تابعنا
يبدو أن عمليات القوات الخاصة البريطانية لا تخضع لأي رقابة برلمانية، عكس جهاز الاستخبارات الخارجية الذي تشرف عليه لجنة الاستخبارات والأمن، كما أنّ معلومات العمليات التي تقوم بها معفاة بشكل خاص من قانون حرية تداول المعلومات.

توسّعت القوات الخاصة البريطانية على مدار السنوات العشر الماضية في تنفيذ عمليات سرّيّة في مناطق تشهد نزاعات مسلحة، وفقاً لدراسة أصدرتها مؤسسة "العمل ضدّ العنف المُسلح (AOAV)" في مايو/أيار الماضي، ما أثار تساؤلات حول درجة الشفافية التي تعمل بها هذه القوات، ومدى خضوعها للمساءلة والمحاسبة.

ففي 19 دولة، جرت عمليات نشطة مُحاطة بالسرية والكتمان، استعانت فيها المملكة المتحدة بقواتها الخاصة (UKSF) لأسباب غير مُعلنة رسمياً، إذ يشهد بعض هذه الدول وجوداً موسّعاً لجماعات مُسلحة مثل: أفغانستان، والعراق، واليمن، وسوريا.

ورصدت الدراسة 8 دول من أصل 19 كانت فيها القوات الخاصة البريطانية لإنقاذ رهائن، بينما وُجدت في مناطق مثل: إستونيا، ومضيق هرمز، والبحر الأبيض المتوسط كجزء من عمليات تستهدف جمع معلومات استخباراتية.

يُذكر أنّ الحكومة البريطانية عزّزت في عام 2015 من حجم الاستثمار في معدّات القوات الخاصة البريطانية بقيمة مليارَي جنيه إسترليني (2.5 مليار دولار أمريكي) تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، وفقاً لبيان الإنفاق الحكومي.

أهداف ومصالح

ويعزو الباحث ومحلل الشؤون العسكرية، علي الذهب، توسّع عمليات القوات الخاصة البريطانية في مناطق تشهد اضطرابات ونزاعات مُسلحة، إلى محاولة توجيه الصراعات الداخلية في هذه البلدان لخدمة أهدافها ومصالحها، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

واستشهد الذهب في حديثه لـTRT عربي بالسجل التاريخي لبريطانيا من حيث "الوجود الاستعماري في بعض المناطق، خصوصاً الممرات والمعابر المائية التي تُعد شرايين التجارة الدولية في العالم، ابتداءً من شرق آسيا حتى جبل طارق".

ومؤخراً، ضمّت قائمة توسّع عمليات القوات الخاصة البريطانية كلاً من أوكرانيا -منذ عام 2021؛ لجمع معلومات استخباراتية بشأن روسيا- والسودان خلال العام الحالي، لإجلاء الدبلوماسيين والمواطنين البريطانيين بعد العنف المتزايد الذي شهدته الخرطوم، حسبما أفادت مؤسسة "العمل ضد العنف المُسلح".

توسع القوات البريطانية الخاصة (Others)

وكشفت تسريبات لوثائق عسكرية أمريكية سريّة، نقلتها صحيفة "الغارديان"، عن أنّ بريطانيا نشرت ما يصل إلى 50 قوة خاصة في أوكرانيا، وأنّ أكثر من نصف أفراد القوات الخاصة الغربية الموجودين في أوكرانيا بين فبراير/شباط ومارس/آذار هذا العام ربّما كانوا بريطانيين.

وتأتي هذه التوسّعات في ظل رفض شعبي للتدخلات العسكرية البريطانية في دول خارجية، إذ أشار استطلاع للرأي أجراه موقع (YouGov) ونُشر في أبريل/نيسان الماضي، إلى أنّ البريطانيين يدعمون بشكل عام المساعدات غير القتالية لأوكرانيا، بينما أظهر الاستطلاع أنّهم أقل حماساً للمشاركة في القتال المباشر مع القوات الروسية.

"صفعة للديمقراطية"

ويبدو أن عمليات القوات الخاصة البريطانية لا تخضع لأي رقابة برلمانية، عكس جهاز الاستخبارات الخارجية الذي تشرف عليه لجنة الاستخبارات والأمن، كما أنّ معلومات العمليات التي تقوم بها معفاة بشكل خاص من قانون حرية تداول المعلومات.

وفي هذا الصدد، يرى الرئيس التنفيذي لمؤسسة "العمل ضد العنف المُسلح"، إيان أوفرتون، أنّ تهرّب الحكومة من مناقشة هذه العمليات العسكرية في البرلمان البريطاني يمثل "صفعة قوية للعملية الديمقراطية".

ويضيف لـTRTعربي، أنّ "رفض مناقشة عمليات القوات الخاصة في البرلمان يعني بالتأكيد إمكانية الاستخدام العسكري للقوات الخاصة من دون مساءلة، ما يسمح بالإعلان عن العمليات الناجحة وعدّها انتصاراً، والتستر على العمليات الفاشلة".

ويوضح أوفرتون أنه على الرغم من ادّعاء بريطانيا أن هذا التوغل يصبّ في مصلحة الأمة البريطانية، فإن غياب الشفافية في عمليات القوات الخاصة يضرّ بمبدأ الديمقراطية، متسائلاً: "في هذه الحالة هل تبرر الغاية الوسيلة؟".

بينما يقول محلل الشؤون العسكرية، علي الذهب، إن "بريطانيا تسعى إلى أن تُحيط هذه العمليات بالسرية؛ بسبب التعقيدات الدستورية والقانونية التي يمكن أن تواجهها عند نشر القوات الخاصة في مناطق مختلفة".

ويلفت إلى أنّ "بريطانيا تحاول إخفاء العمليات العسكرية التقليدية التي تقوم بها القوات الخاصة تحت إطار مفاهيم أخرى مثل التدريب والسلامة البحرية، وحماية تدفق إمدادات الشحن والعمليات الإنسانية".

ويتفق مع هذا الرأي الخبير العسكري العميد أحمد الرحال، الذي قال إنّ "القوات الخاصة تُنشأ للتهرب من المحاسبة والمراقبة البرلمانية والقوانين"، مشيراً إلى أنّ "حروب الظل" تحتاج إلى قوات لا تخضع لرقابة.

سياسة التعتيم

وحذّرت دراسة بحثية لمجموعة "أكسفورد للأبحاث" بعنوان "جيش الظل البريطاني" صدرت عام 2018، من أنّ سياسة التعتيم التي تتبعها الحكومة البريطانية على عمليات القوات الخاصة قد تؤدّي إلى تقويض الحكومة عن مناقشة أسباب تلك العمليات أو تبريرها، مما يُنذر بخطر تآكل شرعية ومصداقية العمل العسكري البريطاني في الخارج.

وتشير الدراسة إلى عدم وجود نظام برلماني موازِ للإشراف على مهام القوات الخاصة البريطانية (UKSF)، فلا تملك لجنة الدفاع في البرلمان التصاريح الّلازمة لمراقبتها، لأنّ عملياتها تحتوي على معلومات استخباراتية وأمنية حساسة.

وعلى الرغم من أنّ لجنة الشؤون الخارجية تقدّم تقارير عن تدخلات المملكة المتحدة في الخارج، فإنّها لا تملك التصاريح أو الصلاحيات لمناقشة أيّ معلومات حول القوات الخاصة لوسائل الإعلام العامة.

وفي هذا السياق، طرحت TRT عربي بعض الأسئلة على أعضاء لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني، حول دور اللجنة في مراقبة القوات الخاصة، وعمّا إن كانت لديهم معلومات عن عملياتها، إلّا أنّ المكتب الإعلامي لم يعطِ إجابات، ورد المتحدث الرسمي للمكتب الإعلامي، واين بونتوفت، بقوله: "أخشى أنّ لجنة الأمن والاستخبارات لا تقدّم تعليقات روتينية على دورها".

"تدخُّل وانتهاك للسيادة"

يعتمد موقف القانون الدولي من القوات الخاصة البريطانية حسب المظلّة التي تتخذها عند الانتشار، فإن كانت تنفّذ عمليات في سياق نزاع مُسلح، حينها يكون القانون الدولي الإنساني هو المُطبّق والذي يتألف من مجموعة من القواعد تحمي الأشخاص غير المشاركين في النزاعات، وفق تقرير مركز الأمن الإنساني "Human Security center".

ويوضح المركز أنه إن كانت العمليات خارج نطاق النزاع المُسلح، يُطبّق في هذه الحالة القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يسمح باستخدام القوة بمرونة كبيرة، ما دامت تلتزم بمبادئ التناسب والضرورة والتمييز.

وحول ذلك، يقول أستاذ القانون الدولي الدكتور أيمن سلامة: "على الرغم من وجود مظلة دولية من الأمم المتحدة تُسبغ شرعية على الأعمال القتالية التي تقوم بها بريطانيا، فإنّ هذا لا يعني تنصل القوات البريطانية من واجباتها الدولية بموجب القانون الدولي".

ويضيف في حديثه لـTRTعربي أنّ "من بين هذه الواجبات، وفق القانون الدولي؛ مبادئ الإنسانية، والضرورة العسكرية، والتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، واتّخاذ مبدأ الحيطة عند القتال، وعدم إلحاق الضرر بالمدنيين غير المنخرطين في النزاعات المُسلحة".

ويشير سلامة إلى أنه حين تقوم بريطانيا بعمليات عسكرية في دول ذات سيادة، من أجل حماية مصالحها أو رعاياها، فإنّ ذلك يُعد "تدخلاً عسكرياً سافراً وانتهاكاً لاستقلال هذه الدول وسيادتها".

وتحظر المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تدخل الدول الأعضاء في الشؤون الداخلية لباقي الدول ذات السيادة، فضلاً عن المادة الأولى من الميثاق التي تنصّ على مبدأ المساواة بين الدول كافة، كما يوضح سلامة.

وحول ما يتعلق بتعويض الجهات المتضررة من العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة، يؤكد أستاذ القانون الدولي أنّ "المسؤولية هنا تصبح مزدوجة، ما بين تعويضية وجنائية، وتقع على عاتق الدولة التي ترتكب قواتها جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب".

ويشدّد سلامة على أنّ الدولة حتى في حال دفعت التعويض المادي للأفراد أو الجهات المتضررة، فإنّ ذلك لا ينفي إقرار المسؤولية الجنائية للأشخاص المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم.

TRT عربي