هل تتسبب الحرب بأوكرانيا في أزمة قذائف مدفعية؟ / صورة: AFP (Henning Bagger/AFP)
تابعنا

تخطط بروكسل لإرسال دعم جديد لأوكرانيا، التي تحضر لهجوم مضاد واسع ضد القوات الروسية مع حلول الربيع. هذا الدعم، وفق ما نشرت "بوليتيكو" الأمريكية، يشتد بشكل أساسي لتوفير الذخيرة المدفعية، بخاصة في عيارات 152 و155 ملم التي تستخدم في مدافع هاوتزر الأمريكية "M777" ونظيرتها الفرنسية المحمولة "Caesar".

ومن المقرر أن يُناقش وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي تلك المقترحات في اجتماع بالسويد الأسبوع المقبل، في وقت اعتبرت فيه إستونيا هذا الدعم غير كاف، إذ بحسبها على دول التكتل أن تستثمر ما يقرب من 4.3 مليار دولار، لشراء مليون طلقة من الذخيرة التي تقول أوكرانيا إنها بحاجة إليها هذا العام.

وأصبحت الحرب في أوكرانيا، مع تحولها إلى حرب استنزاف تستخدم فيها المدفعية بكثافة، تستهلك أعداداً هائلة من تلك القذائف. وهو ما يثير قلق عدد من داعميها الغربيين، الذين أصبحوا يواجهون مخاطر استنزاف مخزوناتهم الاستراتيجية جراء ذلك، مع صعوبة تعويض النقص بالسرعة اللازمة.

بالوعة قذائف مدفعية

في الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا، تسببت مدفعية قوات كييف بأضرار بليغة للجيش الروسي المتقدم على جبهات الهجوم الأول. لكن سرعان ما تفوق الروس على تلك الخطوط، بأعدادهم الكبيرة وسيطرتهم على الجو، ما جعل إرسال الحلفاء وحدات مدفعية أمراً ضرورياً.

غير أن تلك المساعدات تأخرت، وإلى حدود شهر أبريل/نيسان، حين أرسلت الولايات المتحدة أول شحنات مدافع هوتزر "M777"، وأرسلت فرنسا أولى مدافع "Caesar" المتنقل ذاتياً في مايو/أيار.

وبعد عام من الاقتتال وتحوله إلى حرب خطوط ثابتة، حيث تستخدم المدفعية بكثافة كبيرة. تقدَّر أعداد المدفعية المستخدمة من قبل القوات الأوكرانية حوالي 1600 وحدة، منها 1150 ورثتها البلاد من الحقبة السوفياتية: 750 هاوتزر يطلق قذائف 152 ملم، 350 هاوتزر يطلق قذائف 122ملم.

هذا بالإضافة إلى أكثر من 424 مدفعية تلقتها كييف كمساعدات من حلفائها الغربيين، بما فيها أزيد من 352 مدفعية طويلة المدى تستخدم قذائف عيار 155ملم؛ منها 152 من طراز "M777" من الولايات المتحدة وكندا، و47 من طراز "Caesar" من فرنسا والدنمارك، و20 من طراز "PzH2000" من ألمانيا.

فيما استخدام هذا العدد الكبير من المدفعية، يجعل الجيش الأوكراني يستهلك بشكل كبير ذخائرها. وحسب ورقة حقائق نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية، استخدمت قوات كييف ما معدله 3000 قذيفة من عيار 155 ملم في اليوم, وفي تقديرات أخرى قد يبلغ العدد 10 آلاف قذيفة في اليوم.

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية، إنها زودت أوكرانيا بمليون قذيفة، هذا بالإضافة إلى مليون أخرى من القذائف بعيارات أقل (152، 122 و105 ملم). وبالرغم من هذا يتزايد الطلب الأوكراني على هذه الذخائر مع اقتراب الربيع، وهو ما عبَّر عنه وزير دفاع كييف أوليكسي ريزنيكوف، منتصف فبراير/ شباط الماضي، بالقول: "مهمة اليوم هي تأمين ما يكفي من الذخائر".

هل تتسبب الحرب بأوكرانيا في أزمة قذائف مدفعية؟

مع استمرار الحرب، حذر مسؤولون في حلف الناتو، من أن أوكرانيا تستهلك القذائف المدفعية بوتيرة أسرع من قدرات الناتو على تعويضها، وهو ما يهدد باستنزاف المخزونات الاستراتيجية للحلف إن لم تعمل دُوَله على توسيع قاعدة مُصنّعيها.

ووفق ما نقلته وكالة "رويترز"، على لسان دبلوماسي أوروبي، فإن مخزونات القذائف الآن تنخفض بشكل أكبر بسبب الصراع في أوكرانيا، مما يجعل من المرجح أن يرفع الناتو المستويات المستهدفة لاحتياطيات الذخيرة لأعضائه. وأضاف الدبلوماسي الأوروبي: "إذا كانت أوروبا ستقاتل روسيا فإن ذخيرة بعض الدول ستنفد في أيام".

وفي أواخر أغسطس/آب المنصرم، عبّر مسؤولون في البنتاغون عن المخاوف نفسها. وحسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عمن وصفته بـ"المسؤول المطلع" داخل وزارة الدفاع الأمريكية، فإن مخزون الجيش من القذائف المدفعية عيار 155 ملم يعرف انخفاضاً "مقلقاً"، على حد قوله. مضيفاً أنه "حتى الآن المستويات ليست حرجة"، لكن "ليس بالمستوى الذي نرغب في خوض قتال به".

ولا تعود أسباب هذا الاستنزاف، حسب مختصين، فقط إلى استهلاك أوكرانيا المفرط للذخائر. بل لأسباب سياسية أخرى، إذ بعد نهاية الحرب الباردة، لم يجد الحلفاء من ضرورة استراتيجية ترغمهم على الاستمرار في توسيع قدراتهم الإنتاجية الدفاعية في هذا النطاق. غير أن ذلك أصبح ملحاً، بعد الحرب الأوكرانية.

وبالتالي، تعاني الصناعات الدفاعية الغربية اليوم من متاعب كثيرة في سبيل استجابتها لهذا الطلب المتزايد. وحسب مقال لمجلة "ذي إيكونيميست" الأمريكية، فإن من بين أسباب ضعف استجابة مصنعي الدفاع الأمريكيين، عدم اعتياد هؤلاء المُصنّعين على التعامل مع شبكة زبائن أوسع، وبالتالي مع تأخر طلبات حكوماتها كان هناك إهمال لتوسيع القدرات الإنتاجية.

ومن ناحية أخرى، تنقل المجلة الأمريكية على لسان جيم تيكليت، المدير التنفيذي لشركة "لوكاهيد مارتن"، أحد أكبر مُصنّعي العتاد العسكري في الولايات المتحدة، قوله: "في أوقات السلام، تهتم قاعدة الصناعة الدفاعية الأمريكية أكثر بإنتاج وتطوير الأسلحة ذات الكفاءة العالية"، ما يعني أن تلك الشركات لا تنتج من الذخيرة إلا ما يكفي تلك التي تستخدم في التدريبات.

هذا وفي السنوات الأخيرة قلّصت الولايات المتحدة قدراتها الإنتاجية للقذائف المدفعية إلى مصنع وحيد، منشأة الجيش الأمريكي للذخائر بميدلتاون أيوا. وحسب مدير التعاقدات بالجيش الأمريكي، دوغ بوش، فإن واشنطن أطلقت برنامجاً تتطلع به إلى توسيع تلك المنشأة، كذلك الاستعانة بقدرات إضافية في القطاع الخاص لتلبية الحاجة المطلوبة من تلك الذخائر.

TRT عربي