سمية الكومي
اختُتمت آخر جلسات منتدى قناة TRT World الإنجليزية، التابعة لشبكة الإذاعة والتليفزيون التركية، في نسخته السابعة، في يومها الثاني السبت 10 ديسمبر/ كانون الأول، بالوقوف دقيقة صمتاً وحداداً على أرواح المدنيين الذين راحوا ضحايا الهجمات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
كما عرض المنظمون في الجلسة الافتتاحية في اليوم الأول للمنتدى مقطع فيديو يسلط الضوء على معاناة الأطفال الفلسطينيين وحجم الدمار الذي نتج عن الحرب الدائرة.
وعلى مدار يومين أفرد المنتدى حيزاً كبيراً لغزة مسلطاً الضوء على القضية من عدة زوايا، في جلساته التي بلغ عددها 17 بين مفتوحة ومغلقة، بحضور 153 من المفكرين والأكاديميين والصحفيين والسياسيين المعروفين عالميّاً من مختلف الدول، كما تناول المنتدى ازدواجية المجتمع الدولي في أزمة غزة.
وفي هذا الصدد قالت وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية ماهينور أوزدمير غوكطاش، في الجلسة التي حملت عنوان: "تمكين الإنسانية: معالجة الأزمات الاجتماعية وعدم المساواة"، إن السلطات العالمية التي وحدت جهودها لتطوير حلول للأزمات الاجتماعية وآليات ومؤسسات للأمن والتنمية، التزمت الصمت أمام الوحشية الإسرائيلية، مشيرة إلى ما يشهده قطاع غزة من ظروف إنسانية مأساوية.
وأكدت الوزيرة أن الوقت حان للحديث عن نظام دولي أكثر إنسانية وعدلاً ويحمي الجميع، قائلة: "من الواضح أن النظام العالمي والمؤسسات الدولية التي تدّعي الحفاظ على السلام والعدالة في العالم، لم تعد شاملة ولا تخفف المعاناة ولا تحمي الإنسانية".
وكان الرئيس التركي أردوغان قال في خطابه بالجلسة الافتتاحية للمنتدى، إن الحكومات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية تلحق الضرر الأكبر بنفسها من خلال تجاهل صرخات الشعب الفلسطيني، وخصوصاً المضطهدين في غزة"، لافتاً إلى أن "بعض الدول الغربية تتصرف بإحساس بالحرج، رغم أنها تعرف جيداً الجرائم التي ترتكبها إسرائيل".
وأضاف أردوغان: "أنا على يقين من أن العجز الذي أظهره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قضية غزة، وهو أهم آلية تعاون وأمن عالمية، آلمت قلوبكم كما آلمت قلوبنا"، مؤكداً ضرورة أن "يتحرك المجتمع الدولي بشكل موحد لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في قطاع غزة".
ومن هذا المنطلق، أجرت TRT عربي مقابلات مع بعض من المتحدثين والضيوف من السياسيين والباحثين في المنتدى، حول رأيهم في الموقف العالمي تجاه أزمة غزة.
"حصانة كاملة لإسرائيل"
يرى حسام زملط رئيس البعثة الفلسطينية في المملكة المتحدة أن الحكومة الأمريكية وبعض الحكومات الغربية الأخرى توفر حصانة كاملة لإسرائيل، وفي هذا الصدد يوضح السفير لـTRT عربي: "رغم أن إسرائيل قتلت عدداً كبيراً من الصحفيين وموظفي الأمم المتحدة خلال هذه الفترة الوجيزة، وعدداً من الأطفال الفلسطينيين خلال تلك الأسابيع أكثر من مجموع الأطفال الذين قُتلوا منذ العام 2019 في الصراعات المختلفة حول العالم، فإنها تشعر أنها فوق القانون بسبب تلك الحصانة".
ويضيف زملط، أن الغرب بشكل عام يدعم الاحتلال ليس فقط لفظياً بل سياسياً وقانونياً، لافتاً إلى استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو ضد وقف إطلاق النار وضد أخذ إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بالإضافة إلى دعمها مادياً وعسكرياً.
وأشار إلى تباين الموقف الأمريكي بين أوكرانيا وغزة، قائلاً: "شاهدنا الممر الجوي الذي فتحته الولايات المتحدة لتوفير كل أنواع الأسلحة لدولة الاحتلال، فيما وفرت هذه المنظومة الغربية لأوكرانيا والأوكرانيين هذه الأدوات نفسها، لكن في حالتنا توفر هذا الدعم للمحتل لا للواقع تحت الاحتلال".
من ناحية أخرى أثنى السفير على دور وموقف شعوب العالم مما يحدث في غزة قائلاً: "للأسف في الواقع الفلسطيني الحكومات متأخرة، لكن الشعوب هي وسيلتنا الأساسية لدفع هذه الحكومات باتجاه موقف أقرب إلى العدل والقانون والمنطق".
وفي سياق متصل يرى الكاتب الإسرائيلي المعارض، والصحفي في جريدة هآرتس، جدعون ليفي، أن العالم ليس صامتاً في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وآسيا وأجزاء أخرى، ولكن المشكلة هي صمت الحكومات التي لا تفعل شيئاً إلا "رفع صوتها بكلام رنان".
وأكد في حديثه لـTRT عربي ، ضرورة اتخاذ الإجراءات الدولية اللازمة لوقف هذه المذبحة الرهيبة في غزة، التي تحولت إلى حرب بلا حدود، مشدداً على أن ما يحدث "أمر غير وارد وغير مقبول".
ويوافقه في الرأي أليكس سالموند الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء اسكتلندا قبل 9 سنوات، إذ يؤكد أن الوضع في غزة هو إدانة لغياب القيادة العالمية، مشيراً لـTRT عربي إلى أن عامة الناس يؤيدون وقف إطلاق النار والسلام، وقال: "إنها لإدانة كبيرة للمجتمع الدولي أننا لا نستطيع أن نملك طريقة لفرض تلك الإرادة الجماعية لوقف قتل الأطفال في غزة".
ويتابع سالموند متعجباً من موقف الحكومات: "لا أستطيع أن أتخيل لماذا يريد بعض الناس حمل هذا العبء، لو كنت مكانهم لم أكن أود أن يتذكرني الناس سياسياً لم يصوّت لإنقاذ حياة الأبرياء والأطفال، هذا إرث مروع لا يجب أن يملكه أي سياسي".
ازدواجية الموقف بين الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وإسرائيل
يرى القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، جون دوجارد، الذي عايش فترة الفصل العنصري في بلده جنوب إفريقيا، وأدار طوال 10 سنوات مركزاً لمعارضة الأبارتايد، أن إسرائيل مدانة بارتكاب جريمة الفصل العنصري، ويجب أن تُحاكم في الجنائية الدولية عما ترتكبه من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
ويقول لـTRT عربي "كنت سابقاً مقرراً خاصاً للأمم المتحدة لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية لـ8 سنوات، وأتيحت لي فرصة مراقبة الوضع من قرب وكان من الواضح جداً لي منذ البداية أن إسرائيل تمارس شكلاً من أشكال الفصل العنصري" مشيراً إلى أنه "أسوأ وأكثر وحشية مما حدث في جنوب إفريقيا".
ودعا البروفيسور في القانون الدولي المجتمع العالمي لإيلاء هذه القضية مزيداً من الاهتمام قائلاً "أعتقد أنه حان الوقت على الدول الغربية التي عارضت الفصل العنصري بشدة في جنوب إفريقيا أن تتمتع بالصدق لتصنيف إسرائيل دولة فصل عنصري، ومن المهم أن تتبنى الجمعية العامة قراراً ينص بكل صراحة على ذلك".
من ناحية أخرى يرى خالد الجندي، مدير برنامج الشأن الفلسطيني-الإسرائيلي في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن "ازدواجية المعايير في السياسة الأمريكية، شيء ثابت"، مستطرداً أن عدداً من الشعب الأمريكي يستطيع تمييز هذه الازدواجية الواضحة التي تتعلق بإسرائيل.
ويستكمل في حديثه لـTRT عربي "كان الجميع يعارضون ما تفعله روسيا في أوكرانيا من هجمات على المدنيين ومنع الطعام من الدخول واستخدام الجوع سلاحاً، وكل تلك الأشياء التي كانوا يعارضونها بوضوح عندما ارتكبتها إسرائيل صمتت الحكومة، وهنا أدرك الشعب الأمريكي بوضوح ازدواجية المعايير لدى حكومتهم ولم يعجبهم ذلك".
ويلفت الجندي إلى عدد متزايد من الأمريكيين يعارضون هذه السياسة المزدوجة لإدارة بايدن وخصوصاً بين الشباب دون الـ35 ، مشيراً إلى الأعداد الضخمة التي تشارك في المظاهرات الداعمة لغزة في الولايات المتحدة.
بروباغندا إسرائيلية
من ناحية أخرى ترى الباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام، زها حسن، أن عديداً من الأمريكيين لا يشاهدون نفس الأخبار التي يشاهدها العالم العربي، خصوصاً الجيل الأكبر سناً "الذين يحصلون على المعلومات من فوكس وسي إن إن"، موضحة أن تلك القنوات لن تُظهر لهم المدنيين الذين يتعرضون للإهانة بالطريقة التي يتعرض لها المدنيون في غزة. كما أشارت إلى دور خوارزميات وسائل التواصل الموجهة، التي تقرر ما تريد أن تريه للمستخدمين.
وناشدت الحقوقية الفلسطينية الأمريكية المجتمع الدولي في حديثها لـTRT عربي قائلة: "ما يحدث في غزة مروع فمن أصل 10 أشخاص في غزة 8 يتضورون جوعاً، نحن بحاجة فورية إلى وقف إطلاق النار".
أما الباحثة الهولندية المهتمة بالشأن العربي، رينا نيتجيس فتقر بوجود نوع من العنصرية في أوروبا موضحة أن جزءاً منها يعود سببها للبروباغندا الإسرائيلية، وتستطرد الباحثة لـTRT عربي "وخاصة في ألمانيا، بسبب عقدة الهولوكست التي جعلتهم أكثر تطرفاً تجاه أي طرف آخر مواجه لليهود".
وتشير نيتجيس إلى ازدواجية المعايير الغربية قائلة: "فمثلاً الحكومة الهولندية ترسل سلاح إف 35 إلى إسرائيل وفي نفس الوقت يقولون إنهم ليسوا ضد وقف إطلاق النار في غزة".
وتنتقد الباحثة السياسة الأوروبية تجاه الشرق الأوسط قائلة: "يعارض اليمين المتطرف في أوروبا قدوم اللاجئين من الشرق الاوسط، لكن السياسة التي يتبعها تجاه المنطقة تجلب اللاجئين".
وتختم الباحثة الهولندية حديثها بقولها إن الحرب في غزة هي حرب معلومات مضللة ، مؤكدة ضرورة رفع الصحفيين والباحثين الغربيين صوتهم لتوضيح الحقائق للعالم وتضرب مثلاً قائلة: "المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي منذ عدة أيام نشر فيديوهات يدّعي أنها من غزة، لكن باعتباري أوروبية أعرف اللغة العربية، ميزت أن تلك اللهجة ليست من غزة، ووضحت ذلك لمن لا يعرف".
