تابعنا
كشف وزير التعليم العالي في السودان محمد حسن دهب عن أن نحو 115 جامعة وكلية حكومية -خصوصاً في ولاية الخرطوم بالسودان- ينتسب إليها نحو نصف مليون طالب، خسرت بنيتها التحتية بنسبة 100%.

عمّقت الحرب من أزمة التعليم ومعاناة ملايين الطلاب السودانيين، إذ تسببت في تدمير البنية التحتية للجامعات والمدارس، وتعرّض كثير منها إلى التخريب والنهب، ما أدى إلى تعطيل الدراسة وتوقف البحث العلمي وهجرة عديد من الكفاءات العلمية والأساتذة والباحثين السودانيين إلى الخارج جراء الآثار الأمنية والاقتصادية للحرب.

وكشف السفير السوداني لدى مصر د. محمد عبد الله التوم عن زيادة أعداد الطلاب السودانيين في مصر بصورة كبيرة عقب اندلاع الصراع في السودان في أبريل/نيسان من العام الماضي.

ويوضح السفير السوداني في تصريحه لـTRT عربي أن عددهم بلغ نحو 110 آلاف طالب، نصفهم في الجامعات والمعاهد، والنصف الآخر في المدارس المختلفة في مصر.

تأثيرات كارثية

ويقول الأكاديمي والباحث السياسي محمد عثمان عوض الله إن عدم الاستقرار في قطاع التعليم في السودان ومعاناة الطلاب في إكمال تعليمهم بدأت منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، وظل "عدم الاستقرار والتراجع والاضطراب الذي لازم الحكومات المختلفة خلال السنوات الخمس الماضية هو السمة البارزة، ما أثر في حياة المواطنين في كل مناحي الحياة، وفي مقدمتها التعليم".

ويضيف عوض الله لـTRT عربي أن "عدم الاستقرار هذا كان له أثر كارثي تمظهر في إغلاق كامل للمدارس والجامعات في كل المراحل التعليمية، وفي كل الولايات وعدم تخريج أو انتقال أي طالب من المستوى الأكاديمي الذي هو فيه إلى المستوى الذي يليه لمدة خمس سنوات، بجانب عدم صرف الأساتذة والعاملين في قطاع التعليم الحكومي والخاص لمرتباتهم لعدد من الأشهر".

وفي الأثناء، أعربت أسر سودانية عديدة عن قلقها إزاء انسداد الأفق أمام دراسة ومستقبل أبنائهم في الجامعات السودانية عقب تكدس وتراكم الدفعات الطلابية في المستوى الواحد، إذ بلغ العدد خمس دفعات في المستوى الأكاديمي الواحد.

وتقول أم أحمد، وهي أم كذلك لثلاثة أبناء وبنت في الجامعات الحكومية، إن اثنين من أبنائها تركا الدراسة من السنة الأولى، وانخرطا في أعمال يدوية ومهن هامشية بعد أن فقدا أمل التخرّج في الجامعة.

وتبيّن أم أحمد لـTRT عربي ذلك أن ابنيها تركا الدراسة بعد أن مضت ثلاث سنوات وهما في الصف الدراسي الأول ذاته بسبب الأوضاع غير المستقرة في البلاد، بينما اختارت ابنتها الصغرى التي كانت ترغب في دراسة كلية الفنون الجميلة، اختصار طريقها بالعمل مبكراً في مجال نقش الحناء لمقابلة بعض متطلبات الحياة.

تدمير البنية التحتية

وكشف وزير التعليم العالي في السودان محمد حسن دهب عن أن نحو 115 جامعة وكلية حكومية -خصوصاً في ولاية الخرطوم بالسودان- ينتسب إليها نحو نصف مليون طالب، خسرت بنيتها التحتية بنسبة 100%.

وفقدت تلك الجامعات الأجهزة والمعدات والمكتبات، فضلاً عن تدمير المستشفيات التعليمية والمعامل ومراكز الأبحاث بسبب أعمال التخريب والسرقة والنهب التي رافقت الحرب.

وأشار دهب في حوار نشرته صحيفة التيار السودانية في تاريخ 31 يناير/كانون الثاني الماضي، إلى أن أضرار الحرب لم تقتصر على تدمير البنى التحتية للجامعات، فقد راح ضحيتها عدد من الأساتذة الجامعيين والطلاب والموظفين والعمال نتيجة القصف والعنف والاستهداف المباشر، أو بسبب تداعيات الحرب التي أدت لانعدام الخدمات الطبية للمرضى.

وأردف: "باختصار، ننظر إلى هذه الحرب وتأثيرها في المؤسسات الجامعية على أنها جعلت بعض المؤسسات في حاجة إلى ترتيب أمورها، بعد توقف الحرب وحلول السلام والبداية من نقطة الصفر".

معاناة ومبادرات

ويرى الأكاديمي محمد عثمان عوض الله أن معاناة الطلاب السودانيين بسبب الحرب كثيرة ومتعددة، منها معاناتهم من أجل استكمال السجل الأكاديمي حسب عدد الشهادات التي تركوها في منازلهم التي أُخرجوا منها، ومعاناتهم في الحصول على قبول من جامعات خارجية، والحصول على تأشيرة الدخول للدول التي قُبلوا للدراسة في جامعاتها، إلى جانب معاناتهم بسبب السفر بين الولايات السودانية وما يترتب عليه من خطورة أمنية ومشقة في ظل الحرب.

ويقول عمر معتصم، وهو طالب ترك دراسة الطب من السنة الثالثة في السودان وانخرط في دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية في مصر، إن "مئات الآلاف من الطلاب السودانيين واجهوا مصيراً قاتماً لتعثّر الدراسة الجامعية بالسودان، ثم توقفها بسبب الحرب حيناً، وبسبب عدم الاستقرار السياسي حيناً آخر.

ويؤكد معتصم لـTRT عربي أنه أصبح تعطيلاً وتكدس لعدد من الدفعات في فصل دراسي واحد، لأن مدخلات التعليم خلال السنوات الخمس الماضية، لم ترافقها مخرجات في الواقع.

ويشير إلى أن آلاف الطلاب تمكنوا من الهجرة واللجوء لمواصلة تعليمهم خارج السودان، لكن ما زالت الأغلبية من زملائهم الطلاب بالداخل يواجهون مصيراً مجهولاً، ولا يدرون على وجه التحديد متى وكيف تستأنف الدراسة مجدداً؟ ليتخرّجوا في الجامعات "التي شهدت تدميراً ممنهجاً في ظل الحرب التي عمقت جراح السودانيين جميعاً، وفي مقدمتهم الطلاب الجامعيون، وتلاميذ المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية".

ويقود الطالب عمر مبادرة "ابدأ الدراسة في مصر" التي تضم مجموعة من الشباب السودانيين من الجنسين ينشطون في تقديم الاستشارات التعليمية للطلاب السودانيين الفارين من الحرب في السودان، وذلك من خلال استقبالهم وتوفير السكن لهم وتقديم المساعدات الأكاديمية لضمان منح وفرص القبول في الجامعات المصرية المختلفة.

ضحايا الحرب

ويروي عدد من الطلاب لـTRT عربي فصولاً من معاناتهم مع تعطّل العملية التعليمية بسبب الحرب في السودان، ويقول أيمن صلاح وهو طالب في إحدى الجامعات الحكومية إن قوات الدعم السريع "أجبرته وإخوته على مغادرة منزلهم في منطقة أركويت في الخرطوم بعد أن أمطروا المكان بوابل من الرصاص"، وبسبب ذلك تركوا خلفهم كل وثائقهم الأكاديمية التي تثبت مستواهم التعليمي، فأصبحوا لا يستطيعون حتى التقديم للجامعات بعد أن فقدوا الفرصة في المواصلة مثل عشرات الآلاف من الطلاب.

وتقول مآب إبراهيم، وهي طالبة نزحت مع أسرتها من مناطق الاشتباكات في العاصمة الخرطوم إلى مدينة بورتسودان، إنها استطاعت استخراج شهادتها الثانوية بعد متاعب عديدة، في وقت تُعتبر فيه الشهادة السودانية نفسها من أكبر أزمات التعليم في السودان، إذ لم يذهب طلاب الشهادة السودانية المؤهلة لدخول الجامعات منذ عام 2022.

وتضيف مآب لـTRT عربي: "نجحت بعد مشقة كبيرة ودفع كثير من الأموال في الحصول على التأشيرة والقبول في إحدى الجامعات الخارجية، لكني فوجئت بأنه عليّ التضحية بثلاث سنوات من عمري أمضيتها في الدراسة بالسودان، لأبدأ مرة أخرى من السنة الأولى، بل قبل السنة الأولى في الواقع، لأنه يجب عليّ تعلّم لغة الدولة التي ذهبت إليها".

وتصدّر قطاع التعليم القطاعات التي تضررت جراء الحرب وعدم الاستقرار السياسي في السودان، إذ نتج عن تعطّل العملية التعليمية التي توقفت مدخلاتها ومخرجاتها كذلك تسرّب كبير للطلاب وضياع للأعوام الدراسية، بينما لا تلوح في الأفق حلول جدية لوضع حدّ للحرب في السودان، حتى يعود الطلاب السودانيون إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى.

TRT عربي