تابعنا
على ساحل البحر الأحمر في مدينة بورتسودان السودانية وعلى مشارف إدارة المواني، يتجمّع آلاف السوريين وغيرهم من جنسياتٍ أُخرى على أمل إجلائهم بعد التصعيد العسكري الذي تشهده البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ ما يقارب الشهر.

على ساحل البحر الأحمر في مدينة بورتسودان السودانية وعلى مشارف إدارة المواني، يتجمّع آلاف السوريين وغيرهم من جنسياتٍ أُخرى على أمل إجلائهم بعد التصعيد العسكري الذي تشهده البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ ما يقارب الشهر.

"إنها مراكز إجلاء حيث الأطفال والنساء والعائلات يفترشون الشوارع والأرصفة منتظرين آلية إجلاء لم تتضح بعد". بهذه الكلمات يصف الشاب السوري مؤنس (طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية) التجمعات الكبيرة من الناس والتي "تدعو إلى البكاء"، على حد وصفه.

كان مؤنس من سكان مدينة الخرطوم بعد سفره من سوريا عام 2016 للبحث عن فرصة عمل، حسبما يقوله لموقع TRT عربي، وبعد التوتر العسكري الذي اندلع في 15 إبريل/نيسان الماضي، لم يجد حلّاً سوى السفر إلى مدنٍ أخرى أقل توتراً مثل بورتسودان، إذ أعلنت سفارة النظام السوري إجلاء السوريين إلى جدة ومنها إلى سوريا.

يُبدي الشاب الثلاثيني استيائه من سوء الخدمات وقلِّة تنسيق السفارة في إجلاء الرعايا، ويقول لـTRT عربي عبر تسجيلات صوتية تُسمع بصعوبة بسبب قوّة الرياح في أثناء محاولته العثور على منزل لإيوائه "أسعار الإيجارات في بورتسودان أصبحت خيالية، إذ وصل سعر المنزل في الليلة الواحدة إلى 100 دولار أمريكي".

لم يكن مؤنس الحالة الوحيدة من السوريين التي دخلت دوامة جديدة من البحث عن بلدٍ جديد بعد سنوات من الحرب في سوريا تركتهم موزعين على دولٍ عدة، فعلى مدار الأيام الماضية، ناشد عديد من السوريين المقيمين في السودان بلداناً مثل مصر والسعودية تسهيل إجراءات دخولهم، وذلك بعد اشتداد المعارك والانفلات الأمني.

وكان السودان إحدى وجهات السوريين التي اختاروا السفر إليها منذ اندلاع الأزمة عام 2011، لسهولة إجراءات الدخول دون تأشيرة مُسبقة، قبل القرار الصادر عن الداخلية السودانية عام 2020 حين ألغت السلطات السودانية قرار السماح لحاملي جواز السفر السوري بالدخول بلا تأشيرة.

ووفق إحصائية الأمم المتحدة لعام 2021، يوجد ما يقارب 93 ألف سوري في السودان إلّا أنهم لا يُعاملون معاملة اللاجئين، إذ كان الرئيس السوداني السابق ،عمر البشير، يسمح للسوريين بدخول البلاد والعمل والإقامة دون تعقيدات وحصل حينها عديد من السوريين على الجنسية السودانية. لكن لاحقاً وبعد سقوط البشير أصبح السوريون مطالبين بإصدار إقامات.

بيانات خجولة ومحسوبيات بالجملة

لم تصدر وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري في الأيام الأولى من الاشتباكات أي بيان حول تفاصيل إجلاء المواطنين السوريين، إذ نقل موقع "أثر برس" السوري المحلي في 18 من أبريل تَعرُّض السفارة في الخرطوم لاعتداء مسلّح من قوات الدعم السريع.

وعبر بيان مقتضب صدر بعد عدّة أيام في 22 من أبريل، قالت الخارجية إنها "تتابع بقلق الأحداث الجارية، وتتابع باهتمام كبير وضع الجالية"، تلاها بيان آخر يشير إلى تنسيق الخارجية مع "دول شقيقة وصديقة" للمساعدة في عمليات الإجلاء، وأن السفارة السورية في الخرطوم بتوجيه من الخارجية سجّلت منذ اندلاع الأحداث قوائم بأسماء المواطنين الراغبين بالإجلاء، وهو ما حدث بالفعل إذ أجلت الجزائر والسعودية عدداً من السوريين.

لكن وحسب شهادات عديدة من سوريين عالقين، رأوا أن عمليات الإجلاء جرت وفق "واسطات" (أي من لديه معارف قويّة في السفارة السورية)، وهو ما يحمل دلالات على شبه فساد وفوضى في عملية الإجلاء وفقاً للأسماء المُسجّلة على القوائم.

وحسبما قاله الشاب مؤنس لـTRT عربي، وهو أحد المنتظرين دورهم في الصعود على الطائرة، فإن طائرات الإجلاء تركت المرضى وكبار السن والحوامل وأخذت أصحاب "الواسطات"، مشدداً على "سوء تعامل السفارة مع مواطنيها" في مثل هذه الأحداث.

بعض السوريون وجدوا من منصات التواصل الاجتماعي وسيلة للتعبير عن غضبهم عبر إطلاق مناشدات إذ جرى رصد عدد من التعليقات على صفحات "فيسبوك" الخاصة بوزارة الخارجية تنتقد إجراءات السفارة في التخلي عن مواطنيها وتركهم دون مأوى أو أكل وشرب في مدينة بورتسودان.

كما فعّل العديد من روّاد التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة وسم "#أنقذوا_السوريين_في_السودان" وجرى تداوله بكثرة خصوصاً على الصفحات الحكومية السورية الرسمية، وعلى مجموعات الجالية السورية على "فيسبوك".

أبو حسن، وهو رب أسرة مقيم في السودان منذ سبع سنوات، يصف أوضاع السوريين من أصدقائه في الخرطوم وبورتسودان قائلا: "لا حول لهم ولا قوّة"، ووفق اطلاعه على الأوضاع، فإن نحو سبعة آلاف سوري غادروا إلى بورتسودان، ويقول لـTRT عربي: "من لديه واسطة لدى النظام السوري يستطيع الدخول إلى الطائرة رغم بطء عمليات الإجلاء بشكل عام".

وبسبب الفوضى وغلاء أسعار المنازل والانتظار الطويل لا يُفضّل أبو حسن أن يُرسل عائلته إلى عملية الإجلاء في بورتسودان بل الانتظار "إلى أن تهدأ الأوضاع قليلاً وتقل الازدحامات"، على حد قوله. ففضلاً عن غلاء أجور النقل والمخاطر الأمنية من "تشليح" وسرقات فإن الطريق تستغرق 16 ساعة من الخرطوم.

وعن جوابه إن كان سيختار العودة إلى سوريا، قال: "لا أستطيع العودة بسبب المخاطر الأمنية ولكن يُمكنني فقط تأمين عائلتي".

وحول جهود حكومة النظام السوري لإجلاء المواطنين حتى الآن، أوضح المدير التنفيذي للجنة دعم العائلات السورية في السودان، مازن البيّات، في حديث لـTRT عربي أن السفارة السورية في السودان أجلت حتى الآن رحلتين إلى سوريا عبر طائرتين بعدد 361، كان منهم حالات مرضية وكبار سن، مؤكداً أنه "لا يخلو الأمر طبعاً من وجود محسوبيات وواسطات".

وأشار البيّات إلى أن تلك الرحلتان كانتا مجانيتان على حساب السفارة السورية، وبعد ذلك "توقّف الإجلاء المجاني"، وأضاف: " بعد ذلك كثرت الأقاويل حول عمليات إجلاء مدفوعة الأجر ورحلات عبر شركة بدر للطيران، وأن أبرز مشكلة واجهت السوريين هي ارتفاع سعر التذكرة الواحدة التي وصلت من 300 إلى 600 دولار أمريكي".

وحسب البيّات، كان للإجلاء مبادرتان سعودية ومصريّة، إذ اقترحتا إجلاء السوريين إلى أراضيهم ثم إلى سوريا أو أي بلد أُخرى يجري اختياره، إلّا أن البلدان وضعا شرط وجود قوائم مُجهّزة وموافق عليها من السفارة السورية في السودان، معتبراً أن وضع القوائم عطّل سرعة عملية الإجلاء.

إشكاليات تواجه العائدين

يواجه السوريون في الخارج عادةً مشكلات عدّة في العودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري، أبرزها التهديدات الأمنية التي تتجلى عبر الاعتقال غير القانوني والتعسفي. وبهذا الخصوص لفت البيّات إلى أن من "لديه خطر العودة إلى سوريا لا حل له سوى سفره إلى دولة أخرى، وفي حالة اللاجئين في السودان، أفضل خيار هو مصر".

ويتطلب دخول السوريين إلى مصر تصريحاً أمنياً، وموافقة دخول عبر المعابر والمنافذ البرية، وهو ما نشّط من عمل السماسرة الذين يعملون على استخراج الموافقات الأمنية مقابل مبالغ مالية مرتفعة، حسبما يُتداول على مجموعات "الفيسبوك".

أما من لديه جنسية سودانية من السوريين، فإن القانون المصري ينص على أن الدخول بدون فيزا يشمل فقط النساء والذكور ممن هم تحت الـ16 عاماً وفوق الـ50 عاماً، حسبما أوضحه مازن البيّات، الذي أشار إلى بروز "إشكالية تتعلق بافتراق العائلات لعدم استطاعة الأزواج دخول البلاد".

أما المشكلة الأُخرى التي تواجه الشُبّان المغتربين فهي قضية تخلّفهم عن الخدمة العسكرية الإلزامية، أو عدم دفعهم لـ"بدل الخدمة"، وهو ما دفع وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري إعلانها في 7 مايو/أيار/ الحالي إمكانية طلب فئات معيّنة من السوريين المقيمين في السودان "زيارة مغترب" تمكّنه الدخول إلى سوريا وتسوية وضعه.

من جهة أُخرى، يتطلب العودة إلى سوريا تصريف مبلغ 100 دولار أمريكي، وهو ما أثار مطالب بإلغاء هذه الرسوم بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعانيها السوريون في السودان.

الشاب السوري سعيد حازم (اسم مستعار لأسباب أمنية) والموجود الآن في منطقة بورتسودان تحدّث بدوره لـTRT عربي عن أن عديداً من السوريين ليس لديهم الوثائق الرسمية الكاملة بسبب خروجهم المفاجئ من الخرطوم، فيوجد من لديهم جوازات سفر منتهية الصلاحية، وآخرون جوازاتهم في السفارة بداعي التجديد أو شؤون الأجانب في الخرطوم، مؤكداً أن هذا الأمر أصبح عائقاً لعملية الإجلاء.

واعتبر سعيد أن حل هذه المشكلة "منوط بالسفارة السورية التي يجب أن ترعى شؤون المواطنين السوريين، وإيجاد حلول مثل تمديد جوازات السفر أو إعطاء أوراق عبور"، وطالب بتسيير "رحلات عاجلة ومجانية للسوريين خاصة لإجلاء النساء والأطفال وكبار السن والمرضى والحوامل".

"بين ليلة وضحاها تبدّل كل شيء"

"عندما بدأت الاشتباكات كنّا ذاهبين إلى العمل كأي يوم طبيعي.. وفجأة بين ليلة وضحاها تبدّل كل شيء"، هكذا يصف أبو حسن تفاصيل الأيام الأولى من الاشتباكات التي أفزعت الناس نتيجة أصوات الاشتباكات القوية يومياً.

ويتابع، "الوضع كان سيئاً جداً إذ لا متاجر تعمل أو حركة للناس في الطرقات.. فقط أصوات اشتباكات.. سوريين، اعتدنا على هذه الأصوات، لكننا نخشى الفوضى والقتل العشوائي والسرقات".

ومع احتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفرار عديد من الأهالي، أصبحت العاصمة الخرطوم مهجورة ومعرّضة للسرقات والنهب، وفق شهادات أشخاص تواصل معهم موقع TRT عربي، زاد الأمر حدّة الانفجارات المتواصلة دون الوصول إلى اتفاق على ممر إنساني بين الطرفين، حسب "فرانس برس".

ويؤكد المدير التنفيذي للجنة دعم العائلات السورية في السودان، مازن البيّات، لـTRT عربي، أن "أوضاع السوريين سيئة جيداً بعد فقدان عديد منهم أعمالهم ومصادر دخلهم"، وأضاف أن "أبرز المشكلات التي تواجه الجميع هي انعدام الأمن والأمان، فالرصاص الطائش يستهدف المدنيين عشوائياً، وعصابات السرقة والنهب لم تترك شيئاً".

ولا أرقام دقيقة بعد عن أعداد الضحايا من السوريين إثر الاقتتال حتى ساعة إعداد التقرير، لكن وفق إحصائيات أولية فإن الأعداد تتراوح بين 10 و15 شخصاً، حسب البيّات.


TRT عربي