تابعنا
تستعدّ مناطق شمال غرب سوريا الخارجة عن سيطرة قوات الأسد للخروج في مظاهرات رافضة لما تصفه بـ"المهزلة"، في إشارة منها إلى الانتخابات الرئاسية التي انطلقت بالفعل في السادس والعشرين من مايو/أيار 2021.

ومن المقرَّر أن يحتضن مركز محافظة إدلب، بالإضافة إلى مدن جرابلس وأعزاز والباب وعفرين بريف حلب، تجمعات للمعارضين لإجراء الانتخابات الرئاسية.

وحسب إحصائية صدرت عن "منسقو الاستجابة الطارئة" (تحالف منظمات إنسانية) فإن عدد السكان في شمال غربي سوريا يتجاوز 4 ملايين نسمة، وبطبيعة الحال فإنهم لن يشاركوا في عملية التصويت.

محافظة درعا جنوبي سوريا التي دخلت ضمن اتفاق التسوية مع روسيا صيف عام 2018 عبّرت عن موقفها من الانتخابات عبر بيان صدر عن "اللجان المركزية" المخوَّل إليها التفاوض مع روسيا بالنيابة عن أبناء المحافظة، إذ رفض البيان الذي شاركت فيه "عشائر درعا" أيضاً، وصدر في الرابع والعشرين من مايو/أيار الجاري، إقامة تلك الانتخابات.

أبناء مدينة درعا يعبرون عن رفضهم لمسرحية الانتخابات (الائتلاف الوطني السوري)

بيان لجان محافظة درعا وعشائرها اعتبر أن الانتخابات هي "حلقة من سلسلة الهيمنة الإيرانية على قرارات الدولة السورية".

وفي السادس والعشرين من مايو/أيار تعرضت عدة مقرات بلدية في محافظة درعا، كان من المفترض أن تكون مراكز للتصويت، لهجمات بالأسلحة الفردية والقنابل، وشملت الهجمات بلدات صيدا والحارة ونمر والنعيمة ونوى.

من جانبها، اعتبرت مليشيات PYD -غطاء لتنظيم YPG الإرهابي- أن الانتخابات الرئاسية التي يقيمها النظام السوري لا تعنيه، وذلك بعد أن وصلت المفاوضات مع النظام السوري إلى طريق مسدود، إذ كان التنظيم يطمح إلى تثبيت بعض المكاسب واعتراف النظام بها، مثل الإقرار بنوع من الاستقلالية للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم "قسد"، مقابل تمرير التنظيم لمسألة الانتخابات في مناطقه.

هذا القرار الذي اتخذته مليشيات PYD، يعني عدم إقامة مراكز انتخابية في مناطق سيطرته شمال شرقي سوريا التي تضمّ مئات الآلاف من السكان.

ورغم الدعاية الإعلامية الكبيرة التي أقامها النظام السوري والقوى السياسية اللبنانية الموالية له حول مشاركة السوريين في الانتخابات، فإن تقديرات بعض المنظمات اللبنانية المعنية بمتابعة شؤون اللاجئين تفيد بأن 50 ألف سوري فقط شاركوا في انتخاب الأسد، من أصل مليون ونصف مليون سوري مقيم على الأراضي اللبنانية، أما في الأردن فالتقديرات تشير إلى أن أقل من 8% من اللاجئين السوريين على الأراضي الأردنية البالغ عددهم قرابة 800 ألف، أدلوا بصوتهم لصالح الأسد.

الانتخابات التي يقيمها النظام السوري تأتي في وقت يعيش فيه 87% من السوريين عموماً تحت خط الفقر، ويفتقر تسعة ملايين ونصف مليون من إجمالي السكان إلى الغذاء الكافي، وذلك حسب بيانات صادرة عن منظمة الصحة العالمية في سبتمبر/أيلول عام 2020، وبالتزامن مع أزمة خانقة للدواء وغياب كثير من أصنافها عن المدن الرئيسية، بخاصة محافظة دمشق التي باتت تفتقر إلى الأدوية الخاصة بمعالجة مرض السكري واضطرابات القلب وغيرها من الأمراض المزمنة.

وعلى الصعيد الأمني فإنه لا يمكن الوثوق بأي عملية انتخابية في ظل سيطرة وتحكم الأذرع الأمنية والمليشيات العسكرية المرتبط بدول أجنبية بالمدن والبلدات السورية، إذ إن مدن الساحل السوري تخضع لسيطرة كتائب عسكرية طائفية يقودها أفراد من عائلة الأسد، وتستطيع إرغام السكان المحليين على ما تريده، في حين تنتشر المليشيات المدعومة إيرانياً في محافظة حلب، إحدى أهم الخزانات البشرية في سوريا، التي يبلغ عدد سكانها قرابة 5 ملايين نسمة، وتبذل تلك المليشيات جهوداً كبيرة لتوجيه العملية الانتخابية لتصبّ في صالح الأسد في نهاية المطاف.

وخلال الأيام القليلة التي سبقت انطلاق عملية التصويت، أجبر كل من فرع الأمن العسكري والأمن السياسي في محافظة حمص، الطلاب والموظفين الحكوميين على التجمع في مركز المحافظة من أجل التقاط صور على أنها حشود جماهيرية موالية للأسد، تحت طائلة الحرمان من الامتحان أو الفصل من الوظيفة لمن يرفض المشاركة.

وتبدو العملية الانتخابية محسومة النتائج لصالح بشار الأسد، وفق ما هو مخطَّط لها، إذ إن المراكز الانتخابية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري امتلأت بشعارات التأييد للأسد، وذلك من قبيل عبارات "ويبقى الأسد" و"الأسد خيارنا"، وقد غابت أي عبارات تأييد لباقي المرشحين المفترَضين الذين سيخوضون المنافسة مع الأسد.

وبهدف التأثير في الرأي العام، وإظهار المشاركة الواسعة في الانتخابات الرئاسية، لجأ النظام السوري وأجهزته الأمنية إلى "البروباغندا"، من خلال إقامة تجمعات للرقص والترفيه لجمع أكبر نسبة من الشبان والعوائل وتصويرها على أنها حشود مؤيدة له، كما أتاح المجال للمنتسبين إلى المؤسسة العسكرية الموالية له من أجل التجمع في الساحات بالزيّ المدني، مع إمكانية مشاركتهم في الانتخابات باستخدام البطاقات الشخصية المدنية لا العسكرية، بخاصة في المحافظات التي قررت مقاطعة الانتخابات مثل درعا، التي تحدث النشطاء فيها عن وصول قرابة 2000 عنصر من المؤسسة العسكرية التابعة للنظام السوري إلى المحافظة باللباس المدني من أجل الإدلاء بصوتهم لصالح الأسد.

ووجّه بشار الأسد رسالة إعلامية مهمة من خلال ظهوره في مركز انتخابي تابع لمدينة دوما بريف دمشق، التي كانت أكبر معقل للمعارضة السورية قبل عام 2018، في إشارة من النظام السوري إلى أن "الأسد انتصر في الحرب على الإرهاب"، وهي الدعاية التي تحرص وسائل الإعلام الموالية على تكرارها في مختلف المناسبات، علماً بأنه هُجّرت شريحة واسعة من سكان دوما باتجاه ريف حلب عام 2018 بعد اتفاق التسوية.

ظهور الأسد في مدينة دوما يحمل رسالة أخرى تخص حرص النظام السوري على إبراز مشاركة مختلف الطوائف في الانتخابات، وعدم قصرها على طائفة محددة، لأن مدينة دوما تُعتبر من أكبر معاقل المسلمين السنة في ريف دمشق.

ونفّذ النظام السوري ضربة إعلامية استباقية، تمثلت بمهاجمة الدول التي امتنعت عن التفاعل مع انتخاباته الرئاسية مثل تركيا وألمانيا، وهما بلدان يستضيفان قرابة 4 ملايين لاجئ سوري، وعلى الأرجح يريد النظام الإشارة إلى "مؤامرة دولية" ضده، وهي رسالة حرص على تكرارها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، وبالتالي يحاول تحميل الدول الأخرى التي لا تعترف بشرعية نظام الأسد وانتخاباته مسؤولية انخفاض نسبة المشاركين في التصويت.

تدلّ خطوة إجراء النظام السوري الانتخابات بوضوح على عدم التفاته إلى العملية السياسية والقرارات الأممية الخاصة بالتسوية السورية، بخاصة قرار 2254، واستمرار سياسة صم الآذان عن الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عام 2011، والحرص على تكرار السياسة ذاتها من حيث الإنكار لضرورة إجراء إصلاح سياسي، وإبراز حالة التأييد الشعبي رغم أن هذا التأييد بنسبة كبيرة منه سببه الخوف من القبضة الأمنية أو فقدان فرصة الدراسة أو المهنة.

في المقابل فإن موسكو استفادت من إجراء الانتخابات لمناكفة مختلف الأطراف الدولية، بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي لا تزال تشترط تحقيق عملية انتقال سياسي حقيقية من أجل تمويل عودة اللاجئين وعملية إعادة الإعمار، وهذا يحرم روسيا فرص تحويل الجهود الحربية في سورية إلى مكاسب سياسية واقتصادية معترَف بها دولياً.

TRT عربي