الألمانية والإسرائيلية ستجتمعان في إسرائيل في مارس/آذار 2008، تكريماً لإحياء الذكرى الستّين لتأسيس إسرائيل.

ووقّعت ميركل ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، خلال الزيارة، اتفاقيات حول مجموعة من المشاريع في التعليم والبيئة والدفاع. وتحدّثت ميركل عن دعمها للدولة اليهودية خلال خطاب غير مسبوق أمام الكنيست في 18 مارس/آذار 2008.

وكانت ألمانيا واحدة من 14 دولة صوّتت ضد عضوية فلسطين في اليونسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

وتحافظ إسرائيل وألمانيا الآن على "علاقة خاصة" قائمة على المعتقدات المشتركة والقيم الغربية ومزيج من وجهات النظر التاريخية، وأقام البلدان شبكة اتصالات بين المنظمات البرلمانية والحكومية وغير الحكومية، فضلاً عن العلاقات الاستراتيجية والأمنية.

وتُعد ألمانيا منذ مدة طويلة ثاني أهم شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وصدّرت عديد الغواصات والأسلحة إلى إسرائيل، كما دشّن البلدان عديد المشاريع البحثية المشتركة.

"المسؤولية التاريخية لألمانيا".. إرث ميركل

تتمتع المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل بتقدير عال وشعبية ضخمة لدى دوائر الحكم في تل أبيب، وذلك رغم وجود اختلافات في وجهات النظر بينها وبين الساسة الإسرائيليين بشأن القضية الفلسطينية والاستيطان.

وفي خطابها التاريخي أمام الكنيست الإسرائيلي في 18 مارس/آذار 2008، بدت ميركل متأثرةً عندما قالت هذه الكلمات: "بالتحديد في هذا الموقع أقول بكل وضوح إنّ كل حكومة ألمانية وكل مستشار قبلي كانوا ملتزمين بالمسؤولية التاريخية الخاصّة لألمانيا بالنسبة إلى أمن إسرائيل. وهذه المسؤولية التاريخية لألمانيا هي جزء من سياسة الدولة التي تتبناها بلادي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل بالنسبة لي كمستشارة ألمانية غير قابل أبداً للمساومة".

وعلى مدار 16 عاماً وهي فترة وجود ميركل في الحكم، تعمّقت العلاقات بين البلدين على نحو ملحوظ، وزارت المستشارة المنتهية ولايتها إسرائيل 8 مرات آخرها الزيارة التي أجرتها الأحد.

ولخّصت ميركل رؤيتها إزاء إسرائيل أثناء كلمتها التي ألقتها أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي خلال زيارتها الأخيرة: "نحن نختلف أحياناً في مسائل مثل ما إذا كان ينبغي تنفيذ حل الدولتين مع الفلسطينيين، لكننا نتفق فيما أعتقد على ضرورة أن تتوافر على الدوام رؤية لبقاء دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية".

TRT عربي