تابعنا
تنفّس الأمريكيّون الصعداء بعد تمرير مشروع قانون "اللحظات الأخيرة" في الكونغرس، لتجنّب إغلاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية ولو لـ45 يوماً إضافية، تمنح الحزبين الديمقراطي والجمهوري وقتاً للتفاوض.

تنفّس الأمريكيّون الصعداء بعد تمرير مشروع قانون "اللحظات الأخيرة" في الكونغرس، لتجنّب إغلاق الحكومة الفيدرالية الأمريكية ولو لـ45 يوماً إضافية، تمنح الحزبين الديمقراطي والجمهوري وقتاً للتفاوض.

وقد كان الإغلاق وشيكاً للمرة الخامسة عشرة منذ عام 1981، عقب شدٍّ وجذب بين البيت الأبيض ومجلسَي النواب والشيوخ، كما تركزت المسائل الخلافية بين الإدارة الأمريكية ومعارضيها حول رفع سقف الدين وأوجه الإنفاق وخفض الميزانية.

ويتضمن القانون الذي وقعه الرئيس بايدن، مساعدات الكوارث الطبيعية التي طالب بها البيت الأبيض، بينما تجنّب القانون تمويلاً بقيمة ستة مليارات دولار لمساعدة أوكرانيا، وهو تنازل اشترطه عديد من الجمهوريين في مجلس النواب.

ارتفاع الدين الأمريكي والإغلاق

تجاوز الدين القومي للولايات المتحدة 33 تريليون دولار لأول مرة في التاريخ، بحسب الخزانة الأمريكية.

وقالت الوزارة إنّ الزيادة بنحو 50% في الإنفاق الفيدرالي بين 2019 و2021، ساهمت بشكل رئيس في ارتفاع الدّين، الذي يأتي نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي وارتفاع تكلفة الديون بسبب الزيادة في قيمة الفائدة، في ظل سياسات التشديد النقدي التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي.

وأظهرت بيانات الوزارة أنّ عجز واشنطن عن الموازنة بين حجم إنفاقها وعائداتها من ضرائب وغيرها، وصل إلى 1.5 تريليون دولار خلال 11 شهراً الأولى من السنة المالية، بارتفاع بنحو 61% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.

ويحدث الإغلاق الحكومي عندما تُنفَق أموال ميزانية العام المنقضي، وتحتاج المؤسسات الحكومية إلى مخصصات السنة المالية الجديدة، التي تبدأ في 1 أكتوبر/تشرين الأول بموافقة من الكونغرس.

أما سقف الدين فهو الحد الأقصى الذي يحدده الكونغرس بشأن الأموال التي يمكن للحكومة اقتراضها، ويجب رفعه بشكل دوري ومتزايد لتجنّب التعثر في السّداد.

وقد وافق الجمهوريون (الأغلبية في مجلس النواب) على رفع سقف الدين، قبل أشهر، لكن شريطة إجراء تخفيضات كبيرة في الميزانية، وانتهت المفاوضات باتفاق ينص على تعليق حدّ الدَّين لمدة عامين، وخفض الإنفاق الفيدرالي بمقدار 1.5 تريليون دولار على مدى عقد من الزمن، بتجميد بعض التمويلات، مع تقييد الإنفاق بنموّ بنسبة 1% في 2025.

وحول وضع الديون الحالي ألقى مايكل كيكوكاوا، المتحدث باسم البيت الأبيض، باللوم على الجمهوريين، خلال تصريح لشبكة فوكس نيوز، معتبراً أنّ "الزيادة في الديون على مدى السنوات العشرين الماضية كانت مدفوعة بشكل كبير بالتريليونات التي أنفقت على التخفيضات الضريبية الجمهورية التي انحرفت لمصلحة الأثرياء والشركات الكبرى".

ما تداعيات الإغلاق الحكومي؟

كان آخر إغلاق حكومي هو الأطول على الإطلاق، إذ استمر 35 يوماً بين ديسمبر/كانون الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019، ومُنحت إجازة لنحو 375 ألف موظف في الحكومة الفيدرالية، بينما عمل نحو 425 ألفاً من دون أجر.

وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، إنّ إغلاق الحكومة الأمريكية هذه المرة، سيُضرّ بتصنيفها السيادي، في تحذير شديد بعد شهر من خفض وكالة فيتش تصنيف الولايات المتحدة درجة واحدة على خلفية أزمة سقف الديون.

وفي السياق ذاته، توقَّع مصرف "غولدمان ساكس" تقلُّص الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.15% أسبوعياً خلال الإغلاق المحتمل، إلا أنّ النمو قد يزيد بوتيرة مماثلة بعد الانتهاء منه.

وتشير تقديرات البيت الأبيض إلى أنّ الاقتصاد يمكن أن يتحمل إغلاقاً قصيراً، مع تزايد المخاطر كلّما طال أمده، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

وذكر التقرير أنّ الاقتصاديين في البيت الأبيض ومحلّلي وول ستريت خلصوا إلى أنّ الإغلاق القصير سيؤدي إلى إبطاء الاقتصاد بشكل كبير أو دفعه إلى الركود.

ويستند هذا التقييم جزئياً إلى الأحداث السابقة عندما توقف الكونغرس عن تمويل عديد من العمليات الحكومية، لكن الإغلاق المطوّل قد يضرّ بالنمو وربما باحتمال إعادة انتخاب الرئيس بايدن.

ويحتمل أن تُسهم سلسلة من العوامل الأخرى بالتأثير في الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر الأخيرة لهذا العام، منها ارتفاع أسعار الفائدة، واستئناف مدفوعات القروض الطلابية الفيدرالية، وإضراب عمال قطاع صناعة السيارات، الذي يُتوقع استمراره طويلاً.

تبعات عدم سداد الديون

يعدّ أبرز تبعات تخلّف واشنطن عن سداد الديون هو العجز عن دفع الرواتب في مختلف الوكالات الفيدرالية، إذ "تتوقع وكالة موديز" أنّه في حالة المواجهة المطولة، ستنخفض أسعار الأسهم بمقدار 20% تقريباً، وسوف ينكمش الاقتصاد بأكثر من 4%، ما يؤدي إلى فقدان ملايين الوظائف.

وأضافت الوكالة أنّ التضخم يظل مفتاح توقعاتها، مرجحةً أن يقترب من النطاق المستهدف للاحتياطي الفيدرالي في الربع الثالث من عام 2024 تقريباً، وأنّ الهبوط الناعم للاقتصاد الأمريكي هو النتيجة الأكثر ترجيحاً، وذلك بفضل مرونة المستهلكين وأسواق العمل.

ومن التبعات المحتملة أيضاً التأثير في السمعة الاقتصادية للولايات المتحدة، وفقدان النظام المالي الأمريكي والدولار للثقة الدولية.

وقد يترتب عن هذا الوضع أزمة اقتصادية عالمية وإرباك النظام المالي العالمي، والإضرار بسوق السندات والبنوك وارتفاع الفوائد على الاقتراض، إضافة إلى العجز عن تأمين الأموال اللازمة لرواتب الموظفين وخدمات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، ما قد يتسبّب في حالة ركود اقتصادي.

"هبوط ناعم" في 2024

لا يوجد تعريف متفق عليه لمصطلح "الهبوط الناعم"، لكن وفقاً لآلان بليندر، الاقتصادي في جامعة برينستون، والنائب السابق للاحتياطي الفيدرالي، فإنّه في حال انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقل عن 1%، أو لم يعلن المكتب الوطني للبحوث عن الركود بعد عام على الأقل من دورة رفع أسعار الفائدة من البنك الفيدرالي، فإنّ ذلك يعتبر هبوطاً ناعماً.

ومن خلال دراسة إحدى عشرة فترة من زيادات أسعار الفائدة الفيدرالية بين عامَي 1965 و2019، أحصى بليندر خمس فترات "هبوطاً ناعماً" للاقتصاد الأمريكي مع اختلاف درجاته، وهي بين فترات (سبتمبر/أيلول 1965-نوفمبر/تشرين الثاني 1966) و(يوليو/تموز 1967-أغسطس/آب 1969) و(فبراير/شباط 1983-أغسطس/آب 1984) و(ديسمبر/كانون الأول 1993-أبريل/نيسان 1995) و(يناير/كانون الثاني 1999-يوليو/تموز 2000).

ويسعى الفيدرالي الأمريكي، وفقاً لوكالة رويترز، إلى تحقيق "هبوط ناعم" عبر ارتفاع أبطأ للأسعار مع استمرار النمو الاقتصادي، وهو أمر محتمل على نحو متزايد، إذ قد تصل الولايات المتحدة إلى نقطة ملائمة مع اقتراب موعد الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2024 في العام المقبل.

ويرى اقتصاديون أنّ الركود المعتدِل المصحوب بزيادة طفيفة في معدل البطالة يُعتبر ركوداً ناعماً، وهو ما وصفه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ذات يوم بأنّه "هبوط ناعم".

ويرى بيرنابي مارتن، مدير قسم الاقتصاد في بنك قطر الوطني، أنّ المؤشرات المستندة للسوق تشير إلى عبْء على النمو الاقتصادي الأمريكي، نتيجة ضيق الأسواق المالية واحتمال حدوث انكماش اقتصادي، متوقعاً بأن يشهد الاقتصاد الأمريكي هبوطاً ناعماً تبعاً لتحليل قطاعات الإنتاج الرئيسية استهلاك الأُسر كذلك.

وارتكز التحليل على تفسير مؤشرَين حول الاقتصاد الأمريكي، أوّلهما مؤشر فارق عائد سندات الخزانة الأمريكية، الذي أُنشِئ للتعبير عن الفرق بين أسعار الفائدة طويلة الأجل وقصيرة الأجل لسندات الخزانة.

ورجّح -من خلال هذا المؤشر- إمكانية حدوث تراجع اقتصادي خلال الـ12 شهراً المقبلة بدرجة كبيرة، موضحاً أنّه أظهر تاريخياً علاقة ثابتة مع النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، إذ إنّ انخفاض قِيَم الفارق يشير إلى ضعف الاقتصاد.

وبيّن أنّ السياسات النقدية المتشدّدة تؤدي إلى رفع الفائدة قصيرة الأجل، التي ستؤدي إلى بطء النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تقليل الطلب على الائتمان.

مؤشر فارق عائد سندات الخزانة الأمريكية (المصدر: بنك الاحتياطي الفيدرالي، قسم الاقتصاد في بنك قطر الوطني). (TRT Arabi)

أما ثاني المؤشرات، فهو مؤشر الأوضاع المالية الذي أُنشِئ من الفيدرالي الأمريكي، ويضم المتغيّرات المالية، من قبيل عائدات سندات الشركات، ومؤشر دوا جونز لسوق الأسهم، وأسعار الفائدة على سندات الخزانة والأموال الفيدرالية والقروض العقارية لأجل 30 عاماً، ومؤشر سعر الصرف الاسمي للدولار، وقدّر بأن تؤثر تلك الظروف في نمو الناتج المحليّ الإجمالي بنحو 0.60 نقطة مئوية خلال العام المقبل.

مؤشر تأثير الأوضاع المالية على نمو الناتج المحليّ الإجمالي (المصدر: مجلس بنك الاحتياطي الفيدرالي، قسم الاقتصاد في بنك قطر الوطني). (TRT Arabi)
TRT عربي