تابعنا
دخلت أمريكا في الخط بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير بالسودان، من أجل إنهاء الخلاف المتصاعد بينهما، فهل تنجح في ذلك، في ظلّ الموقف الصارم للكونغرس الأمريكي ضد أعضاء المجلس العسكري؟

الخرطوم ـــ عقب أيام قليلة من إعادة تعيينه مبعوثاً للإدارة الأمريكية إلى السودان، وصل دونالد بوث، إلى الخرطوم، وسريعاً انخرط في مفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، لإنهاء الخلاف المتصاعد بينهما.

مهمة بوث الذي سبق أن عمل مبعوثاً أمريكياً إلى السودان، بين عامي 2013 و2017، لن تكون سهلة وميسورة، وفقاً لمراقبين، إذ تصاعد الخلاف بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغير، بصورة غير مسبوقة.

ويشير الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية عبد المنعم الفضل، إلا أن بوث جاء في ظروف بالغة الاحتقان، إذ شرع المجلس العسكري في التحضير لإعلان حكومة تصريف أعمال، تعقبها انتخابات خلال عام، بينما أعلنت قوى الاحتجاج عن مظاهرة ضخمة في 30 يونيو/حزيران، لإجبار المجلس على نقل السلطة للمدنيين.

ظروف بالغة التعقيد

ولفت الفضل في حديثه مع TRT عربي إلى أن المجلس العسكري تلقى أكثر من عشرين مبادرة، بعضها صُممت لتكون في صالح المجلس، مثل مبادرة الاتحاد الأفريقي التي تقف وراءها الحكومة المصرية، وهذا كله يصعِّب مهمة المبعوث الأمريكي.

وبدوره، أشار المحلل السياسي فيصل محمد صالح، إلى أن فرصة تأثير زيارة المبعوث الأمريكي في حل الأزمة السودانية تبدو كبيرة، على اعتبار أن أمريكا تملك أدوات فعالة للضغط على المجلس العسكري، بجانب أنها تبدو مهتمة بدرجة كبيرة بالشأن السوداني، ما جعلها تعيد دونالد بوث إلى مهمته القديمة، بعدما أهملت أمريكا الملف السوداني طوال عهد الرئيس دونالد ترمب.

وقال صالح لـTRT عربي، إن المبعوث الأمريكي لم يطرح مبادرة جديدة، وأكد دعمه للمبادرة الأفريقية الإثيوبية، وطلب من الأطراف أن تعمل على التهدئة، بما يقود للوصول إلى اتفاق قبل حلول 30 يونيو/حزيران، الموعد المحدد من الاتحاد الأفريقي لفرض عقوبات على قادة المجلس العسكري حال لم ينقلوا السلطة للمدنيين.

وفي توقيت متزامن مع زيارة بوث إلى الخرطوم، خاطبت نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق أفريقيا والسودان، ماكيلا جيمس، مجلس النواب حول الشأن السوداني، وتحدثت بعبارات حادة تجاه المجلس العسكري، وانتقدت فض اعتصام القيادة العامة بالقوة، وطالبت بنقل السلطة للمدنيين فوراً.

وهددت جيمس –للمرة الأولى– بفرض عقوبات على السودان حال تكرر العنف ضد المحتجين.

أهمية الدور الإقليمي

يبدو أن دونالد بوث الذي جاء لتنشيط المبادرة الأفريقية، فطن إلى أهمية الدول الإقليمي في الشأن السوداني، إذ ختم الرجل زيارته إلى الخرطوم سريعاً بعد مباحثاته مع الأطراف المتصارعة، ومن هناك طار إلى القاهرة، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، لبحث سبل معالجة الأزمة السودانية.

واعتبر الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عبد المنعم الفضل، زيارة بوث إلى القاهرة، دليلاً على قناعة أمريكا بالتأثير المصري والسعودي والإماراتي على الأوضاع في السودان، بخاصة في ظل ما يُشاع عن تصنيف هذا المحور كحاضنة إقليمية للمجلس العسكري الانتقالي.

وغير بعيد عن هذا الرأي، فإن المحلل السياسي فيصل محمد صالح، يرى أن المبعوث الأمريكي انتهج مسالك فعالة يمكن أن تؤثر سريعاً في المشهد السوداني الملتهب، منوهاً بأن أمريكا اهتمت بالملف السوداني على الرغم من انشغالاتها البائنة بأزمتها مع إيران، واختارت أن تتصل بصورة مباشرة مع مصر والسعودية، حول الشأن السوداني.

ولفت صالح إلى أن الاجتماع الذي عُقد في برلين يوم الجمعة الماضي، لمناقشة الشأن السوداني، بمشاركة أمريكا والاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد ومجموعة الترويكا، كان من ضمن حضوره سفراء مصر، الإمارات والسعودية، وهذا كله يدلل على قناعة المجتمع الدولي والإقليمي بتأثير تلك الدول على الأوضاع في السودان.

وكانت نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شرق أفريقيا والسودان، ماكيلا جيمس، أكدت في حديثها أمام مجلس النواب، أن السعودية والإمارات أبلغتا مسؤولين أميركيين برغبتهما في أن تتولى السلطة في السودان حكومة مدنية، لأن غير ذلك سيسفر عن عدم استقرار واسع في المنطقة.

وكان نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل، أجرى اتصالاً هاتفياً مع نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، عقب ساعات من فض اعتصام القيادة العامة بالقوة، في 3 يونيو/حزيران الجاري.

وأكدت الخارجية الأمريكية –يومها- أن المكالمة تناولت "حملة القمع الوحشية ضد المتظاهرين السلميين من قبل المجلس العسكري الانتقالي".

حلول مقترحة

الثابت، أن المباحثات التي أجراها المبعوث الأمريكي للسودان دونالد بوث، مع المجلس العسكري ثم مع قوى الحرية والتغيير، جاءت وسط سياج من السرية، إذ تم منع التغطية الإعلامية، كما لم يصدر أي بيان رسمي حولها.

وقال مصدر مطلع داخل قوى الحرية والتغيير، لـTRT عربي، إن دونالد بوث طلب منهم عدم التصعيد ضد المجلس العسكري، وأكد أنه سيعمل على الوصول إلى اتفاق حول السلطة المدنية قبل 30 يونيو/حزيران، بالضغط على المجلس العسكري وحلفائه الإقليميين.

ونقلت عدد من الصحف السودانية، عن عضو المجلس العسكري الانتقالي الفريق ياسر العطا، قوله إن المبعوث الأمريكي طلب من المجلس عدم إجراء الانتخابات خلال عام أو إعلان حكومة بقرار أحادي.

ولفت العطا إلى أن المجلس العسكري أبلغ المبعوث الأمريكي موافقته على مناصفة مقاعد المجلس السيادي مع قوى الحرية والتغيير، وقال إن المجلس نقل إلى بوث تخوفاته من هيمنة قوى الحرية على المجلس التشريعي، بسبب حصولها على نسبة 67% من مقاعده، بموجب الاتفاق الذي حصل بينها والمجلس العسكري في وقت سابق.

هنا يقول الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عبد المنعم الفضل، إن المبعوث الأمريكي للسودان سيتجه مباشرة للضغط على قوى الحرية والتغيير للتنازل عن جزء من نسبتها داخل المجلس التشريعي، لضمان نقل السلطة إلى المدنيين، بعدما حصل بوث على تنازل مبدئي من المجلس العسكري.

وبدوره، أكد وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير عمر دهب، أن المبعوث الأمريكي أبلغهم أن الإدارة الأمريكية تخلت عن سياسة الجزرة والعصا التي كانت تتبعها مع السودان، وأنها ستنتهج سبيل الانخراط الإيجابي مع الحكومة السودانية في الفترة المقبلة.

وكان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان حميدتي، طالب قوى الحرية والتغيير بالتخلي عن نصف مقاعد المجلس التشريعي، حال طالبت بنصف مقاعد المجلس السيادي.

محللون يقولون إن المبعوث الأمريكي انتهج مسالك فعالة يمكن أن تؤثر سريعاً في المشهد السوداني الملتهب (Reuters)
أعلنت قوى الاحتجاج عن مظاهرة ضخمة في 30 يونيو/حزيران، لإجبار المجلس على نقل السلطة للمدنيين (Reuters)
TRT عربي