تابعنا
في تطور لافت أعلنت وسائل إعلام جزائرية رفض سلطات البلاد منح طائرات عسكرية فرنسية الإذن بالعبور من أجوائها بهدف ضرب النيجر، على خلفية الانقلاب الذي شهدته نيامي أواخر يوليو/تموز الماضي.

في تطور لافت أعلنت وسائل إعلام جزائرية رفض سلطات البلاد منح طائرات عسكرية فرنسية الإذن بالعبور من أجوائها بهدف ضرب النيجر، على خلفية الانقلاب الذي شهدته نيامي أواخر يوليو/تموز الماضي.

ورغم ما تبع ذلك من نفي ونفي مضادّ من قِبل كل من باريس والجزائر، فإنّ ذلك لا يخفّف حدّة المأزق الذي تجد القوى الداعمة للعملية العسكرية ضدّ النيجر نفسها فيه، ما يلقي بعديدٍ من ظلال الشك والتساؤلات حول مستقبل هذه التحركات من جهة، وخيارات باريس من جهة أخرى.

أهمية الممرّ الجزائري لفرنسا

مثّلت كيفية بناء مقاربة للتعامل مع انقلاب الجيش في النيجر على الرئيس المُنتخب محمد بازوم نقطة خلاف محورية في الأسابيع الماضية، إذ برزت تباينات كبيرة بين مواقف دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، وتراوحت بين تبنّي التدخل العسكري واعتماد الوسائل السلمية الدبلوماسية للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة في نيامي.

وأعلنت مجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) إقرارها خطة للتدخل العسكري في النيجر وتحديدها ساعة الصفر، مؤكدةً أنّها لن تدخل في حرب يمكن تجنبها.

وغير بعيد عن هذه المجموعة من الدول، تُعَدّ فرنسا من أكبر المؤيدين لاستخدام القوة الصلبة للتعاطي مع المجلس العسكري في النيجر، ولذلك يكتسي الإعلان الجزائري الأخير بعدم منح الطائرات العسكرية الفرنسية الإذن باستخدام أجوائها لمهاجمة النيجر أهمية "إستراتيجية وسيادية"، وفقاً لسليمان أعراج عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الجزائر.

ويضيف أعراج لـTRT عربي أنّ العبور على الأجواء الجزائرية للتدخل العسكري في النيجر يُعَدّ "نقطة ارتكاز مهمة لنجاح المهمات المحدّدة، أو ما يمكن أن نسميه الضربات الجراحية الدقيقة، التي تحتاج إلى ضبط المعادلة الزمانية واللوجستية".

ومن خلال هذا القرار تؤكد الجزائر أنّها "تلعب دوراً إقليمياً محورياً، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال اتخاذ قرار دون إشراك الجزائر، لا سيّما في ما يتعلق بضبط معادلة الأمن في منطقة الساحل الإفريقي"، كما يرى أعراج.

ويبيّن أستاذ العلوم السياسية أنّ أهمية هذه النقطة تزداد مع الأخذ بعين الاعتبار رفض مالي وبوركينا فاسو للهجوم العسكري على النيجر، "ما من شأنه التضييق على فرص الدول التي تحاول فرض أو التلويح بالتدخل العسكري في النيجر".

ويرى أعراج أنّ القرار الجزائري "جاء استكمالاً للقرارات الداعمة للتصور المبني على أهمية الحل السياسي في إدارة الأزمة في النيجر"، مؤكداً أنّ "الحل السلمي والسياسي هو الأفضل بالنسبة إلى الداخل في النيجر وإلى أمن المنطقة أيضاً".

يُشار إلى أنّ هذه ليست المرة الأولى التي ترفض فيها الجزائر السماح بمرور الطائرات الفرنسية عبر أجوائها، إذ أغلقت مجالها الجوي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أمام طائرات النقل العسكري الفرنسية العاملة شمال مالي، قبل أن تجري تسوية الأزمة بين الطرفين في وقت لاحق.

لماذا ترفض الجزائر الحل العسكري؟

باستثناء مالي وبوركينا فاسو اللتين أعلنتا تضامنهما مع النيجر واعتبارهما أي تدخل عسكري ضدّها اعتداءً مباشراً عليهما، يبدو أنّ صوت الجزائر من أكثر الأصوات قوةً ووضوحاً في رفض مخططات الهجوم العسكري على نيامي منذ بداية الأزمة.

ويرى الصحفي المتخصص في شؤون منطقة الساحل محمد ويس المهري أنّ هذا الموقف يرجع إلى أنّ الجزائر "كانت لها تجارب سابقة مع التدخلات العسكرية الغربية في دول الجوار مثل ليبيا ومالي، تسببت في أزمات كبرى عانت منها الجزائر طويلاً".

ويضيف المهري لـTRT عربي أنّ أي اهتزاز للأمن في هذه الدول له انعكاس مباشر على الجزائر، "سواء من ناحية الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية، أو تدفق المهاجرين، أو الجريمة المنظمة العابرة للدول، وكذلك تمدّد الجماعات المتطرفة الذي يحدث كلما وقع تدخل عسكري، وبالذات إن كان غربياً، في دول المنطقة".

وفي هذا الإطار تبدو مالي مثالاً نموذجياً لتداعيات التدخل العسكري حسب المهري، مشيراً إلى أنه "عندما تدخلت باريس عام 2013 كانت الأزمة في منطقة محدودة شمال مالي، لكنّها الآن امتدت إلى دول غرب إفريقيا بشكل عام، وعانت الجزائر كثيراً مع بدء التدخل العسكري، إذ وقعت هجمات على مؤسسات نفطية وعلى مواقع حيوية في جنوب البلاد، وهو ما لا ترغب الجزائر في تكراره مرة أخرى".

وبالعودة إلى أستاذ العلوم السياسية سليمان أعراج فإنه يرى أنّ مخاوف الجزائر من تداعيات أي تدخل عسكري "مبرّرة"، مبيناً أنّ "حالة الهشاشة الأمنية في منطقة الساحل لا تحتمل تعقيدات أزمة جديدة في المنطقة، خصوصاً أنّ ما تعيشه السودان وليبيا يفرض استخلاص الدروس، وأنّ تحقيق الأمن يكون عبر بنائه لا فرضه بالقوة".

ويؤكد أنّ المقاربة الجزائرية للحل في النيجر ترتكز "على أهمية الحلول السياسية، وبناء الأمن يحدث عبر توفير البيئة المحفزة والداعمة للاستقرار، لا بالمناورة أو التجارب الظرفية".

ومثّل عام 2022 لحظة النهاية للتدخل الفرنسي الممتدّ في مالي، الذي استمر نحو عقد من الزمان، ويذهب عديد من المراقبين إلى أنّه كان "فاشلاً" وساهم في تأجيج الحرب الأهلية في البلاد.

فرنسا أمام خيارات صعبة

ويبدو أنّ القرار الجزائري أضاف مزيداً من التعقيدات إلى مخططات باريس حيال النيجر، كما يرى المهري، الذي يوضح أنّ فرنسا في حال أرادت التدخل فالأجواء الجزائرية "هي الطريق الأنسب" الذي تسلكه دائماً الطائرات المدنية أو العسكرية الفرنسية والأوروبية للوصول إلى مالي والنيجر، لكنّ إغلاق هذا الطريق سيرتب على باريس كثيراً من التكاليف سواء المادية أو المرتبطة بزمان الرحلات.

ويلفت الصحفي المقيم في مالي إلى أنّ الطائرات الفرنسية في هذه الحال ستُضطر إلى اتباع الطريق الذي "يمرّ عبر المغرب والسنغال أو موريتانيا، ولأنّها لا تستطيع المرور عبر أجواء مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري فليس أمامها إلا الالتفاف جنوباً من خلال بنين أو نيجيريا، وهو ما يعني كثيراً من التكاليف المادية ومضاعفة ساعات الطيران، وصعوبات في عمليات الإمداد اللوجستي".

ويتابع القول: "في المقابل تبدو محاولة فرنسا إيصال الدعم اللوجستي عبر مسار آخر مثل ليبيا غاية في الصعوبة، إذ أبدت الأخيرة رفضها ولم تناقش مع فرنسا أصلاً موضوع السماح لها بالمرور عبر أجوائها لضرب النيجر، كما أنّ الأجواء الليبية مغلقة أمام الطائرات العسكرية، لذلك سيكون هذا خياراً ومساراً صعباً لفرنسا إن قررت التدخل من هناك".

ويؤكد المهري أن قدرة فرنسا على التدخلات العسكرية -كما فعلت في السابق- قد تضاءلت، وأنّ إصرار باريس على الضغط على إيكواس لتكون واجهة لتحرك عسكري فرنسي يدل على أنّها "لم تستفِد من الدروس في مالي وبوركينا فاسو، وأنّها تستمر في تكرار نفس الأخطاء في النيجر".

وهذا ما يؤيده الدكتور سليمان أعراج، معرباً عن اعتقاده بأنّ "فرنسا يجب عليها حساب موقفها جيداً، لا سيّما بعد تجربتها الفاشلة في مالي وفشل مجموعة 1+5 كمبادرة فرنسية للأمن في تحقيق أي تقدم من أجل الأمن ومكافحة الإرهاب، كما أنّ التعويل على دول إفريقية أخرى للتدخل عسكرياً هو حرب بالوكالة خاسرة"، لذا على باريس التوجه نحو "دعم الحل السياسي لأزمة النيجر باعتباره خياراً عقلانياً ومنطقياً".

TRT عربي