بشار الأسد  (AFP)
تابعنا

وهو مشهد يذكّر بتساؤلات السوريين حول جدوى اللجنة وتوقعاتهم منها، في ظل استمرار تعطيل عملها من قبل النظام السوري.

فقد اعتبر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أن اللجنة حققت تقدماً تمثل بالاتفاق لأول مرة بين مكوناتها على جدول أعمال الجولة الخامسة، قائلاً إنه لاحظ مع فريقه "أرضية مشتركة" حيال بعض القضايا بين المشاركين.

وأعرب عن سعادته بالتوصل أول مرة إلى اتفاق بشأن جدول الأعمال وموعد الاجتماع المقبل بين 25 و29 يناير، تحت موضوع "المبادئ الأساسية للدستور".

من جهته، اعتبر الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن المعارضة هادي البحرة بأن الجولة الأخيرة جرت في أجواء إيجابية "رغم نشوب بعض التوترات".

تسوية

وشهدت اجتماعات الجولة الأخيرة الكثير من التوتر والسجالات بين وفدي النظام والمعارضة، حيث قام أعضاء من وفد النظام بالعديد من "الاستفزازات" للطرف الآخر، حسبما أفاد مصدر سوري مطلع واكب المحادثات وتحدث لـTRT عربي مشترطاً عدم الإفصاح عن هويته.

واعتبر المصدر أن وفد النظام لم يبد أي مرونة أو جدية في التعاطي مع جدول الأعمال الرئيسي والمتمثل بمناقشة المبادئ الدستورية، مشيراً إلى أن الاتفاق على جدول أعمال وموعد الجولة المقبلة كان "تحصيل حاصل" نظراً لأن الجولتين الرابعة والخامسة أقرتها مع جدول أعمالهما سلفاً من قبل جميع الأطراف قبل انعقاد الجولة الأخيرة.

وأوضح أن النظام ومعه روسيا وإيران كان قد أصر على عدم الدخول في مناقشة المبادئ الدستورية قبل الاتفاق على ما يسميها بـ"المبادئ الوطنية"، أو "المبادئ ما فوق الدستورية" في محاولة متكررة لتعطيل عمل اللجنة، في حين كانت المعارضة تبدي تمسكها بضرورة الدخول مباشرة إلى صلب عمل اللجنة ومناقش الدستور ومبادئه، وانتهت جهود المبعوث الأممي بتسوية أدت إلى الاتفاق على تخصيص الجولة الرابعة لاستكمال بحث "المبادئ الوطنية" ليتم البدء بمناقشة "المبادئ الدستورية" في الجولة الخامسة، وفقاً للمصدر ذاته.

ويعود إصرار النظام على نقاش ما أسماه المبادئ الوطنية إلى رغبته بتحقيق هدفين، الأول كسب الوقت واستمرار التعطيل، والثاني استغلال المشاركة في الجولات كمنصة لتكرار سرديته حول المؤامرة، وتمرير رسائل مثل ربط العقوبات بالوضع المعيشي في سوريا، حسبما يرى وائل علوان الباحث السوري في مركز جسور للدراسات.

وقلل علوان، في حديث مع TRT عربي من أهمية تصريحات صادرة عن المعارضة تفيد بتحقيق تقدم خلال الجولة الأخيرة، مؤكداً أن "تفاؤل المشاركين من المعارضة إنما ينبع من مجرد إنجاز هذه الجولة وإن لم يحصل فيها أي توافق ولم تحمل أي مخرجات".

وأوضح أن الإيجابية التي أشارت إليها المعارضة هي فقط في "الوصول للجولة الخامسة" التي من المفترض أن يبدأ فيها نقاش المبادئ الدستورية.

عودة اللاجئين

رغم المساعي المستمرة للمبعوث الأممي غير بدرسون منذ أشهر للتوصل إلى اتفاق على تحديد موعد الجولتين الرابعة والخامسة فإنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف إلا بعدما أجرى الشهر الماضي مباحثات في العديد من العواصم المعنية بالملف السوري وبشكل خاص موسكو وطهران.

ويبدو أن مساعيه تلاقت هذه المرة مع رغبات حلفاء النظام والتي وضعت قضية عودة اللاجئين على رأس أولوياتها في المرحلة الحالية، في مسعى منهم لتطبيع الأوضاع في سوريا، وإقناع المجتمع الدولي بالمشاركة في إعادة الإعمار.

وجاءت جولة بيدرسون بعد أيام قليلة من انعقاد مؤتمر اللاجئين بدمشق في 11 و12 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، برعاية روسية ومشاركة محدودة من بعض الدول التي ترتبط بعلاقات جيدة مع النظام السوري، الأمر الذي حدا بروسيا إلى البحث عن تسويق المؤتمر بطرق مختلفة عبر مسار الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة.

وحول هذه النقطة تحديداً، يرى الباحث والمحلل السياسي وائل علوان أن النظام إضافة إلى التعطيل والمماطلة فإنه "يستثمر المنصة الأممية في طرح سرديته وتكرار الرسائل الروسية للمجتمع الدولي" مشيراً إلى أنه "في هذه الجولة تحديداً كان حاضراً المشروع الروسي في قضية اللاجئين، وكان واضحاً استثمار روسيا لمشاركة وفد النظام لطرح الموضوع في الاجتماعات الأممية بعد الشكل الهزيل الذي ظهر به المؤتمر الروسي الذي انعقد في دمشق".

تعثر اللجنة الدستورية

وفي ظل تعطيل عمل اللجنة الدستورية والمماطلة في تمكينها من أداء مهامها من قبل النظام وحلفائه والتعاطي الموسمي معها بحسب ما تقتضيه مصالحهم وما يتوافق مع أولوياتهم، يتجدد السؤال في أوساط السوريين حول جدوى استمرار اللجنة الدستورية وسقف توقعاتهم منها فضلاً عن تسويقها من قبل بعض القوى الكبرى على أنها قاطرة التغيير المنتظر في سوريا، وأن نجاحها سيؤدي بالضرورة إلى فتح باب الانتقال السياسي على مصراعيه وحل الصراع بالكامل.

وبحسب معن الطلاع، الباحث السياسي في مركز عمران للدراسات، يعود تعثر اللجنة إلى ثلاثة أسباب مترابطة، أولها تقييم اللاعبين الدوليين للمشهد السوري والتعامل معه بمنطق "إدارة الأزمة" وليس حلها، واعتبار المسرح السوري مسرح حرب باردة بين الأطراف، وهو ما استوجب التوصل لمستندات قانونية دولية (كالقرارات والبيانات) يغيب عنها التفسير الموحد لأجندتها التنفيذية، الأمر الذي صعب مهام المبعوثيين الدوليين وجعلهم يسيرون في هوامش ضيقة لا تلامس جذور الصراع ومسبباته بقدر ما تحاكي نتاج المشهد.

أما السبب الثاني، بحسب الطلاع، في حديثه مع TRT عربي، فهو مرتبط بحالة السيولة التي شهدتها العملية السياسية والتي بدأت من "هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية" كما ورد في بيان جنيف إلى لجنة دستورية بلا أي أجندة أو أفق زمني.

في حين أن السبب الثالث وفقاً للباحث السوري، فيعود إلى "مقاربة النظام" في التعاطي مع كل محطات العملية السياسية بما فيها الدستورية والتي تقوم على التمنع ثم القبول الشكلي ثم الانخراط بغية التمييع والتسويف والتعطيل وصولاً إلى التحكم أو تجاهل الاستحقاق، وهي المقاربة التي دعمها الروس أيضاً.

ويرى الطلاع أنه "لا يمكن التعويل" على اللجنة الدستورية في قيادة التغيير المنشور بسوريا، لأن "الإشكال الدستوري وإن كان أحد الإشكالات في الملف السوري إلا أنه ليس الإشكال الرئيسي". ويضيف أن التغيير السياسي لا يمكن أن يبدأ في سوريا من نص دستوري يوضع بظروف كهذه، بل هو أحد عناصر أجندة الهيئة الانتقالية التي بدورها تؤسس المناخ المحلي لإجراء ديناميات معينة لإنتاج لجنة تأسيسية لصياغة إعلان دستوري للمرحلة الانتقالية".

واعتبر أن مسيرة اللجنة الدستورية في شكلها الحالي هي "تعطيل لمشهد يعج بالاستحقاقات الإنسانية والسياسية"، وأنه "لا يمكن تجاوز ضرورة وجود لحظة سياسية جديدة في البلاد، لحظة يجري فيها الانتقال من سلطة الإجرام إلى سلطة مدنية ديمقراطية".

وما زالت المعارضة السورية تأمل أن تشكل الجولة الخامسة والمقبلة من أعمال اللجنة الدستورية تحولاً في المشهد العام، إذ إن من المرتقب أن تتناول المباحثات لأول مرة موضوع الدستور والمبادئ الأساسية التي سيبنى عليها، ما لم يكرر النظام ممارسة لعبته المفضلة في إغراق الطرف الآخر والمجتمع الدولي بالتفاصيل والاستفادة من السقف الزمني المفتوح.


TRT عربي