يحذّر مراقبون من أنّ التصعيد المستمر في الحرب السيبرانية بين طهران وتل أبيب قد يشعل حرباً مدمّرةً بين البلدين (Getty Images)
تابعنا

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصاعداً لاتهامات متبادلة بين إيران وإسرائيل حول هجمات إلكترونية ألقى فيها البلدان باللوم على بعضهما دون إعلان أيّ منهما مسؤوليته عن تلك الهجمات بشكل رسمي.

والاثنين 3 يناير/كانون الثاني 2022، والموافق للذكرى الثانية لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، تعرّضت حساب صحيفة معاريف الإسرائيلية على تويتر والموقع الإلكتروني لصحيفة جيروزاليم بوست التابع لها لعلميات قرصنة يشتبه بضلوع طهران فيها.

ونشر منفّذو الهجمات الإلكترونية صوراً لقنبلة إيرانية تستهدف مفاعل ديمونا الإسرائيلي، وصورة لقاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة قبل عامين، كما ذكرت هيئة البث الإسرائيلي أنّ مواطنين إسرائيليين تلقّوا رسائل نصية تحذيرية من إيران على تطبيق واتساب.

ويحذّر مراقبون إلى أنّه مع التصعيد المستمر الأخير في الحرب السيبرانية بين طهران وتل أبيب، وما تلاه من تبعات وحالة ذعر وصلت إلى المدنيين، فإنّ ذلك قد يشعل حرباً مدمّرةً بين بلدين يثيران الجدل من الحين والآخر حول برامجهما النووية.

وتخشى إسرائيل من إمكانية استخدام إيران برنامجها النووي لتطوير أسلحة لاستهداف الدولة العبرية، فيما تصدر تلميحات عن البلدين على نحو متكرّر بشأن احتمال تنفيذهما ضربات ضد بعضهما البعض.

تعطيل خدمات وضرب بُنى تحتية

تطوّرت أساليب الحرب الإلكترونية بين إسرائيل وإيران لتصل إلى هجمات تستهدف محطات الوقود، ومنشآت البُنى التحتية المختلفة مثل المياه والكهرباء وشبكات الاتصالات، إضافة إلى الأماكن الحيوية الأخرى مثل الموانئ، لتستهدف البلدان بعضهما عبر خلق حالة شلل وظيفي بمؤسسات ومنشآت حيوية تتسبب بخسائر مالية فادحة.

ففي 7 مايو/أيّار 2020، تعرّضت سلسلة منشآت مياه إسرائيلية لهجوم إلكتروني، دون معرفة ما إن جرى الاستيلاء على أنظمة التشغيل فيها حينها، أو أن عمليات الضخ تعطلت وحسب. فيما أفادت شبكة فوكس نيوز الأمريكية، وقتئذ بأنّ "إيران استخدمت خوادم أمريكية لشنّ هجوم إلكتروني على مرافق المياه والصرف الصحي في إسرائيل".

وسرعان ما جاء رد تل أبيب، إذ تعرّض ميناء "الشهيد رجائي" في بندر عباس بإيران، إلى هجوم إلكتروني نُفِّذ في 9 مايو/أيّار من العام ذاته، وألحق أضراراً كبيرة في عمل الميناء المذكور حسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية نُشِر عقب نحو أسبوع من الهجوم.

ونقلت الصحيفة عن مصادر في الإدارة الأمريكية ودول أخرى، قولها إنّ الهجوم الإلكتروني تسبب بتشويشات خطيرة على الحركة في منطقة الميناء الإيراني، حيث انهارت أنظمة الحاسوب التي تُنظّم حركة السفن والشاحنات ونقل البضائع.

وحسب عاموس يادلين، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، فإنّ الهجوم السيبراني على الميناء الإيراني "يبدو أنّه الرد الإسرائيلي على الهجوم السيبراني الإيراني في وقت سابق على البنية التحتية للمياه والصرف الصحي الإسرائيلية"، مفيداً بأنّه "يجرى الآن دمج السايبر في الأبعاد البرية والبحرية والجوية للقتال كمجال رئيسي في الحرب".

نقلة نوعية بالحروب الإلكترونية

يرى جيل برعام وكيفين ليم خبراء الدراسات الأمنية بمنطقة الشرق الأوسط أنّ التصعيد السيبراني العلني غير المعتاد بين إيران وإسرائيل ينقل الصراع بينهما إلى مرحلة جديدة أكثر علنيةً، كما إنّه ذلك الصراع ينقل الحرب الإلكترونية إلى مرحلة جديدة، ويضع قواعد مختلفة للاشتباك والردع الإلكترونيين.

ويضيف الخبيران في مقالٍ منشور بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أنّ كلا الخصمين استهدفا بهجمات إلكترونية البُنى التحتية المدنية على نحو متعمّد، مشدّدان على أنّه "حتى لو أنكرا ذلك علناً، فإنّ إسرائيل اختارت على ما يبدو تسريب تفاصيل حول هجماتها".

وفي السياق ذاته، ذكر الصحفي الإسرائيلي رونين بيرغمان والصحفية الإيرانية فرناز فصیحی، أنّ الهجمات الإلكترونية المتبادلة بين البلدين نجحت إلى حد كبير في خلق حالة ذعر بين المدنيين الذين شعروا بالاستهداف المباشر الذي وصل إلى حد انتهاك خصوصية المستخدمين المدنيين في بعض الهجمات السيبرانية.

ولفت بيرغمان وفصيحي في مقالهما بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إلى "انخراط إسرائيل وإيران في حرب إلكترونية سرية براً، وبحراً، وجواً خلال السنوات الماضية، غير أنّ ذلك يكون متعلّق بأهداف عسكرية. أمّا الآن، اتسعت الحرب الإلكترونية لتستهدف المدنيين على نطاق واسع".

وتطرّق مقال الصحيفة الأمريكية إلى هجوم إلكتروني على 4 آلاف و300 محطة وقود إيرانية في أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي اتُّهِمت تل أبيب بالضلوع فيه، وتسبّب بخسائر فادحة وتعطّل عمليات تزوّد المدنيين بالوقود في إيران طيلة 12 يوماً حتى تم استعادة الخدمة بالكامل.

وعلى النحو ذاته، أعقب ذلك أيام هجمات إلكترونية في إسرائيل ضد منشأة طبية كبرى وموقع مواعدة شهير لمثليّي الجنس والمتحوّلين جنسياً، أشار مسؤولون في تل أبيب بأصبع الاتهام في كل تلك الهجمات إلى طهران.

وخلُص الصحفيان إلى أنّه رُغم عدم وفاة أحد في تلك الهجمات، غير أنّها نجحت في خلق الفوضى والغضب والاضطراب العاطفي على نطاق واسع، ما يشكّل نقلة نوعية في ساحة الحروب الإلكترونية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً