تابعنا
لا يزال الهجوم الذي شنّته إيران على إسرائيل قبل أيام قليلة، رداً على ضرب جيش الاحتلال للقنصلية الإيرانية في دمشق، يثير ردود فعل دولية متباينة، ويطرح أسئلة حول ما ستؤول إليه التطورات بعده، وهل سيفتح حرباً واسعة بين البلدين؟

شنّت إيران وحلفاؤها يوم السبت 13 أبريل/نيسان الجاري هجوماً واسعاً باستخدام الصواريخ المجنّحة والباليستية والطائرات المسيّرة، استهدفت به مواقع إسرائيلية، رداً على قيام طيران الاحتلال بقصف السفارة الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الجاري، ما أدى إلى مقتل ما يناهز 16 شخصاً، بما في ذلك سبعة من أفراد الحرس الثوري بينهم ضابطان كبيران.

وتعدُّ هذه التطورات سابقة في مسلسل المواجهات بين طهران وتل أبيب، إذ تأخذ طابعاً مباشراً ومعلناً، في وقت كانت تجري سابقاتها بالوكالة، اعتماداً على حلفاء إيران في المنطقة، وحسب ما أعلنت الحكومة الإسرائيلية فقد استطاع جيش الاحتلال بإسناد من حلفائه الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين في صدّ 99% من القوة النارية للهجوم الإيراني.

وعلى الرغم من إصرار الخطاب الرسمي الإيراني في أعقاب الهجوم على التأكيد بأنه كان رداً على استهداف القنصلية، أظهرت حكومة نتنياهو مؤشرات على رغبتها في الردّ عليه، وبفتح مسلسل من الهجمات المتبادلة بين البلدين، وهذا ما يتوافق مع رأي عدد من المحللين، إذ يقولون إن هذا الهجوم غيّر طبيعة المواجهة بين إيران وإسرائيل وقواعد الاشتباك بينهما، كما يطرح أسئلة حول ما ستؤول إليه هذه التطورات، وإمكانية اتساعها لتتحول إلى حرب مفتوحة بين البلدين.

رسالة الهجوم الإيراني

في مساء 13 أبريل/نيسان استهدفت إيران مواقع في إسرائيل بنحو 300 طائرة مسيرة انتحارية وصاروخ باليستي ومجنّح، بالإضافة إلى ضرب حزب الله اللبناني أهدافاً في الشمال الإسرائيلي باستخدام صواريخ "كاتيوشا" قصيرة المدى، من بينها مرابض المدفعية وبطاريات القبة الحديدية.

وأفاد جيش الاحتلال الإسرائيلي في الساعات الأولى من صباح الأحد 14 أبريل/نيسان أن إسرائيل وحلفاءها نجحوا في صدّ 99% من الطائرات من دون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران، وفي المقابل أصرّ الخطاب الرسمي الإيراني على إعلان انتصاره في الردّ على الاعتداء الإسرائيلي على قنصلية البلاد في دمشق.

ويرى المحلل السياسي قحطان الشرقي أن طهران "نجحت في إبلاغ رسالتها المرجوة من الهجوم"، مشيراً إلى أن "المراد من الهجوم لم يكن تحقيق نجاحات ميدانية، بقدر ما هو إبلاغ رسالة سياسية قوية للغرب وللشرق الأوسط ولجبهته الداخلية وحلفائه في المنطقة".

ويضيف الشرقي لـTRT عربي أن "الهجوم حمل رسالة للغرب وللولايات المتحدة وإسرائيل على وجه الخصوص، بأن إيران هي القادرة على ضبط الإيقاع في المنطقة، وقادرة على السيطرة على الميليشيات في المنطقة؛ سواء في سوريا أم في العراق أو في لبنان أو في دول أخرى، وأن إيران متحكمة بشكل كامل في طريقة الرد على إسرائيل، وأنها تعمدت عدم إسقاط ضحايا من أجل استخدام هذه الورقة في التفاوض".

إقليمياً -حسب الشرقي- حمل الهجوم رسائل مفادها أن "إيران هي اليد الطولى في المنطقة، وعلى الجميع أن يحسب لها الحساب"، أما على المستوى الداخلي وحلفائها في "محور المقاومة" فقد حمل رسالة ثالثة "أكدت إيران أنها وعدت ونفّذت وعدها".

ويشدّد المحلل السوري أنه من ناحية الأهداف "نجحت إيران في تحقيق أهدافها السياسية والإعلامية، أكثر من الأهداف العسكرية، وبعثت رسالة أن أي استهداف لها لن يمر من دون رد".

وفي المقابل وعلى المستوى الميداني يرى الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء محمد علي الصمادي أن الهجوم الإيراني نجح في تكبيد إسرائيل خسائر ميدانية، مبيناً أن "هناك إثباتات وشهود عيان تفيد بأن الرواية الإسرائيلية (عن صدّ الهجوم) غير صادقة وغير دقيقة".

ويشير الصمادي في حديثه مع TRT عربي إلى تصريحات سابقة لمسؤول أمريكي، بأن "تسعة صواريخ إيرانية على الأقل اخترقت الدفاعات وأصابت قاعدتين جويتين"، وأن "خمسة صواريخ باليستية أصابت قاعدة نفاتيم، وأدت إلى تدمير طائرة نقل من طراز سي 130 ومدرج غير مستخدم ومستودعات التخزين"، بينما كان استهداف هذه القاعدة "المقصد منه هو ضرب القاعدة التي انطلقت منها الطائرات التي قصفت القنصلية الإيرانية بدمشق".

من جانبه يرى المحلل العسكري الجزائري أكرم خريف أنه "في الوقت الحالي، لا يمكن التعرّف على نيات إيران الأصلية من خلال الهجوم، ولا يمكن سوى التكهن بها".

وفي حديثه مع TRT عربي يعرب خريف عن اعتقاده بأنهم "كانوا يسعون إلى تحقيق أهداف عدّة، مثل احترام أعراف الحرب التي تقول إنه عندما تتعرض لهجوم وتسعى للرد من دون تسبب في تصعيد لا يمكن إصلاحه، يجب الهجوم على القيادة العامة للوحدة التي نفذت الهجوم، وفي هذا الصدد نجحت إيران في ضرب قواعد الطيران في رامون ونفاتيم في النقب".

أما الهدف الثاني، فيوضح خريف أنه "اختبار الدفاعات الإسرائيلية على نطاق واسع، كما استجابة حلفاء إسرائيل، وهنا كشفت قدرات التدخل للولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأخرى التي شهدنا تدخلها (في صد الهجوم)"، لافتاً إلى أنه من الناحية الإعلامية "نجحت إيران في تحقيق المبادرة الإعلامية لفترة طويلة، وفرضت جواً من الخوف في إسرائيل لمدة أسبوعين".

هجوم من شأنه أن يغيّر قواعد الاشتباك!

ويوضح اللواء محمد علي الصمادي أن المكسب الكبير لإيران من هذا الهجوم هو المعلومات الاستخبارية التي نجحت في تجميعها عن القدرات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، لافتاً إلى أن "إيران حصلت على كنز استخباري، واستطاعت أن تبني خريطة لأنظمة الرادارات والدفاع الجوي الإسرائيلي، بعد أن بقيت هذه المنظومة مفعلة ونشطة لقرابة ثماني ساعات".

ويضيف الخبير العسكري والاستراتيجي أنه "على الرغم من تشويش أنظمة الأقمار الصناعية GPS، نجاح تسعة صواريخ من اختراق منظومة الدفاع الجوي، وإصابة خمسة صواريخ لقاعدة نفاتيم وإحداث أضرار بها، ما مفاده بأنه بإمكان إيران في المستقبل شنّ عمليات أكثر كثافة باستخدام المسيّرات والصواريخ، ما قد يحدث خسائر أكبر لإسرائيل، في حال أرادت إيران ذلك".

وفي السياق ذاته يؤكد المحلل السياسي والمحاضر في معهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا سليمان الزواوي أن الهجوم الإيراني الأخير من شأنه أن يغيّر في طبيعة المواجهة بين طهران وتل أبيب، كما أنه شكّل قواعد اشتباك جديدة بينهما.

ويضيف الزواوي لـTRT عربي أن "الاستراتيجية الإيرانية في الصراع مع إسرائيل كانت تجري دائماً من خلال الحرب بالوكالة، اعتماداً على أذرعها ومليشياتها الطائفية، من أجل مواجهة إسرائيل وكسب التعاطف العربي والإسلامي، وبالتالي تعد هذه الضربة سابقة من نوعها".

ويبيّن أن "الهجوم أظهر أيضاً التقدم النوعي الذي وصلت إليه الصناعة العسكرية الإيرانية، وخصوصاً فيما يتعلق بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية ودقة توجيهها، إذ نجحت تسعة صواريخ في اختراق منظومة الدفاع الجوي، وتحدت التشويش على أنظمة التوجيه بالأقمار الصناعية (...) رغم أن القدرة التفجيرية لم تثبت لحد الآن فاعليتها، وقد رأينا بعض التفجيرات، لكن على الأرض لم نستطع حصر عدد القتلى في ظل تضارب الروايات".

لكن يشدّد الزواوي على أن "الأمر موكل للرد الإسرائيلي، الذي يمكن أن يؤكد (في حال وقوعه) تغير طبيعة المواجهة من الحرب بالوكالة إلى الحرب المباشرة".

عملية محدودة أم حرب واسعة؟

وعقب الهجوم سارعت إسرائيل إلى التوعد بالرد عليه، إذ نقلت وكالة رويترز عن مصدر حكومي إسرائيلي قوله إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد استدعى الاثنين 15 أبريل/نيسان الجاري، مجلس حربه للمرة الثانية خلال أقل من 24 ساعة، من أجل تقييم الرد على الهجوم الإيراني الصاروخي.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين في القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل بأن إسرائيل قررت الرد "بشكل حاسم وواضح" على الهجوم الذي نفذته إيران السبت الماضي، وسيكون بطريقة لا تؤدي لاشتعال المنطقة. وهو ما ردده أيضاً رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي في أثناء وجوده في قاعدة نفاتيم، وقال إن بلاده سترد على الهجوم الإيراني، من دون أن يكشف عن أي تفاصيل إضافية بهذا الخصوص.

وفي هذا الصدد يتوقّع المحلل العسكري أكرم خريف أن أهداف الرد الإسرائيلي "من المحتمل أن تكون على شكل عمليات الاغتيال المستهدفة ومحاولات التخريب ضد الجهاز العسكري الإيراني".

ويعتقد خريف أن عمليات إسرائيل "قد تركز على لبنان وسوريا، وتستمر بتنفيذ العمليات السرية في إيران"، عازياً هذه التوقعات إلى "خفوت رغبة الجانب الأمريكي في الحرب، ما قد يجعل من غير المرجح توجه تل أبيب مباشرة نحو طهران".

ومن شأن الرد الإسرائيلي أن يفتح المواجهة بشكل مباشر، وأن يحولها إلى حرب واسعة، إذ أكّدت الخارجية الإيرانية على لسان وزيرها حسين أمير عبد اللهيان أن الهجوم يأتي في إطار "الدفاع عن النفس وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بعد استهداف إسرائيل بوحشية" القنصلية الإيرانية في دمشق.

وحذّر عبد اللهيان قائلاً: "إيران لا تريد تصعيد التوتر في المنطقة، لكن إذا كان النظام الإسرائيلي يبحث عن المغامرة، فإن ردّنا التالي سيكون أسرع وأقوى وأوسع".

وترى الصحفية المختصة في الشأن الإيراني شيماء علي أنه "انطلاقاً من المؤشرات القادمة من طهران، فإيران لا تريد استمرار المواجهة، بل بالعكس، فالضربة الإيرانية جاءت محدودة ومدروسة بعناية من أجل خفض التصعيد".

وتشير شيماء في حديثها مع TRT عربي إلى أن "القيادة الإيرانية تخشى ردّ فعل إسرائيل، لذلك أعلن قائد الحرس الثوري حسين سلامي عن بدء المعادلة الجديدة في المواجهة مع إسرائيل، أي تغيير قواعد الاشتباك وخروج الحرب بين طهران وتل أبيب من الظل إلى العلن، وهذا سيدفع طهران فيما بعد للرد سريعاً وبشكل أكبر على أي استفزازات إسرائيلية".

وحول السيناريوهات المطروحة في إيران لما بعد الهجوم، تعتقد الصحفية المختصة في الشأن الفارسي أنها "تتوقف على رد فعل إسرائيل، إذا أصرت تل أبيب على الرد، وشنّت هجوماً على الأراضي الإيرانية، حينها ستكون طهران مضطرة لرد أكبر من السابق، وسيكون لحلفائها في المنطقة دور أكبر، وخاصة حزب الله اللبناني".

وتلفت شيماء إلى أنه "في أكثر السيناريوهات تطرفاً، ستلوح طهران بمسألة تطوير سلاح نووي للدفاع عن نفسها، وللضغط على الغرب وواشنطن لردع إسرائيل".

TRT عربي