"أمامها طريق شاق".. هل تستطيع ألمانيا أن تصبح قوة عسكرية كبرى من جديد؟/الصورة: AFP (AFP)
تابعنا

بالتزامن مع سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، وبالرغم من إصرار المستشارة الألمانية السابقة إنجيلا ميركل على مواصلة "حوار" غير مثمر مع بوتين بدلاً من الوقوف في وجهه، بدأ المخططون العسكريون الألمان في التفكير في الاحتمال المفاجئ لوقوع حرب برية كبيرة في أوروبا قد تتطلب جنوداً ألماناً للدفاع عن الأراضي الأوروبية.

ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر فبراير/شباط 2022، ازدادت حدة هذه المخاوف لدرجة دفعت الحكومة الألمانية الجديدة إلى الإعلان بسرعة عن خطط لأكبر قفزة في الإنفاق العسكري الألماني منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال ضخ استثمار ضخم بقيمة 100 مليار دولار من أجل تطوير الجيش الألماني وإعادة معداته العسكرية إلى المستوى الاعتيادي.

وعلى صعيد متصل، بحث تقرير موسع نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الجدل الدائر حول ما إذا كان ينبغي لألمانيا أن تلعب دوراً عسكرياً أكبر على المسرح العالمي. مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ألمانيا كانت مترددة تاريخياً في الانخراط في العمليات العسكرية، وركزت بدلاً من ذلك على بناء اقتصاد قوي وتعزيز السلام من خلال الدبلوماسية والتعاون الدولي. لكن الأحداث العالمية الأخيرة والتغيرات في المشهد السياسي أدت إلى إعادة تقييم هذا الموقف.

جيش ضعيف ومتهالك

كشفت بداية الحرب الأوكرانية عن المشكلات العديدة التي يعاني منها الجيش الألماني، وبالأخص الضعف الحاد في التجهيز بعد سنوات طويلة من الإهمال وبخاصة من المعدات القديمة التي تعمل بشكل سيئ، ما يجعله غير قادر على أداء واجباته أمام الناتو إلا في نطاق محدود جداً. الأمر الذي تسبب في ظهور تساؤلات بشأن الحفاظ على إمدادات الأسلحة التي يجري إرسالها إلى أوكرانيا لدعمها في حربها مع روسيا.

وعلى مر السنوات الماضية، حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفشلت في الغالب، إقناع الألمان وغيرهم من الحلفاء الأوروبيين بتعزيز جيوشهم وتحقيق هدف الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو هدف تسعى ألمانيا إلى تحقيقه منذ فترة طويلة.

وعلى الرغم من مرور ما يقرب من عام على إعلان المستشار شولتز خططاً غير مسبوقة لتشكيل نقطة تحول للجيش الألماني ومكانته في العالم، بالكاد نرى أي من 100 مليار يورو من التمويل الإضافي الذي تعهد به المستشار الألماني شق طريقه إلى القوات المسلحة، الأمر الذي كان من بين أبرز الأسباب التي أدت إلى تقديم وزيرة الدفاع الألمانية السابقة كريستين لامبرخت استقالتها قبل أيام.

"طريق شاق"

يناقش مقال نيويورك تايمز الأخير احتمالية أن تصبح ألمانيا قوة عسكرية عظمى مرة أخرى. ويشير إلى أن الاقتصاد الألماني القوي وصناعة التكنولوجيا المتقدمة يمكن استخدامها لبناء جيش قوي، وأنه يوجد دعم متزايد لهذه الفكرة بين الجمهور الألماني والقادة السياسيين. ومع ذلك، لفت أيضاً إلى وجود العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها قبل الشروع في هذه المهمة.

وسلط المقال الضوء على أن ثمة إرثاً تاريخياً متعلقاُ بالحرب العالمية الثانية، مما يجعل فكرة وجود قوة عسكرية ألمانية قوية مثيرة للجدل. كما يشير إلى أن الجيش الألماني يفتقر حالياً إلى الموارد والقدرات ليكون قوة عالمية فعالة، وأن الاستثمار والتحديث الكبير سيكون مطلوباً.

بالإضافة إلى ذلك، يشير المقال إلى أن دولاً أوروبية أخرى قد تقاوم فكرة وجود جيش ألماني قوي، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل ميزان القوى في المنطقة. وبينما تكتسب فكرة أن تصبح ألمانيا قوة عسكرية عظمى مرة أخرى زخماً، فإنها قضية معقدة ومثيرة للجدل تتطلب جهداً وتعاوناً كبيراً لتحقيقها.

إرث الماضي يعيق المهمة

قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كان التشكك في مزايا القوة العسكرية قد أتاح عملية طويلة بعد الحرب الباردة لنزع السلاح في ألمانيا. الآن، يتعهد القادة الألمان بتحويل البلاد إلى قوة عسكرية قادرة على تحمل المسؤولية عن أمن أوروبا. لكن المجتمع الألماني، الذي يلوح فيه الماضي النازي للبلاد بشكل كبير، لا يزال متردداً.

كما أن حقيقة تورط الجنود الألمان مراراً وتكراراً في قضايا بارزة من التطرف اليميني لم تساعد في تخفيف هذا الانزعاج. فبينما ساد في السنوات الأخيرة حالات التطرف بشكل خاص بين الكوماندوز في القوات الخاصة للجيش الألماني، استيقظت ألمانيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي على وقع عملية أمنية ضخمة وواسعة استهدفت أعضاء في حركة "مواطني الرايخ" كانوا يخططون لإنقلاب عنيف لإسقاط السلطة وإعادة بناء "الرايخ الألماني".

وإلى جانب تحول الإرث النازي ليصبح إحدى العصي التي تتسبب في إيقاف أو تباطؤ عجلة التحديث للجيش الألماني، فإن الروس يستخدمون هذه المسألة في دعايتهم المستمرة منذ الحرب الباردة، والتي تشير إلى وجود خطط ألمانية للعودة بالبلاد إلى الحقبة النازية.

وعلى صعيد القرار السياسي، أشار تقرير نشرته صحيفة البوليتكو إلى وجود أصداء قوية بين رفض شولتز، الذي كان يُنظر إليه في الثمانينيات على أنه يساري داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الثابت لاتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه روسيا بشأن أوكرانيا وحماسته الشبابية للاشتراكية، وتقاسمه مع شيوعيي ألمانيا الشرقية معاداة شديدة لأمريكا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً