تعويم سعر صزف الجنيه المصري / صورة: AFP (AFP)
تابعنا

تعرض الجنيه المصري لعدة أزمات تسببت في تراجع قيمته السوقية أمام الدولار الأمريكي، ما أجبر البنك المركزي المصري على اتباع عدة سياسات نقدية متباينة منذ عام 2016 حتى الآن.

جاء التعويم الأول للجنيه المصري تزامناً مع بداية حصول مصر على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، والذي يفرض بدوره على الدول المستدينة عدة شروط. واتخذ البنك المركزي المصري إجراءات للقضاء على السوق السوداء للعملة، إذ كان الفارق بين سعر الدولار في البنوك والسوق الموازية يقترب من 9 جنيهات تقريباً.

في عام 2016، خفض البنك المركزي قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار بنحو 112 قرشاً ليصل إلى 8.88 جنيه في تعاملات البنوك، ما يعادل خفض قيمة الجنيه 15% تقريباً. لكن أثر ذلك كان محدوداً، ولم يمنع السوق السوداء النشاط بسبب عدم وجود عملات أجنبية لدى البنوك تغطي قيمة الطلب عليها، ما تسبب في رفع قيمة التضخم.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام سمح البنك المركزي المصري للبنوك بحرية تسعير النقد الأجنبي، وذلك من خلال آلية الإنتربنك، ليتحرك سعر الدولار مقابل الجنيه بحرية انطلاقاً من نقطة أساس 13 جنيهاً، وبهامش تداول 10% أعلى أو أقل من هذا السعر.

وأكد البنك المركزي المصري في بيان له بتاريخ 3 نوفمبر 2016 عدم فرض أي قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات، باستثناء حدود الإيداع والسحب السابقة للشركات التي تعمل في مجال استيراد السلع والمنتجات غير الأساسية، فقط بواقع 50 ألف دولار خلال الشهر للإيداع وبواقع 30 ألف دولار یومياً للسحب. كما رفع سعر الفائدة على الإيداع والإقراض. ومن ثم رفع البنك المركزي المصري سعرَي عائد الإیداع والإقراض للیلة واحدة بواقع 300 نقطة أساس لیصلا إلى 14.75 و15.75% على التوالي، كما رفع سعر العملیة الرئیسیة للبنك المركزي بواقع 300 نقطة أساس لتصل إلى 15.25%، وزیادة سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس لیصل إلى 15.25%.

وفي 4 يناير/كانون الثاني 2023 اتخذت البنوك الحكومية المصرية "الأهلي- مصر" قرارا بإصدار شهادات ادخارية لمدة عام بعائد 25%، ليرتفع الدولار إلى ما فوق 27 جنيهاً، متحركا من 24.7.

وسبق هذا القرار اجتماعان للبنك المركزي المصري خلال الفترة بين 21 مارس/آذار 2022 و27 أكتوبر/تشرين 2022 قرر خلالهما تحرير أسعار صرف العملة، لينخفض الجنيه من مستويات 15.77 جنيه يوم 20 مارس إلى مستويات قرب 26.6 جنيه للدولار بنهاية تعاملات 4 يناير هذا العام إذ جاء التعويم الثالث للجنيه المصري تزامناً مع حصول مصر على دفعة أولى قدرها 370 مليون دولار من قرض صندوق النقد البالغ 3 مليارات دولار.

السوق الموازية تتحكم

ويعلق الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل، لـTRT عربي، على أزمة الجنيه المصري وتذبذب سعره أمام الدولار، بقوله إنه في ظل الندرة الدولارية، التي تعانيها مصر من الصعب استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مشيراً إلى استمرار البنك المركزي المصري في تحريك سعر الصرف.

وأضاف أن "المركزي المصري" يتبع ما يسمى في علم الاقتصاد بـ"الربط المرن"، إذ يربط سعر الجنيه أمام الدولار بسعر السوق الموازية، فتحريك سعر الصرف يجرى في ظل الندرة الدولارية، ما يجعل الدولار يتحرك أمام الجنيه بالحد الأقصى، الذي يحدده البنك.

ونبه "نافع" إلى كون "المركزي المصري" يضع حدوداً سعرية "غير مرئية"، وأن كل فترة يتحرك البنك ويتخذ قراراً جديداً عند حدوث تفاوت كبير بين سعر الدولار لدى البنوك وبين سعره في السوق السوداء.

وأشار أستاذ التمويل إلى توقعه اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات إصلاحية على المدى القصير، وهي "إجراءات ضرورية"، على حد وصفه، منها "التقشف" من أجل تقليل الطلب على الدولار، وذلك لتقليل خدمات الدين الخارجي وتقليل استيراد كثير من السلع غير الأساسية التي تستهلك الدولار، مشيراً إلى ضرورة إيجاد حالة اتزان بين تقشف الحكومة وبين التزاماتها ودعمها الطبقات الأكثر احتياجاً.

وعن تأثير التعويم الثالث في السوق الموازية، أكد نافع أنه في ظل الندرة الدولارية لا يمكن القضاء على السوق السوداء، والأمر كله يعتمد على اقتصاد الدولة قبل السياسة النقدية.

من ناحيته قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، لـ TRT عربي، إن التعويم الثالث للجنيه يعود إلى ما أعلنه البنك المركزي المصري مؤخراً من أن صندوق النقد الدولي طالب بسعر صرف مرن يتجدد طبقاً للاحتياجات والطلب عليه، ويتأثر بسياسة العرض والطلب غير مدعوم من الدولة.

وأشار الخبير الإقتصادي إلى سياسة المحافظ الجديد للبنك المركزي المصري، والتي لا تتدخل في مساندة سعر الصرف، بل تترك الأمر للعرض والطلب.

وعن السوق الموازية للدولار في مصر أوضح عبده أن البنك المركزي صائب في تعاملاته ويتصرف بوعي، إذ يرفع سعر صرف الدولار بعد قرار التعويم الجديد يومياً بين قرش وقرشين للقضاء تدريجياً على تداول الدولار في السوق السوداء، لافتاً إلى استمرار تراجع الجنيه وزيادة التضخم مع استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية.

شهادات ادخارية لحصار السوق

وعن طرح الحكومة المصرية شهادات بفائدة ادخارية بعائد 25% أكد وائل النحاس، الخبير الاقتصادي في سوق المال المصري، لـTRT عربي، أن مصر لجأت إلى ذلك لفرض حصار على السوق الموازية للدولار، فالحكومة تخاطب فئة من المواطنين ممن يمكنهم تحويل أموالهم إلى دولار أو ذهب، وتابع أن هذه الشهادات تستقطب أيضاً رؤوس الأموال للمواطنين العرب غير الحاصلين على إقامة بمصر.

واستطرد قائلاً: "الدولة تحاول القضاء على مضاربات السوق السوداء، وتسعى لتحقيق تشبع ولو مؤقت فيها"، موضحاً أن الشهادات المطروحة مؤخراً لها مدة لانتهاء طرحها، وهى لا تستوعب أصحاب الشهادات الأخرى، إذ من المتوقع انتهاء طرح هذه الشهادات قبل مارس، لذا فقد جرى طرحها لاستيعاب الأموال التي لم تورد إلى البنوك أو تُحوّل إلى شهادات ويسعى أصحابها لشراء الدولار والذهب.

وعلى صعيد تأثيرات ما يجري للعملة المحلية أمام الدولار في أسعار السلع، قال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي في سوق المال المصري، إن تباطؤ الدولة في الإفراج عن السلع المحتجزة في المواني (بسبب عدم وجود وفرة دولارية) تسبب في مزيد من المضاربات السعرية على السلع، منبهاً إلى ضرورة اتخاذ تدابير لسرعة الإفراج عن السلع في المواني. وأوضح أن جميع السلع زاد سعرها بالفعل، إذ تحرك مع رفع وتحريك قيمة الدولار في السوق الموازية، مع استمرار تباطؤ الإفراج عن السلع.

وأشار النحاس إلى أن جميع السلع تأثرت بشكل واضح بتغيير سعر الصرف، لا السلع المستوردة فقط، مع وجود تجارات دُمّرت، منها تجارة الدواجن حسب قوله، وطالب بتشديد رقابة الدولة على التجار مع ضرورة التعامل بحذر حتى لا يضطر التجار إلى إخفاء بضاعتهم، فيحدث نوع جديد من الغلاء نتيجة الاحتكارات ونقص السلع رغم وجودها ظاهرياً.


TRT عربي