تابعنا
منذ بدء الحرب البرية الإسرائيلية على غزة ينشر جنود الاحتلال صوراً على منصات التواصل الاجتماعي وهم يرفعون العلم الإسرائيلي أو يكتبون شعارات على جدران المباني تدعو للاستيطان في مناطق وصل إليها الجيش شمالي القطاع.

تصاعدت الدعوات من اليمين المتطرف في إسرائيل خلال الحرب الحالية إلى ضرورة احتلال قطاع غزة وإعادة الاستيطان فيه، وذلك بعد 19 عاماً على الانسحاب الأحادي منه.

وتزعم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، تلك الدعوات، إذ قال في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إنه "تجب إعادة احتلال قطاع غزة وإحياء الاستيطان فيه"، فيما لم يستبعد وزير التعليم من حزب الليكود الحاكم يوآف كيش التحرك لإعادة المستوطنات إلى غزة.

لكنَّ التحرك الأبرز تمثل في تنظيم جمعيات استيطانية وأحزاب اليمين المتطرف "مؤتمر النصر" نهاية يناير/كانون الثاني الماضي للترويج لإعادة الاستيطان في القطاع وشمال الضفة الغربية، بمشاركة 12 وزيراً بينهم أعضاء بالليكود و15 نائباً في الكنيست، وفق هيئة البث الإسرائيلية.

انقسام إسرائيلي وتنديد فلسطيني

على الصعيد الرسمي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الحكومة لا تنوي إعادة احتلال القطاع أو الاستيطان فيه، معتبراً إياه أمراً غير واقعي، لكنه أكد في أكثر من مناسبة على أن "إسرائيل تريد السيطرة الأمنية على قطاع غزة لفترة طويلة".

كما نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وعد واشنطن بأنه لن يسمح بأي إعادة استيطان، أو إقامة مستوطنات جديدة بقطاع غزة خلال فترة ولايته.

في الجهة المقابلة، عدّ زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، تنظيم مؤتمر إعادة الاستيطان عدم مسؤولية فظيعة، ورأى أنه يسبب ضرراً دولياً لإسرائيل، ووصمة عار لنتنياهو.

فلسطينياً، نددت وزارة الخارجية بالمؤتمر، وقالت في بيان إن "الاجتماع الاستعماري بالقدس تحدٍّ سافر لقرار (العدل الدولية)، وتحريض علني على تهجير الفلسطينيين بالقوة".

بدورها قالت حركة حماس، إن المؤتمر يكشف عن نيات تطبيق "جريمة التهجير والتطهير العرقي" ضد الفلسطينيين، ويعكس "استخفافاً بقرارات العدل الدولية" بحق إسرائيل.

ومنذ بدء الحرب البرية الإسرائيلية على غزة ينشر جنود الاحتلال صوراً على منصات التواصل الاجتماعي وهم يرفعون العلم الإسرائيلي أو يكتبون شعارات على جدران المباني تدعو للاستيطان في مناطق وصل إليها الجيش شمالي القطاع.

وفي سياق تلك الدعوات حضر اسم "غوش قطيف" في أوساط ساسة وجنود إسرائيليين، وهو تجمع استيطاني كان مقاماً على امتداد ساحل قطاع غزة من جنوبه إلى وسطه، ويضم 21 مستوطنة، وكان يسكنه 8600 مستوطن، ويحتل نحو 35% من مساحة القطاع، قبل أن تفككه إسرائيل عام 2005 في إطار انسحاب أحادي.

خطة غير قابلة للتطبيق

ويقول أستاذ الإعلام في جامعة النجاح الفلسطينية الدكتور فريد أبو ضهير، إن أفكار اليمين المتطرف الإسرائيلي وتوجهاته قائمة على أساس ديني بحت وتفسير متطرف للنصوص الدينية.

ويضيف أبو ضهير لـTRT عربي، أن أحزاب اليمين تتصرف على هذا الأساس، فلا حسابات لديها أو توازنات أو ضغوط أو علاقات خارجية تحكم قرارها السياسي.

ويؤكد أن خطاب اليمين الإسرائيلي شعبوي يستهدف استقطاب الناخبين؛ لأن المجتمع الإسرائيلي يحب الفانتازيا غير المألوفة ويميل إلى التطرف بشكل كبير، ولذلك استطاع الوصول إلى سدة الحكم في الانتخابات الأخيرة.

ويعتقد أستاذ الإعلام أن نيات اليمين الإسرائيلي جدية ولكنها غير واقعية بسبب وجود معارضة إسرائيلية داخلية وفلسطينية وعربية وغربية وأمريكية، مستدركاً بالقول: "هذه المعارضة لن تكون فاعلة إلا بصمود الفلسطينيين وقدرتهم على المواجهة والتحدي وعدم الخضوع لمثل هذه السياسات".

ويؤكد أبو ضهير أن صمود الفلسطينيين سيعزز الموقف الدولي المتقلب وسيكون الصخرة التي ستتحطم عليها هذه الأوهام، "وأي وهن فلسطيني قد يؤدي إلى تقدم اليمين بهذه الأفكار مثل استجابة البعض للهجرة الطوعية أو القسرية أو الخضوع للضغوط التي تحدث نتيجة الحصار والتجويع، فهذا سيكون بداية تحقيق أوهام اليمين".

ويصف رفض عواصم غربية دعوات اليمين إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزة، بأنه "كلام في الهواء وكتابة على الورق، وليس له رصيد سوى صمود الفلسطينيين مع غياب أي تأثير للموقف العربي".

ويلفت أبو ضهير إلى أن الغرب لا يتحرك إلا بوجود شيء ملموس، وما يهدد استقرار المنطقة وأمن إسرائيل، مشيراً إلى أن السياسة الغربية لا تستجيب لأي مناشدات مثلما تفعل السلطة الفلسطينية، وأن الاحتلال يؤمن بأن واشنطن لن تضغط عليه أو تُجبره على قرار أو سياسة معينة تجاه القضية الفلسطينية.

قد لا تتحقق

بدوره يقول الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، إن دعوات اليمين المتطرف في إسرائيل لا سيما أحزاب الصهيونية الدينية لإعادة الاستيطان تنسجم مع الأيديولوجيا التي تؤمن بها، وتعتقد أن قطاع غزة جزء من إسرائيل لا يجوز أن يخرج منها.

ويبيّن عرابي في حديثه مع TRT عربي، أن "هذه الأحزاب مَسيحانية خَلاصية تؤمن بنزول المسيح المُخلّص، وتعتقد أن هناك معركة سابقة لنزوله وهي معركة يأجوج ومأجوج، لذلك لا يهمها الحسابات السياسية والاستراتيجية".

ويضيف أن "كل ما يهمها هو التمهيد لهذه المعركة، ومن ثم إن كان الاستيطان في غزة يتعارض مع أي حسابات فهذه الأحزاب لا يهمها ذلك إطلاقاً".

ويلفت عرابي إلى أن دعوات اليمين دوافعها أيديولوجية، "فالحرب في غزة يجب استثمارها من هذه الأحزاب أولاً لإرجاع قطاع غزة إلى إسرائيل، واستثمارها أيضاً في محاولة الوصول لمعركة يأجوج ومأجوج، فضلاً عن أهداف انتخابية".

وحول موقف نتنياهو، يوضح المحلل السياسي أنه كان معارضاً للانسحاب من قطاع غزة، وكان معارضاً لاتفاق أوسلو، وتأخر جداً في تسليم أجزاء محدودة من مدينة الخليل للسلطة الفلسطينية.

واستقال نتنياهو في أغسطس/آب 2005 من منصبه وزيراً للمالية في الحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها أرئيل شارون؛ احتجاجاً على الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، الذي احتلته إسرائيل في حرب يونيو/حزيران 1967 ثم انسحبت منه وفككت مستوطناتها فيه عام 2005.

ويؤكد عرابي أن نتنياهو لا يؤمن بوجود ممثل سياسي للفلسطينيين "لا ممثل مقاوم أو غير مقاوم، فهو لا يريد أن يكون هناك من يطالب بحقوق الفلسطينيين، ويعتقد أن القطاع والضفة جزء مما تسمى إسرائيل"، قبل أن يُقرّ بوجود قاعدة مشتركة بينه وبين أحزاب الصهيونية الدينية.

وهناك قطاعات واسعة داخل إسرائيل، ومنها جيش الاحتلال -وفق عرابي- لا توافق على خطط اليمين، ومن بينهم قد يكون نتنياهو الذي يريد "إدارةً عميلةً لغزة تابعة لإسرائيل، وليس بالضرورة عودة الاستيطان فوراً لأن ذلك يُضعف الدعاية الإسرائيلية التي على أساسها تمددت إسرائيل في المنطقة وتوسعت اتفاقات التطبيع".

ويشير عرابي إلى أن هناك أحزاباً وقوى وأوساطاً إسرائيلية كثيرة ترفض عودة الاستيطان، وربما قد لا تتحقق دعوات اليمين بسبب حسابات استراتيجية تعارضها داخل إسرائيل.

في سياق ذي صلة، ترى مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أنه يجب على الفلسطينيين عدم الاستخفاف بدلالات مؤتمر الاستيطان، لأن القوى التي نظمته عازمة على تحقيق مشروعها، وستلجأ إلى الأسلوب الكلاسيكي الذي تتبعه حركة الاستيطان بالضفة الغربية منذ سنوات.

وتوضح أن هذا الأسلوب يعتمد على التمركز في الأراضي أو بمواقع الجيش في بؤر استيطانية ومجموعات صغيرة، قد تكون في الأراضي التي ينوي الجيش إقامة حزام أمني فيها، "ومن ثم تمارس الضغط السياسي كي تُشرّع وجودها، من دون أن تكترث لمحكمة العدل الدولية، إذ لا تعتقد بوجود شرائع دولية، بل شريعة الرب التي ملّكها أرض إسرائيل بكاملها".

TRT عربي
الأكثر تداولاً