تابعنا
يحل اليوم العالمي لحريّة الصحافة، والصحفيون العاملون في المؤسسات الغربية يواجهون هجمات واسعة لمواقفهم المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني خلال حرب الإبادة المستمرة في غزة، ما يكشف ازدواجية معايير تلك المؤسسات التي باعت لسانها للاحتلال الإسرائيلي.

أعلنت إذاعة فرنسا (فرانس أنتر) 2 مايو/أيار الجاري توقيف المذيع غيوم موريس عن العمل، دون أن توضح أسباب ذلك، وقالت إدارة الإذاعة الفرنسية إنها استدعت موريس إلى جلسة استماع أولية، "وفي انتظار هذه المقابلة، وُقف موريس عن الهواء -مع الاحتفاظ بأجره- وبالتالي لن يشارك في أمسية غراند ديمانش يوم الأحد 5 مايو/أيار على فرانس أنتر".

ورجحت وسائل إعلام فرنسية أن قرار وقف موريس جاء على خلفية تكراره تعليقات مناصرة لفلسطين مُدينة لحكومة نتنياهو، وقد صرّح المذيع على إذاعة فرانس إنتر يوم الأحد 28 أبريل/نيسان الماضي بأن "لدينا أشياء يمكن أن نقولها، على سبيل المثال، إذا قلت إن نتنياهو يمثّل نوعاً من النازيين، ولكنه نازي مختون (في إشارة إلى يهوديّته)".

وليست هذه هي المتاعب الوحيدة التي يلاقيها الصحفي الفرنسي بسبب مواقفه إزاء الحرب في غزة، بل رفعت منظمات صهيونية شكوى ضدّه في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، يتهمونه فيها بـ"معاداة السامية والتحريض على كراهية اليهود".

وأبرزت الحرب في غزة أن المصير الذي يلاقيه غيوم موريس ليس فردياً، بل هناك عدد كبير من الانتهاكات لحرية تعبير الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الغربية، الذين واجهوا قرارات الطرد أو الملاحقات نظير موقفهم الداعم للشعب الفلسطيني في محنته مع الاحتلال، وهي الوضعية التي تطرح تساؤلات كثيرة، تزامناً مع إحياء اليوم العالمي لحريّة الصحافة الذي يصادف 3 مايو/أيار من كل عام.

مطرودون ومُلاحَقون

بعد إطلاق الاحتلال الإسرائيلي اجتياحه البري لغزة بأيام قليلة، أقالت صحيفة الغارديان البريطانية رسام الكاريكاتير الشهير ستيف بيل بشكل مفاجئ، بعد 42 عاماً قضاها في الخدمة الصحيفة، لنشره كاريكاتيراً يصوّر نتنياهو وهو يستعدّ للخضوع لعملية جراحية، مع ظهور مخطط غزة على بطنه.

وأوضح بيل أن إدارة الصحيفة اتهمته بمعاداة السامية، معتبرة أن الصورة تستحضر شخصية اليهودي الجشع في مسرحية "تاجر البندقية" لويليام شكسبير، ورفض الرسام البريطاني هذه الادعاءات، معللاً بأن رسمته تأتي محاكاة لرسم كاريكاتيري رُسم للرئيس الأمريكي ليندون جونسون في فترة حرب فيتنام.

وبالتزامن مع هذا، أطلقت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحقيقاً "عاجلاً" مع سبعة صحفيين يعملون في نسختها العربية، بعد أن أعربوا عن تضامنهم مع فلسطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متهمة إياهم بـ"التحيز ضدّ إسرائيل".

وذكرت وسائل إعلام بريطانية أن BBC أطلقت تحقيقاً في حقّ أحد الصحفيين لاتهامه بوصف هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنها "صباح الأمل"، وآخرين لإبداء إعجابهم بمنشورات تصف الصهاينة بـ"المغتصبين" أو حتى تصف حماس بـ"المقاومين من أجل الحرية".

وطردت صحيفة فيلي فويس الأمريكية الصحفي الرياضي جاكسون فرانك، إثر تغريدة له عبّر فيها عن "تضامنه" مع فلسطين في أعقاب قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة.

وأقالت مجلة إي لايف المختصة في العلوم الطبيعية، محررها مايكل إيسن لإشادته بمنشور يتعاطف مع ضحايا الإبادة الجماعية في غزة، وتعبيره عن فزعه "للعقاب الجماعي الذي تنفّذه إسرائيل ضدهم". وفي بيان لها، برّرت إدارة المجلة طرد الصحفي اليهودي الأصل بأن تعليقاته "تضرّ بتماسك المجتمع الذي نحاول بناءه".

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، طردت هيئة البث الأسترالية إيه بي سي الصحفية أنطوانيت لطوف، من أجل مشاركتها منشور منظمة هيومن رايتس ووتش الذي يتحدث عن خطر المجاعة في غزة وكيف تستخدم إسرائيل الجوع أداة حرب ضدّ المدنيين. وذكرت صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد نقلاً عن ABC قولها إن لطوف طُردت "بسبب تجاهلها توجيهات رؤسائها ومشاركتها منشوراً مثيراً للجدل على وسائل التواصل الاجتماعي".

وفي كندا فُصلت الصحفية من أصل فلسطيني زهراء الأخرس من وظيفتها بسبب منشوراتها المؤيدة للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتقدت الأخرس ازدواجية معايير وسائل الإعلام الغربية، وقالت لوكالة الأناضول: "إذا كانت وسائل الإعلام الغربية تدعي الحياد، فيجب أن تسمح لنا برفع صوتنا بلا إسكات أو تهديد للفلسطينيين ودون مطالبتنا بالصمت في مواجهة الظلم الذي يواجهه شعبنا".

إسرائيل تضيّق على الصحفيين الدوليين

وإضافة إلى تضييق مؤسساتهم عليهم في ما يخص إبداء تعاطفهم مع الفلسطينيين، يستمر الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة تضييقه على الصحفيين الأجانب العاملين على تغطية الحرب في غزة، ومنعهم من نقل المعلومة من الميدان.

وفي شهر مارس/آذار الماضي طالب نحو 55 صحفيّاً عاملاً في وسائل إعلام غربية في رسالة مفتوحة إلى السفارة الإسرائيلية في لندن، الاحتلال بالكف عن تضييقاته التي يمارسها ضدهم، والسماح لهم بالدخول والعمل بحرية داخل غزة.

وقال الصحفيون في رسالتهم: "إننا نحثّ حكومتَي إسرائيل ومصر على السماح لجميع وسائل الإعلام الأجنبية بالوصول الحرّ وغير المقيد إلى غزة".

وأضاف الصحفيون في رسالتهم أنه "يوجد اهتمام عالميّ مكثف بالأحداث في غزة، وحتى الآن جاءت التقارير الوحيدة من الصحفيين الذين كانوا يقيمون هناك بالفعل"، داعين "حكومة إسرائيل إلى الإعلان عن سماحها للصحفيين الدوليين بالعمل في غزة".

وتمنع إسرائيل الصحفيين الغربيين من الدخول إلى القطاع بلا تصريح من جيش الاحتلال، وحتى حال السماح لهم بالدخول يكونون مرافَقين بضباط إسرائيليين يتحكمون بالكامل في الصورة التي ينقلونها ولا يسمحون لهم بالتواصل مع الفلسطينيين.

وهو ما كشفت عنه أليكس كروفورد مراسلة شبكة سكاي نيوز البريطانية، التي تقول عن الجولة التي نظمها جيش الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في غزة: "لقد كان الوصول محدوداً للغاية، إذ دُعيَ عدد قليل من الصحفيين المختارين للانضمام لفترة وجيزة إلى الجيش الإسرائيلي لأداء جولات قصيرة نادرة داخل غزة (...). لقد أعطونا لمحة عمَّا يحدث، لكنها مجرد لمحة".

وأضافت المراسلة أن المرافقة العسكرية "تفرض على الصحفي أن يلتزم قواعد معينة بهدف عدم المساس بأمنه (...)، وتختار بوضوحٍ الطريق والمنطقة التي سيتوجه إليها ومدة وجوده في الموقع، وما الذي يمكن للصحفي الوصول إليه، وإلى مَن يتحدث أو ما إذا كان يمكنه التحدث إلى أي شخص على الإطلاق".

وهو ما فعله جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الجولات التي نظمها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إذ "لم يسمح لأي من الصحفيين الذين رافقوه إلى داخل غزة بالتحدث لأي من الفلسطينيين"، حسب كروفورد.

أكثر عام دموي على الصحفيين!

وتزامناً مع إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، يُعَدّ هذا العام الأكثر دموية للصحفيين، بسبب استهداف وقتل الاحتلال الإسرائيلي عشرات العاملين في تغطية الأحداث الدامية بقطاع غزة.

وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 141 صحفياً وصحفية، وأصاب 70 واعتقل عشرات في "إخفاء قسري"، منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. كما استهدف الاحتلال عائلات عشرات الصحفيين وقتل بعض أفرادها، ودمّر منازلهم ومكاتبهم ومقارَّهم الصحفية والإعلامية، ما زاد الانتهاكات والتحديات أمام استمرارهم في أداء عملهم.

لكن رغم التحديات، وبينها احتمال مقتلهم في أي لحظة، أكد صحفيون فلسطينيون أنهم مستمرون في التغطية لنقل الحقيقة، في ظل "حرب الإبادة الجماعية" الإسرائيلية المتواصلة على القطاع منذ 7 أشهر.

TRT عربي
الأكثر تداولاً