تابعنا
رغم أن "حلف المقاتلات الجوية" الذي تطالب به أوكرانيا يشمل مختلف الأسلحة الجوية، فإن التركيز على طائرات F-16 له دلالة تتعلق بميزات هذه الطائرة مقارنة بنظيراتها من المقاتلات.

وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن على تسليم أوكرانيا طائرات F-16 (إف-16) بعد خضوع طياريها لتدريبات متعلقة بكيفية استعمالها، حسب ما نقلته شبكة "CNN" الأمريكية في 19 مايو/أيار، داعياً "تحالف الطائرات" المشكَّل حديثاً لتمكين كييف من الحصول على هذه المقاتلات لمواجهة أي تقدم روسي.

وبعد التردد الغربي والأمريكي، عجّل تحالف الطائرات الذي شكّلته بريطانيا بموافقة واشنطن على طلب أوكرانيا التي تريد الحصول على مختلف الأسلحة لصدّ هجمات روسيا التي أثمرت في الأيام الأخيرة بالاستيلاء على باخموت.

موافقة بعد تردد

أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك اتفاقه مع نظيره الهولندي مارك روته، في 16 مايو/أيار، عن إطلاق مبادرة من أجل تسليم أوكرانيا المقاتلات الجوية الأمريكية F-16 تحت ما يسمى "تحالف الطائرات" أو "حلف المقاتلات الجوية" الذي شكّل محور الجولة الأوروبية التي قام بها الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي خلال شهر مايو/أيار الحالي.

ولقيت المبادرة البريطانية-الهولندية أخيراً الموافقة من قِبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أبلغ نظراءه في مجموعة السبع التي اجتمعت في هيروشيما اليابانية أنه يدعم "مبادرة مشتركة تهدف إلى تدريب طيارين أوكرانيين على طائرات مقاتلة من الجيل الرابع بما يشمل مقاتلات F-16".

وأوضحت الباحثة السياسية في معهد وودرو ولسون سابقاً هبة القدسي لـTRT عربي أن إدارة الرئيس بايدن كانت تجيب سابقاً بـ"لا" حاسمة على طلبات كييف المتكررة بالحصول على طائرات F-16 التي تصنّعها شركة لوكيهد مارتن، رغم الضغط الذي كان مستمراً وقتها من المشرّعين والعسكريين عليها لتسليم أوكرانيا تلك الطائرات المقاتلة.

وأضافت القدسي أن "أسباب الرفض الأمريكي كانت تتعلق بالخوف من استخدام كييف هذه الطائرات لضرب أهداف داخل روسيا، مما يعني تصعيد الصراع الذي قد ينتج عنه رد فعل روسي متهور قد يتطور إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية".

ويرى بدوره الباحث في الدراسات الإستراتيجية والجيوسياسية الدكتور نبيل كحلوش لـTRT عربي أن هذا "التردد الأمريكي تغير بعد تمكن روسيا بواسطة قوات فاغنر من السيطرة على باخموت وإعادة الربط البري بين دونيتسك ولوغانسك بما يشكل سيطرة على إقليم دونباس وتشكيل جبهة قتال تفوق 1200 كم".

وأضاف: "هذا التقدّم الروسي يصعّب الأمر على الأوكرانيين، خصوصاً في ظل التفوق الجوي الروسي، وخصوصية الأرض الطينية التي تعرقل الآليات البرية الأوكرانية بحيث أصبحت الحاجة إلى المقاتلات الجوية أكثر إلحاحاً".

وحول تغيّر نهج الرئيس الأمريكي جو بايدن، تفسّر هبة القدسي ذلك بأن "نهج إدارة بايدن تغير بعد نفاد الأسطول الأوكراني من الطائرات، إذ فقدت كييف منذ بداية الحرب ما لا يقل عن 60 طائرة من أصل 145 طائرة ثابتة الجناحين، و32 طائرة هليكوبتر من أصل 139 طائرة، وفقاً لتقارير الاستخبارات الأمريكية".

ولفتت القدسي إلى أن "كل الأسطول الأوكراني قديم، ومدى الطائرات أقل أربع إلى خمس مرات من الطائرات الروسية، وبالتالي لا يمكنه تحقيق إنجازات عسكرية حاسمة".

أما الباحث في الشؤون الإستراتيجية والأمنية رشيد علوش فيردّ سبب قبول إدارة بايدن بتسليم F-16 لأوكرانيا إلى أن "الولايات المتحدة لا تريد أن تنهزم في حربها ضد روسيا، ولا تريد أن تكون أوكرانيا في موقع ضعف في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع الروس، وهو ما استشعرته بعد سقوط باخموت، إذ استطاعت موسكو أن ترجح القتال لصالحها، الأمر الذي دفع واشنطن إلى القبول بتسليم F-16 لأوكرانيا من باب التطبيق الحرفي لنظرية التصعيد بالتدريج المطبَّقة من قِبل إدارة بايدن".

لماذا طائرات F-16؟

رغم أن "حلف المقاتلات الجوية" الذي تطالب به أوكرانيا يشمل مختلف الأسلحة الجوية، فإن التركيز على طائرات F-16 له دلالة تتعلق بميزات هذه الطائرة مقارنة بنظيراتها من المقاتلات.

وأوضح مدير موقع مينا ديفانس، أكرم خيف، لـTRT عربي أن استعانة كييف بـF-16 بسبب قدرتها على القيام بمهام مساندة لأي هجوم واسع تنفذه القوات الجوية الأوكرانية، إضافة إلى إمكانية العمل باعتبارها سلاحاً جوياً مهمته التصدي لغارات الطيران الروسي.

ويشير كحلوش في تصريحه لـTRT عربي إلى أن "طائرات F-16 تتميز بخفة الوزن، إذ تستطيع الوصول إلى أقصى ارتفاع لها وهو 15 كلم تقريباً في دقيقة واحدة، فضلاً عن قدراتها المتعلقة بالمناورات وقذف الصواريخ بشكل سلس بسبب خفتها وأحادية محركها، فهي واحدة من أصغر وأخف الطائرات متعددة المهام في العالم".

وأضاف كحلوش أن "من ميزاتها الفنية سرعتها المتجاوزة لـ2 ماخ (تقريباً 2400 كلم/سا)، وإمكانية التحكم في أقسامها الميكانيكية إلكترونياً، إضافة إلى قدراتها على التحليق لمدى طويل لتكون قاذفة قنابل".

وتصف القوات الجوية الأمريكية طائرة F-16 التي حلقت لأول مرة في السبعينيات خلال فترة الحرب الباردة بأنها "سلاح جوي منخفض التكلفة نسبياً وعالي الأداء".

وحسب دليل القوات الجوية العالمية لشركة Flight Globa لسنة 2013 توجد 2184 طائرة F-16 نشطة حالياً في جميع أنحاء العالم، ما يجعلها الطائرة الحربية الأكثر استخداما عالمياً بنسبة 15% من الأسطول العالمي للطائرات.

مدى التأثير ميدانياً

رغم الخطوات الغربية الداعمة لتزويد كييف بهذه الطائرات، فإن روسيا لم تُخفِ من مخاوفها حول قلب الموازين ميدانياً لصالح أوكرانيا، إذ حذرت الخارجية الروسية السبت الماضي الغرب من "مخاطر مهولة" إن زوّد أوكرانيا بطائرات مقاتلة من طراز F-16.

وفق ما أوضحه أكرم خريف لـTRT عربي، فإن طائرات F-16 "لن تستطيع إحداث تغييرات جذرية في موازين الحرب، بالنظر إلى أن كل الأسلحة المضادة للطيران الموجودة لدى روسيا يمكنها التصدي لطائرات F-16، كما أن مدى قصف طائراتها أطول من مدى قصف طائرات F-16، لكن أهميتها تبقى في إمكانية رفع فاعلية أداء القوات الأوكرانية، كونها قادرة على القيام بمهام مساندة وتصدٍّ".

ويعتقد علوش أن أهمية الحصول على طائرات F-16 تكمن في أنها "قد تشكل وسيلة اختراق في حال ما أحسن الأوكرانيون استخدامها، رغم عدم امتلاكهم الكفاءة اللازمة في قيادتها وصيانتها، وهو ما وقع سابقاً عند استعمال منظومة باتريوت التي فشلت في صد الهجمات الروسية".

وبسبب هذه المشكلة اتفقت الدول الغربية على أن يسبق تسليم F-16 لأوكرانيا إخضاع طياريها للتدريب، لأن الخبراء يعتقدون أن أوكرانيا لن تحصل على النوع القديم من F-16، إنما على النسخ التي خضعت لتحسينات في ما يتعلق بإلكترونيات الطيران والبرمجيات.

وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في اجتماع لوزراء دفاع دول الاتحاد في بروكسل: "أنا سعيد لأن تدريب طياري مقاتلات F-16 بدأ أخيراً في عديد من الدول، وسيستغرق ذلك بعض الوقت، كلما كان أقرب كان أفضل".

ورداً على سؤال حول الدول التي بدأت فيها التدريبات، أجاب بوريل: "بولندا على سبيل المثال".

وقال الضابط السابق في سلاح الجو الملكي الأسترالي بيتر لايتون لـCNN: "أعتقد أنه من الممكن تعليم طيار أوكراني قيادة طائرة F-16 في ثلاثة أشهر".

وأشارت CNN إلى أن "تدريب موظفي الصيانة لطائرة F-16 قد يستغرق شهوراً أو سنوات، اعتماداً على مستوى الكفاءة المطلوب"، وذلك وفق ما جاء في تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس (CRS) الذي يشير إلى أن المشرف في القوات الجوية الأمريكية حتى بعد خضوعه لما يصل إلى 133 يوماً من التعليم، فإنه في حاجة إلى عام من الخبرة في أثناء العمل ليصبح مؤهلاً تماماً لصيانة واستعمال F-16".

ويشير أكرم خريف إلى أن "تحول الطيارين الأوكرانيين من محاكاة الطائرات الروسية التي تشكل أساس سلاح الجو لكييف إلى محاكاة طائرات أمريكية يتطلب 4 أشهر من التدريب في الغالب".

وقال علوش لـTRT عربي إن "المشكلة التي ستواجهه كييف بعد حصولها على طائرات F-16 هي افتقادها البنية التحتية اللازمة لإقلاع هذه الطائرات، لأن أغلب المطارات دُمِّر، أو أن مدارجه ليست مخصصة لهذا النوع من المقاتلات الجوية".

وتوقع علوش أن يجري اللجوء إلى مطارات المدن الغربية كمدينة لفيف مثلاً، أو الإقلاع من دول أخرى، و"هو ما قد يُعتبر تدخلاً مباشراً من الناتو في الحرب، لكن اللجوء إلى هذا الخيار يبقى غير محبذ من عدة دول غربية"، حسب قوله.

وذكرت هبة القدسي لـTRT عربي أن "الموافقة الأمريكية على تسليم مقاتلات F-16 لأوكرانيا مشروط أيضاً بقيود، أهمها ألا تستخدم لتوجيه ضربات داخل الأراضي الروسية ويقتصر استعمالها في ضرب واستهداف الخصم داخل أوكرانيا".

TRT عربي