تابعنا
رغم أن المشاورات بين البلدين مستمرة بشأن مختلف القضايا، وخصوصاً هذا العام مع عضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن، فإن واشنطن تصرّ على أن يكون حكمها حول الحريات الدينية في الجزائر سلبياً دائماً.

حققت الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة تقدماً في تعزيز علاقاتهما الثنائية بشهادة مسؤولي البلدين، خصوصاً في مجال الأمن وتبادل المعلومات والنفط، غير أن بعض الملفات يظل محل خلاف، وعلى رأسه التقارير السنوية للخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في الجزائر، إذ ترى الدولة المغاربية أن هذه التقارير تحمل كثيراً من المغالطات بشأن حرية المعتقد التي تضمنها تشريعاتها المختلفة.

ورغم أن المشاورات بين البلدين مستمرة بشأن مختلف القضايا، وخصوصاً هذا العام مع عضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن، فإن واشنطن تصرّ على أن يكون حكمها حول الحريات الدينية في الجزائر سلبياً دائماً.

"تقارير سياسية"

في 4 يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تقريراً حول الحريات الدينية في 17 بلداً بينها الجزائر، نُشر على الموقع الرسمي للخارجية.

ووضع التقرير الجزائر مع أذربيجان وإفريقيا الوسطى وجزر القمر وفيتنام في خانة الدول التي "تخضع لمراقبة خاصة" جراء تسجيل "انتهاكات للحرية الدينية" في أراضيها، وقالت الخارجية الأمريكية إن الجزائر من "الدول المدرجة على قائمة المراقبة الخاصة لتورطها في انتهاكات جسيمة لحرية الدين أو تسامحها معها".

وفي هذا السياق يوضح أستاذ العلوم الجيو-سياسية في جامعة باريس الدكتور عماد الدين الحمروني، أنه عند ملاحظة قائمة الدول التي تحدث عنها التقرير، يتضح أنها إما "بلدان عربية وإما مسلمة وإما منافسة لواشنطن، مثل الصين وروسيا"، وهو ما يجعل تقارير الحريات الدينية "سياسية" بامتياز، ولا تمُت بأي صلة للموضوعية.

ويلفت الحمروني في حديثه مع TRT عربي إلى أن هذه التقارير السنوية تصدر منذ عام 1998 عندما أقرّ الكونغرس قانون الحرية الدينية الدولية، الذي يسمح بالتدخل في شؤون الدول والضغط عليها "وفق المصلحة الأمريكية ونظرتها الفردية للحرية الدينية".

وليست هذه المرة الأولى التي تنتقد فيها واشنطن وضع الحريات الدينية في الجزائر، إذ سبقها تقرير الخارجية الأمريكية للعام الماضي الذي انتقد هو الآخر إجراءات الحكومة بشأن هذا الأمر، خصوصاً في ما يتعلق بتهمة "التجديف" التي ينتقد تطبيق عقوبة بشأنها في بلد يقر أن 99% من سكانه من المسلمين السُّنة، فيما يشكل الآخرون أقليات من بعض الطوائف المسلمة والمسيحيين واليهود.

ويركز معظم التقارير الأمريكية في الغالب على تعامل الحكومة مع الكنيسة الإنجيلية في الجزائر، وطائفة الأحمدية، بالنظر إلى غلق أماكن تابعة لهما تطبيقاً للأمر رقم 06- 03 المؤرخ في 28 فبراير/شباط 2006، المحدد لشروط وقواعد ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين.

وكان التقرير الأمريكي لعام 2022، قد وضع هو الآخر الجزائر ضمن قائمة المراقبة الخاصة بحجة ارتكاب "انتهاكات متعلقة بالحرية الدينية".

"معلومات مغلوطة"

عبّر وزير الخارجية الجزائر أحمد عطاف، عن عميق أسفه عمّا ورد في بيان الخارجية الأمريكية، قائلاً إن التقرير "يحمل معلومات مغلوطة وغير دقيقة بخصوص الجزائر".

وأجرى عطاف مكالمة مع نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن بشأن هذا التقرير، وأبلغه بأن واشنطن "تغفل الجهود التي تبذلها الجزائر في سبيل تكريس مبدأ حرية الاعتقاد والممارسة الدينية، وهو المبدأ الذي يكفله الدستور الجزائري بطريقة واضحة لا غموض فيها".

وذكّر عطاف بأن البلدين "أطلقا حواراً بشأن الحريات الدينية"، إذ أعربت الجزائر في أكثر من مناسبة "عن استعدادها لاستقبال السفير الأمريكي المتجول للحرية الدينية الدولية بغية تسليط الضوء على الحقائق، وعلى التزام الجزائر الفعلي صَوْن مبدأ حرية المعتقد وفقاً لالتزاماتها الدولية ذات الصلة".

ولا يوافق أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة الوادي، الدكتور عبد القادر مهاوات، ما تضمنه التقرير الأمريكي، مبيناً أن "أغلب سكان الجزائر مسلمون بنسبة تكاد تقارب 100%، وجميعهم يؤدون كل شعائرهم الدينية بحرية، وحتى المنتمون إلى بعض الطوائف أو المذاهب مثل الإباضيين على سبيل المثال يتمتعون أيضاً بحرية واسعة في ممارسة مذهبهم، فلهم مدارسهم ومساجدهم الخاصة، وممثلون في المجلس الإسلامي الأعلى".

ويضيف مهاوات لـTRT عربي أن هذه الحرية الدينية مضمونة أيضاً لغير المسلمين، فالكنائس موجودة في مدن جزائرية عدة، والمسيحيون الذين أغلبهم من الوافدين يمارسون طقوسهم بكل استقلالية وبالطريقة التي يريدون، معتبراً "الحزم الذي تتبعه السلطات في نشر دين غير الإسلام ببلادها مندرجاً في باب السياسة الشرعية التي تقتضي الحفاظ على استقرار الوطن وحمايته، لأنه من غير الممكن السماح بأداء أفعال غير مرخصة، وإن رأى البعض في ذلك تضييقاً رأيناه تأطيراً لحماية الوطن والمواطن معاً".

بدوره يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة تيارت الجزائرية جيلالي كرايس، إن التقرير يحمل كثيراً من الإجحاف في حق الجزائر، كونه "لا يقدم أي حقائق ويساوي الوضع في الجزائر بالحال في دول أخرى تختلف عنها في التركيبة الدينية والممارسات التي تحدث هناك".

ويشير كرايس في حديثه مع TRT عربي إلى أن ممارسة الشعائر الدينية مكفولة في الجزائر حتى لغير المسلمين، فمراسم تطويب الأساقفة والكهنة تُجرى في كل الكنائس، كما أن أسقف الجزائر يعين من طرف الفاتيكان.

ويبيّن أن الترخيص لفتح دور العبادة شرط مطلوب، سواء تعلَّق الأمر ببناء مسجد أو كنيسة، ولا تفريق في ذلك، لذا "على الخارجية الأمريكية أن تميز بين حرية الاعتقاد والفوضى الدينية التي تفتح الباب للتشدد والتطرف".

ازدواجية المعايير

ودعا بلينكن، في تقرير الحريات الدينية، الجزائر والبلدان الواردة إلى "وضع حدّ للانتهاكات المماثلة للهجمات على أفراد الأقليات الدينية وأماكن عبادتهم وأعمال العنف الطائفي والسجن لفترات طويلة بسبب التعبير السلمي والقمع العابر للحدود الوطنية والدعوات إلى العنف ضد الطوائف الدينية، بالإضافة إلى الانتهاكات الأخرى التي نشهدها في أماكن كثيرة حول العالم".

واستغرب المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر مما جاء به تقرير بلينكن، مبيّناً أن الخارجية الأمريكية صنفت الدول في"ثلاثة مستويات متشددة ومتوسطة ومنتهكة انتهاكاً جسيماً لحرية ممارسة المعتقد الديني، في حين أنها استبعدت في بيانها الأخير إسرائيل من هذا التصنيف، بالرغم من أنها تمنع المسلمين في فلسطين من دخول المسجد الأقصى وتحرمهم من الصلاة في رحابه".

ويرى الأستاذ جيلالي كرايس، أن التقرير الأمريكي يتضمن ازدواجية في المعايير، إذ بُني على نظرة الغرب التي "تتحدث عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بكل من هو مسيحي ويهودي، في حين أن ما غير ذلك حقه مشاع يمكن التصرف فيه كما يشاؤون".

ويرى الدكتور عماد الدين الحمروني، أن "واشنطن تريد أن تحدد المعايير السياسية والأخلاقية حسب رأيها ومصالحها، وهو ما يفسر عدم ورود اسم الاحتلال الإسرائيلي والدول الغربية التي لا تحترم الحرية الدينية تحت غطاء العلمانية في تقرير الخارجية الأمريكية".

ويضيف أستاذ العلوم الجيو-سياسية أن "الإسناد الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي العنصري ضد الفلسطينيين، خصوصاً بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يفضح التقارير الأمريكية التي تدّعي أن واشنطن تدافع عن الحرية الدينية التي هي عصا تستعملها لتضرب بها السيادة الوطنية للدول القومية، فهذه مجرد تقارير للضغط المعنوي والسياسي والاقتصادي على الدول التي تحاول أن تبني علاقات خارج الإمبراطورية الأنجلو-ساكسونية"

ويشير الحمروني إلى أن "السياسة الأمريكية لا تقوم على معايير أخلاقية، إنما على اعتبارات سياسية واقتصادية، لذلك تدعم إسرائيل التي تحكم وفق معايير عنصرية دينية يهودية تنتهك حقوق المسلمين والمسيحيين، لكن لا نجد تقارير أمريكية تنتقد هذا الانتهاك الطائفي العنصري".

التقارير والعلاقات بين البلدين

ويرى الدكتور جيلالي كرايس، أن مختلف التقارير الأمريكية التي تتعلق بحرية حقوق الإنسان هدفها "الابتزاز السياسي"، ومنها التقارير التي تصدر ضدّ الجزائر.

ويوضح أن هذه التقارير لم تؤثر في علاقات التعاون بين البلدين رغم الانزعاج الجزائري الكبير منها، بالنظر إلى أن واشنطن تضع المصالح الاقتصادية فوق هذه التقارير التي لم تصل حتى اليوم لفرض عقوبات مثلما قد يحدث في بعض الدول.

ويلفت أستاذ علم الاجتماع السياسي إلى أن البلدين في حاجة إلى تعزيز شراكتهما وتعاونهما في مجالات عدة، "فواشنطن مدركة أهمية الحفاظ على تعاونها الأمني مع الجزائر في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل لمكافحة الإرهاب، وتحقيق الاستقرار في دول مثل ليبيا ومالي والنيجر".

ويؤكد كرايس أن عدم تأثير هذه التقارير في التعاون بين البلدين يظهر في الشراكة بينهما في مجال الطاقة، بالنظر إلى حاجة واشنطن إلى أن يكون لها وجود في منطقة كانت مجالاً للنفوذ الفرنسي، وهي لا تريد أن تترك الساحة في شمال إفريقيا لروسيا والصين، لذلك فهي حريصة على إبقاء مشاوراتها الدورية مع الجزائر.

TRT عربي