تابعنا
كان لجماعات الضغط الأرمنية دور أساسي ومحوري للغاية في قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أيّد المزاعم الأرمنية بوصفه لأحداث عام 1915 بـ"الإبادة الجماعية".

وذلك خلافاً للرؤساء السابقين الذين قرّروا استخدام تعبير "كارثة عظيمة" على مدار قرن من الزمن، إذ فضّلوا الحفاظ على العلاقات مع تركيا، بسبب أهميتها الاستراتيجية وعضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

بدوره استنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتراف واشنطن بالمزاعم الأرمنية، وأضاف قائلاً: "نعتقد أن الوصف الذي استخدمه بايدن جاء نتيجة لضغوط الجماعات الأرمنية المتطرفة والمعادية لتركيا"، كما تساءل أردوغان مستغرباً: كيف لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن يفضّل اللوبي الأرمني على تركيا الحليف الاستراتيجي لحلف الناتو؟

ولم يقتصر تَستُّر اللوبي الأرمني على الإرهاب والمجازر المرتكَبة بحق الأتراك قبل قرن من الزمن، بل تواصل التستر على الهجمات الإرهابية التي شنّتها العصابات الأرمنية أمثال "ASALA" و"JCAG" في سبعينيات القرن الماضي، والتي استهدفت دبلوماسيين أتراكاً في السفارات التركية حول العالم، إذ راح أكثر من 31 دبلوماسياً تركياً إضافة إلى عائلاتهم ضحايا لهذه الهجمات.

واليوم، يتستَّر اللوبي الأرمني على العمليات الإرهابية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وخارجها، ويقدّم الدعم المالي والإعلامي والسياسي للحزب داخل الولايات المتحدة وأوروبا. في المقابل، يعترف حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ويقر بالمزاعم الأرمنية لحدوث إبادة جماعية بحق أسلافهم.

اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة

وتُقدَّر أعداد الأرمن اليوم حول العالم بنحو 9-10 ملايين، في حين يعيش 3 ملايين منهم في أرمينيا، ويعيش نحو مليونَي أرمني في روسيا ونحو مليون آخرين في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى فرنسا وسوريا ولبنان. في حين أن اللوبي الأرمني في روسيا هو المهيمن بشكل خاص على قطاع الإعلام، نجح أيضاً بالتأثير في السياسيين الفرنسيين لاعتماد قانون خاص في عام 2012 يجرّم حتى إنكار ما يسمى بالإبادة الجماعية، وذلك بعد لعب اللوبي الأرمني دوراً مهماً في إقناع البرلمان الفرنسي بقبول ما يُسمَّى بمزاعم الإبادة الجماعية إبان الحرب العالمية الأولى بين عامَي 1915 و1917.

وفي السنوات الأخيرة، ومع وصول أعداد الأرمن إلى نحو مليون داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ولتركيز نفوذهم وسيطرتهم على دوائر انتخابية حاسمة، بالإضافة إلى قوتهم المالية في تلك الدوائر، برز دور اللوبيات الأرمنية داخل أروقة مراكز صناعة السياسة الأمريكية في واشنطن، حالهم كحال جماعات الضغط اليهودية واليونانية القوية.

وعلى الرغم من العمل النشط الذي تقوم به اللوبيات الأرمنية في العديد من البلدان الغربية كروسيا وفرنسا، فإنها تعمل بنشاط أكبر داخل الولايات المتحدة، التي سنّت القوانين واللوائح المختلفة لتشريع أعمال الضغط التي تقوم بها اللوبيات المتعددة، إذ تختلف عن البلدان الأخرى في منحها مساحة أوسع لجماعات الضغط العرقية والدينية، إذ تشكّل أنشطة الضغط الأرمني التي تعمل وفق التشريعات القانونية الأمريكية ديناميكية مهمة جداً في صناعة السياسات الخارجية الأمريكية ضد خصمَي أرمينيا التقليديَّين تركيا وأذربيجان.

وزاد نفوذ اللوبي الأرمني في السياسة الأمريكية منذ أوائل السبعينيات، إذ نجح اللوبي بأن يكون أكثر تأثيراً وحسماً بعدما اجتمعت جميع المنظمات الأرمنية في أمريكا تحت مظلة الجمعية الأرمنية-الأمريكية (Armenian Assembly of America - AAA) عام 1984، واللجنة الوطنية الأرمنية-الأمريكية (Armenian National Committee of America - ANCA) التي تُعَدّ أكبر جماعة ضغط أرمني تنشط داخل الولايات المتحدة وخارجها.

ولطالما كانت علاقات اللوبي الأرمني مع الكونغرس الأمريكي قوية للغاية من خلال علاقته بكلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. على الرغم من محدودية مواردهم المالية وأعداد سكانهم في أمريكا، فإن الأرمن من خلال توصيفهم أنفسهم كمجتمع ينتمي إلى الدين والثقافة الغربية تمكّنوا من الحصول على دعم من المجتمع الأمريكي، كما أن تركزهم في مناطق انتخابية معينة ومشاركتهم الشخصية في الحملات الانتخابية جعل منهم مجتمعاً فعَّالاً في الولايات المتحدة. ويُذكر أن اللوبي الأرمني نجح في معظم الأوقات في استمالة اللوبي اليوناني القوي للعمل معه ضد المصالح التركية.

قوة التأثير

منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ازدادت شهرة اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب الزيادة الكبيرة في عدد المنظمات الأرمنية والأنشطة المختلفة التي تنظّمها، إذ تتمثل الأنشطة الرئيسية للجماعات الأرمنية داخل الولايات المتحدة الأمريكية في المساعدة لتطوير الثقافة الأرمنية، وضمان العلاقة الوطيدة بين المجتمع الأرمني والمجتمع الأمريكي في القضايا الثقافية والتاريخية والدينية، إذ ساعدت هذه الأنشطة جماعات الضغط الأرمنية على التأثير في مجريات السياسة الداخلية من خلال مشاركتهم الكاملة في النظام السياسي الأمريكي.

وكما هو حال قدرة جماعات الضغط الأرمنية من التأثير على مشرّعي السياسات المحلية من خلال الأنشطة والفاعليات الثقافية، بالإضافة إلى الاستفادة من مشاهير التواصل الاجتماعي من أصل أرمني لنشر الدعاية الأرمنية بين أفراد المجتمع الأمريكي، يحاول اللوبي الأرمني التأثير في الكونغرس الأمريكي في ما يتعلق بقرارات السياسة الخارجية أيضاً. ويبرز هذا التأثير من خلال المساعدات الأمريكية المقدمة لأرمينيا، وتقديم الدعم الأمريكي ليريفان في نزاع ناغورنو في قره باغ، ومحاولات التأثير السلبية في علاقات واشنطن الاستراتيجية مع كل من أنقرة وباكو.

وعلى الرغم من النجاح المتأخر للجماعات الأرمنية بالحصول على الاعتراف الأمريكي الذي يؤيد المزاعم الأرمنية بحصول إبادة جماعية للأرمن إبان الصراع الأرمني العثماني عام 1915، فإنها نجحت خلال العقود المنصرمة في إقناع 46 ولاية أمريكية لتبني هذه المزاعم، إضافةً إلى الكونغرس الذي أقرّ مصطلح الإبادة عام 2019.

ويُذكر أن التقارب الأرمني مع جماعات الضغط اليهودية (AJC) دفع واشنطن إلى الاعتراف وتبنّي المزاعم الأرمنية، إذ اعترف المجلس اليهودي للشؤون العامة بالإبادة المزعومة عام 2015، وأيّدَت اللجنة اليهودية الأمريكية داخل مجلس النواب الأمريكي قرار الاعتراف أيضاً. وعلاوةً على التقارب مع اللوبي اليهودي شكّل اللوبي الأرميني تحالفات فاعلة مع الجماعات الكردية في أمريكا وأوروبا.

العصابات الأرمنية تنشط تحت ظل اللوبيات

تشكل اللوبيات الأرمنية في الولايات المتحدة وأوروبا غطاءً سياسياً للعصابات الأرمنية ولأنشطتها الإرهابية.

وما زالت العصابات الأرمنية نشطة حتى الآن في أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص، إذ يتعرض أفراد الجالية التركية لاعتداءات متكررة يقوم بها أفراد من العصابات الأرمنية تحت أنظار السلطات الأوروبية التي لا تحرّك ساكناً أمام هذه التجاوزات، وذلك بفعل النفوذ السياسي لجماعات الضغط الأرمنية في تلك البلدان. ويُذكر أن فرنسا فتحت أبوابها لعودة أرمن كانوا يقاتلون في الحرب الأخيرة في قره باغ بلا محاسبة.

وبنفس الطريقة التي تَستَّر بها اللوبي الأرمني على الأعمال الإرهابية التي قامت بها التنظيمات الإرهابية منذ سنوات، يتستر اللوبي الآن على المجازر التي يرتكبها حزب العمال الكردستاني الإرهابي. واللوبي الذي كان يرسل المال إلى منظمة "ASALA" سابقاً يدعم اليوم حزب العمال الكردستاني الإرهابي مالياً وإعلامياً، وبطبيعة الحال سياسياً.

TRT عربي