تابعنا
عندما قال الكاتب المصري الراحل أحمد خالد توفيق: "لو تصالح كل العرب مع إسرائيل لن أكون أنا ضمن القائمة بالتأكيد.. أنا من جيل أوشك أن ينقرض تعلم أن يكره إسرائيل بحق".

كان توفيق معبراً عما يجيش في صدور سائر الشعب المصري، الذي ينشأ الطفل فيه على أساس أن فلسطين قضية وطن وعقيدة وتاريخ.

أمواج غضب المصريين توالت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي ردود الأفعال الشعبية والمؤسسية على جميع المستويات، مع تصاعد وتيرة الأحداث في القدس المحتلة، فيما تصدر هاشتاج "أنقذوا حي الشيخ جراح" قائمة الأكثر تداولاً في مصر لأيام، تضامناً مع أشقائهم الفلسطينيين المرابطين في بيت المقدس ومدينة اللد، بالإضافة إلى من هم تحت القصف في قطاع غزة المحاصر.

الإرهاب الإسرائيلي

الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والمرجعية الدينية الأولى (الرسمية) في مصر، وصف ما يحدث في الأراضي المحتلة بـ(الإرهاب الصهيوني)، حيث قال في بيان عبر موقع فيسبوك: "إن اقتحام ساحات المسجد الأقصى المبارك، وانتهاك حرمات الله بالاعتداء السافر على المصلين الآمنين، ومن قبلها الاعتداء بالسلاح على التظاهرات السلمية بحي الشيخ جراح بالقدس وتهجير أهله، إرهاب صهيوني غاشم في ظل صمت عالمي مخز".

وفي 10 مايو/ آيار 2021، أدانت وزارة الخارجية المصرية الاعتداءات الإسرائيلية، في بيان تضمن رسائل متضامنة مع الشعب الفلسطيني، حيث أورد "كل عربي ينظر بفخر واعتزاز لأهل القدس، وما تعرض له المسجد الأقصى استفز مشاعرنا جميعاً" كما أضاف: "محاولات تغيير هوية القدس لم تكن لتمر مرور الكرام، وندعو الدول العربية للاصطفاف خلف القدس".

وبالتوازي كان الواقع الشعبي المصري المتضامن مع فلسطين والقدس، قائماً في رسائل السياسيين والفنانيين ولاعبي الكرة المتصدرين للرأي العام.

تصدر الفنان المصري الكوميدي محمد هنيدي، موقع تويتر، بعد أن غرد عن مأساة أهالي حي الشيخ جراح، مع الصمت العالمي، مطالباً بضرورة الوقوف إلى جانبهم في تلك المحنة.

أما لاعب نادي أرسنال الإنجليزي، المصري محمد النني، غرد عبر تويتر "قلبي وروحي ودعمي لك يا فلسطين".

وكذلك الفنان المصري محمد عادل إمام، وضع علم فلسطين على حسابه بموقع (انستغرام) وكتب "متضامن مع فلسطين.. أنقذوا حي الشيخ جراح".

من جانبه طالب السياسي المصري محمد البرادعي، في تغريدة له، الحكومات العربية بأن تأخذ زمام المبادرة لدعم القضية الفلسطينية، والشعب الذي انتهكت حقوقه، وقال: "لا حل سوى إنهاء الاحتلال" ثم اختتم بهاشتاج (القدس ينتفض).

التاريخ يمر من هنا

الأكاديمي المصري، الدكتور عطية عدلان، أستاذ الفقه الإسلامي، صرح لـ TRT عربي قائلا: "إذا كنت مصرياً وتقرأ تاريخ بلادك جيداً، فستعلم أن دائماً الطريق إلى تحرير بيت المقدس، يمر عبر القاهرة، عندما حررها الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، انطلق من القاهرة، وعندما أعاد تحريرها الملك الصالح نجم الدين أيوب، انطلق من القاهرة أيضاً".

وأضاف: "قضية فلسطين هي قضية الشعب المصري بكل طوائفه وتوجهاته الدينية والفكرية، ولا يمكن أن تنفصل عنه أو يسقطها من حساباته أبداً، فهناك توحد ما بين الشعب المصري وفلسطين والمسجد الأقصى، لذلك لم يكن مستغرباً مؤازرة أهالي حي الشيخ جراح، والاصطفاف ضد هجمات المستوطنين الصهاينة الأخيرة".

وأورد: "على مستوى الحكومات يجب أن نفرق بين الدعم الشعبي، والموقف الحكومي، لأن موقف المؤسسات الرسمية المصرية وإن كان جيداً في هذه اللحظة، لكنه جاء بسبب تقاطع مصالح بعيدة كل البعد عن قضية فلسطين، فموقف تل أبيب السيئ تجاه القاهرة في سد النهضة وفي شرق المتوسط، دفعها إلى تغيير استراتيجيتها في كثير من الملفات، منها ملف الأزمة الفلسطينية".

اختفاء فاعليات الأرض

الباحث السياسي المصري، أحمد مولانا، قال في حديثه لـTRT عربي إن "القضية الفلسطينية من القضايا الجامعة للمصريين، سواء إسلاميين أو قوميين أو ناصريين، فهي قضية جوهرية لا تقبل الاختلاف أو المساومة".

واستطرد: "لكن لا يجب أن نغفل أن الواقع الحالي في التفاعل أسوأ بكثير من الماضي، ففي زمن الرئيس السابق حسني مبارك، كانت تنطلق المظاهرات المؤيدة لفلسطين في القاهرة والمحافظات والميادين الكبرى، وكانت تخرج المسيرات بعد صلاة الجمعة من أجل الأقصى والقدس، حالياً لا يوجد كل ذلك تحت وطأة الوضع الأمني".

وذكر الباحث المصري أن "وجود تفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، أو البرامج الإعلامية، وكذلك دعم من الفنانيين والسياسيين لا يتخطى الواقع الإلكتروني، وهو أمر يحسب على النظام المصري وليس له".

وشدد: "يجب أن لا نغفل أن غزة تخضع لحصار مشدد، وهناك صعوبة بالغة في مرور الأدوية والمنتجات الغذائية والمساعدات من الجانب المصري، بالإضافة إلى التشديد على أي تجمع على الأرض داعم لفلسطين، على سبيل المثال نتذكر الشاب الذي رفع علم فلسطين في استاد القاهرة عام 2019، فجرى القبض عليه فوراً، وبالتالي هناك سياق مختلف ما بين التعاطي الشعبي المصري والسياسة الحكومية".

فلسطين في وجدان المصريين

الحزن والغضب الذي ولدته أحداث حي الشيخ جراح واشتباكات القدس في نفوس المصريين، كان طبيعياً على شعب كانت قضية فلسطين جزءاً أصيلاً من ثقافته وأدبياته، إذ إن عشرات الأعمال الدرامية والسينمائية المصرية شملت فلسطين، وتراث الأغاني المصرية محمل بالأهازيج عن فلسطين.

وعلى صعيد الأدب حين تقرأ أبيات الشعر التي تقول "لا تصالحْ ! ولو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما..هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى!"، قليل من يعرف أن مبدعها وقائلها هو الشاعر المصري (أمل دنقل) القومي العربي المولود في صعيد مصر، الذي نشأ كغيره من شباب القطر مولعاً ومتأثراً بالقضية الفلسطينية، وشاهداً على تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

وكان أدباء مصر المعاصرون من أبرز الذين تناولوا القضية الفلسطينية، وعلى سبيل المثال، الروائية والناقدة المصرية الراحلة (رضوى عاشور)، التي كتبت روايتها (الطنطورية) حيث سردت بأسلوب راق مفعم بالحس معاناة قرية الطنطورة الواقعة على الساحل الفلسطيني جنوب حيفا، حيث تعرضت هذه القرية عام 1948، لمذبحة على يد العصابات الصهيونية.

فيما يعد العالم المصري الموسوعي الدكتور عبد الوهاب المسيري أحد أهم الذين تحدثوا عن قضية فلسطين، وجابهوا الصهيونية العالمية.وهو صاحب كتاب "تاريخ الفكر الصهيوني: جذوره ومساره وأزمته"

وفيه تناول الدكتور عبد الوهاب المسيري بالعرض والتحليل تاريخ الفكر الصهيوني والحركة الصهيونية وجذورهما في الحضارة الغربية.

وتتبع في كتابه تاريخ فكرة الصهيونية قبل هرتزل وبلفور، والمراحل التي مرت بها حتى تبلورها في مطلع القرن العشرين، مع استعراض أهم التيارات الصهيونية وأوجه الاتفاق والاختلاف فيما بينها.

وكذلك هو مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين، والذي استطاع من خلاله إعطاء نظرة جديدة موسوعية علمية للظاهرة اليهودية.

TRT عربي