تابعنا
تدافع الحكومة الإسرائيلية عن خطّة "الإصلاح القضائي" بأنّها "محاولة لاستعادة التوازن الصحيح بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وتقوية الديمقراطية".

تشهد الشوارع الإسرائيلية اكتظاظاً في أعداد المتظاهرين الذين يخرجون للأسبوع الـ28 على التوالي احتجاجاً على خطّة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المثيرة للجدل لتقويض سلطة القضاء عبر ما تسمى خطة "إصلاح القضاء".

الاحتجاجات أشعل فتيلها منح الكنيست "البرلمان الإسرائيلي" في 10 من يوليو/تموز الحالي، موافقة مبدئية على مشروع قانون "الحدّ من المعقولية" الذي يقوّض قدرة المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، على مراجعة قرارات تصدر عن الحكومة.

ويهدف مشروع القانون إلى إلغاء إمكانيّة نظر المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) في "مدى معقوليّة" قرارات الحكومة وسط تنديد مستمر من المعارضة الإسرائيلية التي ترى أنّها ستشكل خطراً على الديمقراطية في إسرائيل وستفتح الباب أمام إساءة استخدام السلطة.

انقسامات في المؤسسة العسكرية

وأبلغ ما لا يقل عن 180 من كبار الطيارين المقاتلين ونخبة الكوماندوز ومتخصصي الاستخبارات الإلكترونية في الاحتياط العسكري الإسرائيلي قادتهم بأنّهم لن يقدّموا تقارير عن الخدمة التطوعيّة إذا مضت الحكومة في خطتها حول الحدّ من النفوذ القضائي بحلول نهاية الشهر الحالي، وفق ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" في 15 من يوليو 2023.

وسبق أن استقال نحو 12 شخصاً من الاحتياط العسكري الإسرائيلي، مع وجود مئات آخرين يناقشون إمكانية القيام بذلك خلال التجمّعات الشخصيّة والمنتديات عبر الإنترنت هذا الأسبوع، إذ يستعدّون لتعليق خدمتهم رسمياً في الأيام المقبلة، حسب مقابلات ورسائل حصلت عليها "نيويورك تايمز".

وتحدّث اثنان من كبار مسؤولي الدفاع، بصفة مجهولة إلى الصحيفة، حول خشية القادة العسكريين من أن يؤثر ذلك بشكل كبير على قدرة القوات المسلحة الإسرائيلية، لا سيما سلاحها الجوي، إذ تعتمد أسراب المقاتلات الإسرائيلية بشدّة على الطيارين الاحتياطيين الذين لديهم وظائف مدنيّة منتظمة ولكنّهم يتطوّعون لعدّة أيام كل شهر للتدريب أو المشاركة في مهام القتال والاستطلاع.

ومنذ البداية، انضمّ إلى المحتجين قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، بعدما اقترحت الحكومة أول مرّة قانون الإصلاح القضائي، إذ سبق أن أرسل جنود احتياط في وحدة تابعة للمخابرات العسكرية الإسرائيلية رسالة تحذّر من "تفكك التماسك الاجتماعي والضرر الذي يلحق باقتصاد إسرائيل واستقرارها وصورتها في العالم نتيجة الإلغاء المتوقع للفصل بين السلطات والضرر باستقلال القضاء".

وقُدّر عدد المحتجين في جميع أنحاء إسرائيل بنحو 365 ألف شخص، مع 180 ألف شخص في شوارع وسط تل أبيب وحدها، ليكون من بين أكبر الاحتجاجات حتى الآن، وفق ما نشرته شبكة "سي إن إن" الإخبارية، فيما أغلق آلاف المحتجين المطار الرئيسي "بنغوريون"، والطرق السريعة في إسرائيل ليوم الثلاثاء 11 يوليو 2023.

واحتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في شوارع تل أبيب ليلة السبت 15 من الشهر الحالي، في ذكرى الأسبوع الـ28 على التوالي من المظاهرات، وقالت هيئة البث (رسميّة) إنّ "قرابة 100 ألف إسرائيلي شاركوا في المظاهرة المركزية في شارع كابلان وسط مدينة تل أبيب"، كما وعد قادة الاحتجاجات بمزيد من "أيام الاضطراب" في المستقبل، وفق ما نقلته وكالة "أسوشييتد برس".

وكان نتنياهو قد انتقد الاحتجاجات الحاصلة في بلاده؛ إذ صرّح في 9 من يوليو بأنّ حقّ التظاهر لا ينبغي أن يمتد ليشمل "انتهاكات القانون التي تضر بالحقوق الأساسية لملايين المواطنين والتي تحدث بشكل شبه يومي"، مستشهداً بالاضطرابات في مطار بن غوريون، ودعوات إلى العصيان داخل الجيش وإغلاق طرق ومضايقة المسؤولين المنتخبين.

تقويض النظام الديمقراطي

ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي، أيمن الحنيطي، إنّ الحكومة الإسرائيلية تطلق مسمى "إصلاحات" أو "تعديلات" في القضاء، وهو أمر مثير للجدل في الداخل الإسرائيلي، مشيراً إلى أنّ المحتجين يطلقون عليها تسمية "الانقلاب" على نظام الحكم المعمول به حالياً في إسرائيل، ويعدّونها تقوض الديمقراطية، وأسس الحرية.

ويوضح الحنيطي في حديثه مع TRT عربي، أنّ "زخم الاحتجاجات تجدد بسبب إقرار القانون الأول من التعديلات القضائية، وهو بند قانون تقليص (حجة المعقولية)، وهذه الحجة تَحرم من مقاضاة رئيس الوزراء، وأي وزير، وأي عضو كنيست، وتقلل من صلاحيات المحكمة العليا".

ويرى الحنيطي أنّ هذا البند أُقرّ بالقراءة الأولى، بأغلبية 64 عضواً يشكّلون ائتلاف نتنياهو مقابل 56 عضواً من الائتلاف، لافتاً إلى أنّ "الموضوع خطير جداً، فالشارع الإسرائيلي ينظر إليه بخطورة بالغة، ودليل ذلك خروج حركة رفض الخدمة العسكرية، وخدمة الاحتياط".

وعن بنود خطة نتنياهو لإصلاح النظام القضائي، يبيّن الحنيطي أنّها تشمل عدّة بنود، من ضمنها بند المعقولية، وهناك بنود أخرى تتعلق باختيار لجنة القضاة، وأخرى تتعلق بالصلاحيات الممنوحة للمستشار القضائي.

وتدافع الحكومة الإسرائيلية عن خطّة الإصلاح القضائي بأنّها "محاولة لاستعادة التوازن الصحيح بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية) وتقوية الديمقراطية"، في الوقت الذي ترى فيه المعارضة إنّ هذه التعديلات تمثل "انقلاباً قضائياً"، و"نهاية للديمقراطية"، وتخشى من أنّه إذا أصبح مشروع القانون قانوناً، فإنّ المحكمة ستكون أقلّ قدرة على منع تجاوز الحكومة.

ولا يزال مشروع القانون بحاجة إلى تمرير قراءتين أُخريين في الأسابيع المقبلة قبل أن يصبح قانوناً، وإذا جرى سنَّه بالكامل، فإنّه سيمنع المحكمة من نقض الحكومة على أساس "المعقولية" –وهو معيار قانوني مرن ومثير للجدل يسمح حالياً للمحكمة بالتدخل في الحكم.

"مخاوف قائمة"

وزار الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، نظيره الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء 18 من يوليو تزامناً مع الاحتجاجات في البلاد.

ووفق بيان مكتب الرئيس الإسرائيلي، فإنّ الهدف من الزيارة الدبلوماسية هو "تعزيز العلاقات والشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كما تعكس العلاقات العميقة بين الدولتين التي توضع فوق كل خلاف".

وتلت زيارة الرئيس الإسرائيلي دعوة بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى اجتماع في الولايات المتحدة للمرّة الأولى منذ عودة نتنياهو لمنصبه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ممّا يخفّف من حدّة التوتّرات بشأن التوجّهات الداخليّة للحكومة الإسرائيلية، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

وسبق أن وصف بايدن حكومة نتنياهو بأنّها "واحدة من الأكثر تطرّفاً" منذ السبعينيات، كما اعترض على القرارات الرامية إلى تقويض سلطة المحكمة العليا في إسرائيل، وتوسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.

وصرّح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، بأنّ "المكالمة الهاتفية وزيارة نتنياهو أمريكا لا تعني أنّ مخاوفنا قلّت بشأن الإصلاحات القضائية أو مخاوف أقل بشأن بعض الأنشطة والتصرفات المتطرفة من بعض أعضاء حكومة نتنياهو، هذه المخاوف لا تزال قائمة".

ويرجّح الحنيطي أنّ ما يحدث قد يُضعف علاقات حكومة نتنياهو الخارجية، مثل علاقتها بأمريكا، مشيراً إلى أنّ توماس فريدمان، الكاتب الأمريكي المقرّب من الإدارة الأمريكية والمسموع لديها، نشر مقالاً ساخطاً عن إسرائيل، يدعوها فيه إلى "أن تنتبه إلى علاقاتها مع واشنطن".

وكان بايدن قد أبدى في وقت سابق قلقه إزاء التعديلات القضائية التي جاءت بها حكومة نتنياهو، وأكّد أنّهم لا يمكنهم الاستمرار بهذا الطريق على أمل أن يبتعد نتنياهو عن هذه التعديلات وإيجاد حل وسط، حسب وكالة "رويترز"، فيما أكّد رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، أنّ حكومة نتنياهو دمّرت العلاقة مع الولايات المتحدة في ثلاثة أشهر.

ويرى الحنيطي أنّ العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية "دخلت في مرحلة خطرة"، مشيراً إلى أنّ مركز الدراسات للأمن القومي الإسرائيلي حذّر من تدهور العلاقات بين البلدين، من خلال استراتيجية الأمن القومي، لافتاً إلى أنّه "إذا خسرت إسرائيل، العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فستخسر حق الفيتو الأمريكي التي تعوّل عليه كثيراً في المحافل الدولية".

ويوضّح الخبير أنّ الولايات المتحدة ويهود الشتات فيها، يرون أن ما تسمّى التعديلات القضائيّة الحاليّة، "تضرب القيم المشتركة والقيم الديمقراطية التي تجمع المجتمع الأمريكي مع المجتمع الإسرائيلي".

ويُعرب الحنيطي عن اعتقاده أنّ "حكومة نتنياهو ماضية في التعديلات القضائيّة رغم المعارضة الشديدة لها، فما يظهر على السطح لغاية الآن، ومع تمرير القراءة الأولى للبند الأول، أعتقد أنّها ستمرّر هذا القانون بالقراءة الثانية والثالثة، وهذا يعني أنّ هناك فرصة لتمريره حتى نهاية دورة الكنيست الحاليّة التي ستنتهي بعد أقل من ثلاثة أسابيع".

TRT عربي
الأكثر تداولاً