ما موقع القوى المدنية السودانية من الحرب الدائرة؟ / صورة: AP (Marwan Ali/AP)
تابعنا

بعد عدة أيام من الاقتتال، لا تزال القوى المتحاربة في السودان، من جيش سوداني وقوات الدعم السريع، يتصارعون للسيطرة على عدة مواقع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى. بل وزادت حدة الاشتباكات واستخدام الطيران الحربي، ما يؤشر على أن الحرب لا تزال مستمرة، مع رفض الأطراف أياً من دعوات وقف إطلاق النار.

وتركزت الاشتباكات في اليوم الرابع على المواقع الاستراتيجية العسكرية والسيادية والحيوية في الخرطوم (وسط) ومدينة مروي. وقال شهود عيان إن أصوات الاشتباكات وأعمدة الدخان تتواصل بمنطقة وسط الخرطوم التي تضم مقر القيادة العامة للجيش ووزارة الدفاع والمطار الدولي والقصر الرئاسي.

وفي ذات السياق، قال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية إن ما سماها "قوات المرحلة الأولى" نجحت في امتصاص الصدمة وتأمين الموقف، لافتاً إلى أن الظروف باتت "مهيأة للانتقال إلى المرحلة التالية بقوات جديدة". وأضاف: "تكاملت لدينا كل المعلومات المطلوبة واللازمة للانطلاق لتطوير الموقف".

ووفق مراقبين، يسعى طرفا النزاع للسيطرة على هذه المواقع الاستراتيجية لضمان الحسم السريع للمعارك التي بدأ أمدها يطول منذ اندلاعها السبت الماضي. ويزيد من صعوبة حسم المعركة على المواقع الاستراتيجية في الخرطوم، أن قوات من "الدعم السريع" بأسلحتها وعتادها كانت مكلفة تأمين هذه المواقع قبل اندلاع الخلافات مع الجيش.

من ناحية أخرى، تستمر حصيلة الضحايا المدنيين في الارتفاع، إذ بلغت 180 قتيلاً وأزيد من 1800 جريح، حسب آخر تقديرات قدمها المبعوث الأممي للسودان فولكر بيرتس ليلة الاثنين. كما حذّرت نقابة الأطباء السودانية من انهيار النظام الصحي بالكامل جراء القتال، مشيرة إلى "تدهور غير مسبوق" في الخدمات الصحية.

وضعت كل هذه التطورات الجارية القوى المدنية السودانية في مأزق حجم دوراها، وهرب زمام المباردة من بين أيديها مع الانتقال من المسار السياسي إلى الصدام المسلح. وهو ما يطرح السؤال عن موقع هذه القوى داخل النزاع الدائر، وأي دور منوط بها لإحلال السلام بسودان اليوم.

إدانات ودعوات للهدنة

منذ اندلاع الاقتتال، صبيحة السبت، خرج عدد من مكونات القوى المدنية السودانية لإدانته. ودعت القوى المدنية في السودان، الموقعة على الاتفاق الإطاري، في بيان، قيادة القوات المسلحة السودانية والدعم السريع، لوقف ما وصفته بـ"العدائيات فوراً، وتجنيب البلاد شر الانزلاق إلى هاوية الانهيار الشامل".

وأضافت هذه القوى محذرة، بأن "هذه اللحظة مفصلية في تاريخ بلادنا، وتتطلب الحكمة والتعقل، ووضع الوطن أولاً وأخيراً، فهذه حرب لن ينتصر فيها أحد، وسنخسر فيها بلادنا إلى الأبد".

ومن جانبها، دعت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، في بيان لمكتبها التنفيذي يوم الاثنين، قيادتَي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى "تحكيم صوت الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فوراً والعودة إلى طاولات التفاوض"، لافتةً إلى أن "القضايا العالقة لا يمكن حلها حرباً، والخيار الأفضل للبلاد هو معالجتها سلماً عبر الحلول السياسية".

هذا ونقلاً عن مراسل TRT عربي في السودان، طارق التيجاني، أطلقت عدد من القوى سياسية السودانية مبادرات تهدئة، لكنها لم تنجح في نزع فتيل الأزمة. كما كشف المراسل أن من أبرز هذه المبادرات تلك التي أطلقها حزب الأمة القومي السوداني، إذ أجرى رئيسه فضل الله برمة ناصر، اتصالات مع الأطراف المتصارعة، ودعا مجلس الأمن والمجتمع الدولي للتدخل السريع لوقف الحرب في السودان.

وقبلها يوم الأحد، قال القيادي بقوى الحرية والتغيير نور الدين بابكر فيرى، في تصريحات صحفية: "قوى الحرية والتغيير تعمل حالياً مع قوى الاتفاق الإطاري في مبادرة تتواصل بشأنها مع طرفي الصراع والأطراف الدولية والإقليمية، للتدخل من أجل الضغط لوقف إطلاق النار والمضي قدماً في عملية سياسية تنزع فتيل الأزمة وتعيد الحوار". غير أن نتائج هذه المبادرة لا تزال حتى الآن منعدمة.

ما موقع القوى المدنية السودانية من الحرب الدائرة؟

قبل اندلاع الاقتتال الجاري، كانت القوى المدنية السودانية الموقعة على الاتفاق الإطاري، وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، تستعد لتوقيع اتفاق نهائي يحسم انتقال السلطة من يد الجيش إلى المدنيين. لكن هذا الاتفاق كان لا يزال يواجه بعض العراقيل، على رأسها ما يتعلق بشق الإصلاح العسكري والأمني.

هذه العراقيل التي ستقود بشكل متسارع الأوضاع إلى الانفجار، وهو ما كان قد حذر منه حزب الأمة القومي، أياماً معدودة قبيل الحرب، إذ دعا إلى اجتماع عاجل للقوى العسكرية والمدنية، معللاً ذلك بأن "الوضع الأمني قريب من الانزلاق ولا يتحمل الإجراءات الروتينية العادية.. وبيانات القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والاحتقان والتحشيد ولغة المخاشنة والتحركات العسكرية وصلت مرحلة ما قبل إطلاق الطلقة الأولى".

وفي تصريحات له يوم الأحد، قال عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني فؤاد عثمان: "كدنا أن نصل إلى حلول بخصوص هذه المسائل (العالقة)، واقترحنا تأجيلها إلى ما بعد تشكيل حكومة مدنية، لكن انطلاق الرصاص، وهو أمر مؤسف، حال بين توقيع الاتفاق النهائي، وهو ما يحتم علينا أن نعمل بكل جهد لوقف إطلاق النار فوراً ووقف التصعيد".

ومن جانبه، يرى الصحافي والمحلل السياسي السوداني عبد الله إسحق، أن اندلاع المواجهات قزم من دور القوى المدنية بشكل كبير. وأضاف المحلل في حديثه لـTRT عربي أن "الهيئات المدنية سلمية وليت في يدها أي أسلحة، بينما الصراع الدائر هو صراع عسكري، وبالتالي لا تستطيع التحرك وأصبحت اليوم كأنها في جزر معزولة، وجل قياداتها مقيمة في بيوتها ولا تستطيع الخروج".

فيما هذا الوضع يجعل من هذه القوى عاجزة حتى على الضغط لوقف إطلاق النار، وهو ما تؤكده الصحفية السودانية إيمان كمال، في تصريحها لـTRT عربي، بأن مبادرات تلك القوى "لا ترقى إلى أن تمثل وساطة". وأضافت الصحفية: "في تقديري لن تكون لجهود الوساطة أي نجاعة في فكّ الأزمة، بخاصة بعد التصعيد العسكري وإعلان قائد القوات المسلحة حلّ قوات الدعم السريع واعتبارها حركة متمردة".

وفي ذات السياق، اعتبر المحلل السياسي السوداني ماهر أبو الجوخ، أن "دور الجهات المدنية يقتصر على المناداة بوقف الحرب ومساعي الوصول إلى هدنة، لكنها فعلياً لا تمتلك أي أدوات ضغط فعلية على الأرض لإجبار أي من الطرفين على التزام وقف إطلاق النار أو الوصول إلى هدنة".

وأوضح المحلل خلال تصريحه لـTRT عربي أن "كارْت الضغط الأقوى لدي الهيئات المدنية هو الحركة الجماهيرية، وفي ظل الموجهات العسكرية فإن المطالبة بتنظيم أي فاعليات جماهيرية في حال حدوثها يعني تعريض حياة المشاركين للخطر".

مع هذا، يرى أيو الجوخ أنه "رغم انحسار دور القوى المدنية في كبح جماح الصراع المسلح عند اندلاعه، سيكون لديها تأثيرات أساسية في مسألة تضميد الآثار الناتجة عنه. وأعتقد أن بيان الجيش الصادر فجر 17 أبريل/نيسان، ولغته المتسامحة والبعيدة عن العدائية تجاه المنسوبين إلى الدعم السريع، هو فعلياً نتاج ارتفاع الأصوات الداعية لوقف الحرب والتي كبحت جماح الأصوات المتطرفة المحرضة على الحرب".

وهو ما يوافقه في أيضاً المحلل عبد الله إسحق، إذ يعتبر أن عودة القوى المدنية إلى الساحة السياسية منوطة بوقف إطلاق النار، حيث "سيجري الجلوس إلى الطاولة لاستخلاص دروس المرحلة والاستمرار في مسار التفاوض وتسليم السلطة للمدنيين".

TRT عربي