تابعنا
أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر مؤخراً إلغاء الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة بـ"مفعول فوري"، وهو ما يطرح أسئلة حول تداعيات القرار، خصوصاً أنه يأتي في ظل الرفض الشعبي للوجود الغربي في الساحل، مقابل تغلغل خصوم واشنطن في المنطقة.

أعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر، في بيان بثه التليفزيون الرسمي يوم السبت 16 مارس/آذار الجاري، قطع العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة بـ"مفعول فوري"، وإلغاء الاتفاق العسكري الذي يجمع البلدين.

يأتي القرار بعد أشهُر قليلة من إنهاء الوجود العسكري الفرنسي في البلد الإفريقي، عقب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس النيجري السابق محمد بازوم في يوليو/تموز الماضي.

وقد يفرض قرار المجلس العسكري الأخير سحب الجنود الأمريكيين من النيجر، بعد أن نُشروا بموجب الاتفاق العسكري الذي وُقِّع بين البلدين عام 2012، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة حول التداعيات الاستراتيجية والسياسية لإلغاء الاتفاق، إذ يأتي في ظل الرفض الشعبي للوجود الغربي في الساحل الإفريقي، مقابل تغلغل خصوم الولايات المتحدة في المنطقة.

إلغاء الاتفاق العسكري

وقال المتحدث باسم الحكومة النيجرية أمادو عبد الرحمن: "حكومة النيجر، آخذةً طموحات الشعب ومصالحه في الاعتبار، تقرر بكل مسؤولية أن تُلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر".

وعدَّ عبد الرحمن الاتفاق العسكري "غير قانوني"، و"ينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية"، إضافة إلى أنه "مُجحف" و"فرضته أحادياً" الولايات المتحدة عبر "مذكرة شفوية بسيطة".

تأتي الخطوة بُعيد ثلاثة أيام من زيارة وفد أمريكي برئاسة مساعدة وزير الخارجية للشؤون الإفريقية، مولي في، نيامي، وفشلت هذه الزيارة بعد تجاهل القيادات النيجرية المبعوث الأمريكي ورفض قائد المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تشياني، لقاءها.

وأعرب بيان المجلس العسكري عن امتعاضه من زيارة الوفد الأمريكي للبلاد، كونها "لم تحترم الأعراف الدبلوماسية"، وأنها أتت بقرار أحادي من واشنطن دون إبلاغ مسبق لنيامي بتفاصيل الزيارة وتشكيلة الوفد. كما أدان البيان "الموقف المُتعالي" لرئيسة الوفد مولي في، وهو "موقف من شأنه أن يُقوض طبيعة" العلاقات بين البلدين.

ورداً على هذه التطورات، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، عبر منشور على منصة إكس، إن بلاده أخذت عِلماً ببيان المجلس العسكري في نيامي، مرجعاً أسباب القرار إلى "مناقشات صريحة (أجرتها بلاده) بشأن مخاوفنا" حيال "مسار" المجلس العسكري.

جذور التوتر

على الرغم من رفض واشنطن الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر، الصيف الماضي، فإنها فعلت ذلك بشكل أخفّ مقارنةً بحليفتها فرنسا، وبعكسها حافظت على مرونة في التعامل مع المجلس العسكري، واستمرت في البحث على قنوات حوار معه.

ومنذ الأيام الأولى لاستيلاء الجيش في النيجر على السلطة، تجنبت بيانات الخارجية الأمريكية استخدام مصطلح "انقلاب عسكري" للإشارة إليه، وفي خطاب ألقاه الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 3 أغسطس/آب 2023 بمناسبة الذكرى الـ63 لاستقلال النيجر، تحدث عن "التحدي الخطير" الذي تواجهه الديمقراطية النيجرية، من دون أن يستخدم كلمة انقلاب عسكري، كما شدد على المطالبة بإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم.

وذكر تقرير لصحيفة بوليتيكو الأمريكية وقتها، أن الحذر الدبلوماسي الأمريكي بشأن توصيف انقلاب النيجر، ينطلق من خوف واشنطن على مصالحها في البلد الإفريقي، لأن وصف الأحداث بـ"الانقلاب" هو قرار قانوني، وليس مجرد مسألة استخدام كلمة واحدة، قد يجبر الإدارة الأمريكية على وقف جميع شراكاتها العسكرية والاقتصادية مع النيجر.

في السياق نفسه، عملت الدبلوماسية الأمريكية على إقناع عدد من حلفائها الأوروبيين بالنأي بأنفسهم عن الموقف الفرنسي العدائي للحكم الجديد في نيامي، حفاظاً على مصالحها في البلد الإفريقي.

لكن سرعان ما تغير هذا الموقف، بعد توارد الأنباء عن صفقة أُجريت بين النيجر وإيران بخصوص توريد اليورانيوم، وهو ما كان موضوع زيارة الوفد الأمريكي لنيامي الأسبوع الماضي، إذ كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن أن مولي في وجّهت انتقادات إلى المسؤولين النيجريين بخصوص الاتفاق مع إيران.

ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي غربي قوله: "أبلغ الأمريكيون شركاءهم النيجريين بخطين أحمرين: التعاون العسكري مع الروس، وبيع اليورانيوم لإيران".

وهو ما يبرز كذلك في رد البنتاغون على قرار إلغاء الاتفاق العسكري، إذ أشار إلى رفض واشنطن مسار تطور العلاقات بين النيجر وروسيا وإيران، وقالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ: "كان الوفد الأمريكي هناك لإثارة عدد من المخاوف (...) كنا قلقين بشأن المسار الذي كانت تتجه إليه النيجر، لذلك كانت هذه محادثات مباشرة وصريحة، شخصياً، للحديث عن مخاوفنا والاستماع إلى مخاوفهم".

من جانبها، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير، إن الولايات المتحدة "تراقب عن كثب الأنشطة الدفاعية الروسية" هناك من أجل "تقييم وتخفيف المخاطر المحتملة على الأفراد والمصالح والأصول الأمريكية".

في المقابل، كذّب المجلس العسكري النيجري في بيانه يوم 16 مارس/آذار الجاري، الأنباء حول الصفقة المذكورة مع إيران، نافياً إقدام بلاده على بيعها اليورانيوم.

ما انعكاسات القرار النيجري؟

ويرى مراقبون أن القرار النيجري إلغاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة كان متوقعاً، بالنظر إلى مسار السلطات الحاكمة في نيامي نحو تعزيز العلاقات مع خصوم واشنطن.

وفي هذا الشأن، يؤكد الصحفي التشادي خالد بن علي أن "قرار السلطات في النيجر بشأن إنهاء التعاون العسكري لم يكن مفاجئاً؛ إذ بادرت الولايات المتحدة الأمريكية بتجميد علاقتها مع النيجر بعد الإنقلاب".

ويضيف ابن علي لـTRT عربي أن "توجُّه النيجر وحليفتيها مالي وبوركينا فاسو أيضاً نحو المعسكر الروسي، يحتم عليها تقويض النفوذ الغربي، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا".

ويعتقد أنه لا شك في أن "قرار النيجر له صلة بتمدد النفوذ الروسي، الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية في جبهات متفرقة عبر حرب وكالات".

ويطرح هذا القرار النيجري تساؤلات عدّة حول تداعياته، ومن أجل الإجابة عنها يستوجب أولاً فهم الدور الأمريكي في منطقة الساحل الإفريقي.

وحول ذلك، يوضح الأكاديمي التشادي إسماعيل محمد طاهر، أن "الدور الأمريكي في المنطقة، إلى حدود الساعة، هو مركّز على جهود مكافحة الإرهاب والحدّ من توسع الجماعات المسلحة مثل تنظيمي داعش والقاعدة (الإرهابيين) وغيرها".

ومنذ توقيع الاتفاق العسكري مع النيجر إلى اليوم، يستضيف البلد الإفريقي أكثر من 1000 جندي أمريكي، يشاركون في التدريبات والعمليات الأمنية الإقليمية وحماية القاعدتين الجويتين اللتين يوجد فيهما عناصر الخدمة الأمريكيون.

وتعد "القاعدة الجوية 201" الأمريكية في الشمال النائي للنيجر، وحيدة من نوعها في منطقة الساحل، إذ تُستخدم لتشغيل الطائرات من دون طيار التي توفر قدرات استخباراتية واستطلاعية ورقابية وهجومية بالغة الأهمية للجيش الأمريكي، ومن دونها ستكون الولايات المتحدة غير قادرة إلى حد كبير على تمييز مجموعة من التهديدات التي تمثلها هذه الجماعات المسلحة في المنطقة.

وسيفرض قرار إلغاء الاتفاق العسكري إخلاء الجنود الأمريكيين من النيجر، وهو ما أكده فاعل مدني مقرب من القيادة العسكرية في النيجر في تصريحات لوكالة أسوشييتد برس، وقال إنه "لا يمكن للقواعد الأمريكية والموظفين المدنيين البقاء على الأراضي النيجرية لفترة أطول".

وأضاف -حسب الوكالة- أن الولايات المتحدة تدرس خياراتها في إفريقيا، بعد أن أمر المجلس العسكري في النيجر بالانسحاب من قاعدة رئيسية لمكافحة الإرهاب.

وفي حديثه مع TRT عربي، يوضح الأكاديمي إسماعيل محمد طاهر، أن "الولايات المتحدة لديها هي الأخرى رهانات استراتيجية، خصوصاً برنامجها الخاص في الساحل، مثلاً فيما يخص الموارد النفطية هناك التي تراهن عليها في سياق مساعيها لتقليل الاعتماد على الواردات البترولية من الشرق الأوسط، وكذلك مساعيها ليكون لها موطئ قدم وحلفاء في المنطقة".

ويرى طاهر أن التوترات الأخيرة قد تضع هذه المصالح الاقتصادية الأمريكية أيضاً على المحكّ، خصوصاً أنها تأتي بعد إعلان النيجر، رفقة كل من مالي وبوركينا فاسو، الخروج من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا والعمل على إنشاء اتحاد اقتصادي خاص بها، وهي الخطوة التي تثبت أنها "ماضية قُدماً في استقلاليتها عن القوى الغربية".

TRT عربي