الرئيس الأمريكي جو بادين / صورة: Getty Images (Getty Images)
تابعنا

بلا منافس شغلت الانتخابات الأمريكية العالم في الأيام الماضية، إذ يحبس الجميع أنفاسه منتظراً انعكاسات نتائج هذا التصويت على السياسات المتوقعة من الإدارة الأمريكية في المرحلة اللاحقة.

وفي نمط أصبح معتاداً تزايد الحديث مع قرب إعلان نتائج الانتخابات النصفية عن مدى احتمالية تحول ساكن البيت الأبيض إلى ما اصطُلح على وصفه في الثقافة السياسية الأمريكية بـ"البطة العرجاء".

لكن ما "البطة العرجاء" على أي حال؟

في مفارقة لافتة لم ينشأ هذا المصطلح في عالم السياسة ولا في الولايات المتحدة أيضاً، إذ تمت صياغته في لندن في القرن الثامن عشر للإشارة إلى من لا يستطيع سداد قروضه، أو سمسار البورصة الذي يعجز عن الوفاء بديونه مضطراً إلى "الخروج من الزقاق مثل البطة العرجاء".

في عشرينيات القرن الماضي قفزت "البطة العرجاء" محلقة للارتباط بأعلى منصب سياسي في عالم اليوم، من خلال افتتاحية بعنوان "صنع بطة عرجاء من كوليدج"، حيث تنبأ المقال المنشور عام 1926 بصحيفة غراند رابيدز بولاية ميشيغان بأن نجاح الناخبين في تحويل مجلس الشيوخ إلى أغلبية ديمقراطية سيعرقل قدرة الرئيس الجمهوري كالفين كوليدج على تنفيذ خططه.

بمرور الوقت أصبح المصطلح أكثر شيوعاً، إذ يُستخدم حالياً لوصف العديد من الحالات التي تعتري السياسي، كاقتراب نهاية فترته وقد تم اختيار خلف له، أو في حال إعلانه عدم نيته الترشح لإعادة انتخابه بعد الانتخابات النصفية في فترته الأولى، أو في حال خسارة السياسي إعادة انتخابه، أو عند قراره التقاعد أو التخلي عن المنصب، أو استنفاده فترة ولايته، أو خسارة إعادة انتخابه.

"البطة العرجاء".. مشكلة متكررة في التاريخ الأمريكي

نتيجة تعدد استخدامات هذا المصطلح فقد شهدت الحياة السياسية الأمريكية العديد من "البطات العرجاء" إن جاز التعبير في مراحل تاريخية مختلفة، إذ مثلت هذه الظاهرة مشكلة سياسية من وجهين.

الوجه الأول أن إعلان الرئيس نيته عدم طرح ترشيحه لفترة ثانية يؤدي إلى انصراف اهتمام الإعلام والكونغرس والجمهور عنه إلى المرشح الجديد، وهكذا "يفقد الرئيس قدراً كبيراً من قدرته على التحكم في الخطاب الإعلامي أو الوصول إلى الجمهور" وفقاً لمايكل فايبر بروفيسور العلوم السياسية المساعد في جامعة تكساس.

ومن جهة أخرى قد يؤدي الإعلان المذكور إلى "لا مبالاة" الرئيس بتقييم الجمهور لخططه، ما قد يدفعه إلى تطبيق سياسات لا تحظى بالشعبية، ولن يعوقه عن المضي قدماً في هذه الحال إلا معارضة الكونغرس، أو ضغوط حزبه الذي يتحسب للانتخابات القادمة بطبيعة الحال.

تاريخياً عين الرئيس جون آدامز في عام 1801 العشرات ممّن سُمُّوا بـ"قضاة منتصف الليل" في المقاعد التي أنشأها الكونغرس الفيدرالي، في محاولة للحد من سلطات الرئيس القادم توماس جيفرسون وحلفائه في الكونغرس.

ومن أبرز الأمثلة على خطورة البطة العرجاء تقاعس الرئيس المنتهية ولايته جيمس بوكانان عام 1861 عن محاولة وقف انفصال الولايات الجنوبية، إذ اعتبرها مشكلة أبراهام لينكولن! في حين اتخذ بنيامين هاريسون خطوات في عام 1893 لمحاولة الإضرار بالاقتصاد لمجرد جعل حكم غروفر كليفلاند أكثر صعوبة.

السلبيات المرتبطة بهذه الظاهرة أدت إلى بحث الأمريكيين عن وسيلة لتخفيف أضرارها، فانتهى بهم الأمر، أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، إلى اعتماد التعديل العشرين الذي نقل تاريخ التنصيب الرئاسي من 4 مارس/آذار إلى 20 يناير/كانون الثاني، ممَّا أدى إلى تقصير فترة البطة العرجاء ستة أسابيع.

بايدن.. "بطة عرجاء"؟

رغم أنه من المبكر الحديث عن أغلبية جمهورية في مجلس النواب، فإن وصف بايدن بـ"البطة العرجاء" يبقى رهناً بقراره الترشح لفترة رئاسية ثانية من عدمه.

في هذا السياق تبدو المؤشرات إلى تراجع شعبية الرئيس الأمريكي متزايدة خلال الفترة الماضية، إذ انتهى شهر عسل بايدن في السلطة مع انخفاض نسبة داعميه إلى أدنى مستوياتها بـ50% صيف العام الماضي، وسط زيادة في حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة.

منذ ذلك الحين تآكل دعمه الشعبي بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان، ومعاناة البلاد من أعلى معدل تضخم في أربعة عقود، وأسعار غاز قياسية مرتفعة، واستمرار مشكلات سلسلة التوريد.

ووفقاً للاستطلاعات الوطنية المعقودة مع الانتخابات النصفية الأخيرة فقد كانت رسالة الناخبين إلى بايدن واضحة، إذ أكد 67% من ناخبي منتصف المدة أنهم لا يؤيدون ترشح بايدن للرئاسة في عام 2024، مقارنة بـ30% يريدون منه ذلك. وبينما رفض 90% من المستطلعين الذي عرفوا أنفسهم كجمهوريين رؤية بايدن في الانتخابات القادمة، كان من المدهش أن يشاركهم 38% من الذين عرفوا أنفسهم كديمقراطيين نفس الرغبة.

ورغم كل هذه المؤشرات فإن قرار بايدن قد يتخذ منحىً مختلفاً، فوفقاً لتصريح السكرتير الصحفي للبيت الأبيض فإن الرئيس "قال مراراً وتكراراً إنه يخطط للترشح في عام 2024"، وعندما سُئل بايدن نفسه عن أرقام استطلاعات الرأي المقلقة، قال إن عدد الأشخاص الذين لا يريدون له أن يترشح لن يؤثر في قراره.

واتخاذ بايدن لقرار كهذا لن يكون مفاجئاً بالنظر إلى أنه لم يرفض أي رئيس مؤهل الترشح لإعادة انتخابه منذ عام 1968، وأن ثلاثة رؤساء فقط في فترة ولاية أولى رفضوا الترشح لولاية ثانية.

ومن المؤكد أن النتيجة التاريخية التي أحرزها الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية أنعشت طموحات بايدن بإعادة الترشح، وهو ما يمكن عزوه إلى أن استراتيجية الديمقراطيين قامت على طرح التصويت الأخير كخيار بينهم وبين "نهاية الديمقراطية" المتمثلة في الرئيس السابق دونالد ترمب ومرشحيه المشككين في نتائج انتخابات 2020.

وهكذا فوجود بايدن في قلب المفارقة المتمثلة في هبوط أسهمه شعبياً وارتفاع أسهم حزبه يبدو أنه منحه فعلياً إمكانية النجاة من التحول إلى "بطة عرجاء" جديدة.



TRT عربي