تابعنا
تتجه بعض الدول الكبرى والقوى الإقليمية لتجنيد واستئجار مرتزقة ليخوضوا حروبها بالوكالة، دون التورط في المواجهة المباشرة. وكان بوب دينارد العقيد الفرنسي من بين أهم مرتزقة الحروب في إفريقيا عقب الاستعمار الفرنسي. فما قصة "كلب الحرب" الفرنسي؟

عمل بوب دينارد كعسكري فرنسي، ويدعى في الحقيقة بجيلبير بورغو، التحق بالبحرية الفرنسية سنة 1945. ثم شارك في مقاومة النازية في سن مبكرة، وانضم بعد ذلك إلى مشاة البحرية الفرنسية، كأول مسؤول مساعد في القوات الخاصة في البحرية الفرنسية في الهند الصينية.

ترك دينارد الجيش والتحق بقوات الشرطة الفرنسية في المغرب في خمسينيات القرن الماضي. ثم خاض حروباً عديدة وطلب اللجوء في عدة دول على خلفية إدانته بجرائم الحرب والمساهمة في تنظيم انقلابات، ومطالبة القضاء بمحاكمته. ثم توفي في 13أكتوبر/تشرين الأول عام 2007، بعد إصابته بمرض الزهايمر.

اشتهر دينارد بكونه "كلب الحرب" و"المروع الأخير "، وذاع صيته كأشهر مرتزقة العالم. كما أثارت مسيرته وتدخلاته العسكرية في إفريقيا جدلاً كبيراً، في وقت تدعي فيه فرنسا سعيها لتعزيز مكاسب الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان حول العالم.

مجند المرتزقة في جزر القمر

يعتبر خبراء ومحللون أن المرتزقة ليسوا مجرد جماعات عشوائية، بل إنه يتم تنظيمهم وتجنيدهم من قِبل أطراف عسكرية أو شركات خاصة ويطلق عليهم أحياناً تسمية المتعاقدين الأمنيين.

وفي الوقت الذي كان فيه العسكريون يخضعون للمساءلة أمام الهيئات التشريعية العسكرية الخاصة بهم، فإنه لا توجد في الحقيقة سلطة تحقق في الجرائم التي يرتكبها المرتزقة وتفرض عقوبات عليها.

ويعد العقيد الفرنسي السابق بوب دينارد أشهر مرتزقة الحروب حول العالم، ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وعلى أراضي جزر القمر الفقيرة، جمع دينارد مجموعة من المحاربين، الذين قاموا بحجب هوياتهم وأصولهم، وشاركوه مخططاته الانقلابية وتدخلاته العسكرية، مقابل المال.

وكانت جزر القمر مستعمرة فرنسية حتى يوليو/تموز 1975، حين تولى أحمد عبد الله رئاسة الدولة المستقلة الحديثة، ولكن سرعان ما أطيح بحكمه.

حيث طلبت فرنسا من دينارد التدخل وإزاحة عبد الله الذي أعلن استقلاله عنها من الحكم. وفي السياق ذاته، كشفت تقارير أن دينارد تلقى مبلغاً قيمته 15000 دولار، ليتمكن من حشد الجيش ضد عبد الله. فاستدعى مجموعة من المجندين من الغابون وفرنسا، وقام بشراء أطنان من الأسلحة والذخيرة، وجند بعض الشباب من جزر القمر وجهزهم بالمعدات والأسلحة، وحاصروا الرئيس عبد الله في مكان إقامته، فأعلن الأخير استسلامه لعلي صويلحي الذي تسلم الحكم عقب هذه العملية الانقلابية.

إلا أن صويلحي لم يصمد إلا لفترة قصيرة، نجا فيها من عدة محاولات انقلاب، ثم عاد دينارد العسكري المرتزق من جديد عام 1978، لقيادة انقلاب آخر يتسبب في مصرع صويلحي ويعيد عبد الله إلى كرسي الحكم من جديد، وعين بعد ذلك دينارد على رأس الحرس الرئاسي.

وما إن أعلن الرئيس القمري عبد الله عن حل الحرس الرئاسي سنة 1989، حتى تم اغتياله من طرف المرتزقة. فرحل دينارد إثر ذلك إلى جنوب إفريقيا، بعد تولي الرئيس الجديد سعيد محمد جوهر.

ولكن لم يكن بالأمر الصعب على مدبر الانقلابات الفرنسي أن يخطط لانقلاب جديد على جوهر، بمساعدة مرتزقته في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989. ويعود إثر ذلك إلى فرنسا.

بوب دينارد خلال مشاركته في قيادة الحروب والمرتزقة بإفريقيا 1995 (Getty Images)

زارع بذور الحرب في الكونغو

كانت حرب الكونغو من بين الحروب الأولى التي شارك فيها بوب دينارد، ففي ستينيات القرن الماضي حدثت مواجهات واشتباكات بين القوات الكونغولية المدعومة من الأمم المتحدة، وقوات منطقة كاتاغا الانفصالية المدعومة بعدد كبير من المرتزقة الأجانب، ومن بينهم الجندي الفرنسي دينارد الذي شارك في الحرب إلى جانب الانفصالي موييز تشومبي.

إلا أن تمرد كاتاغا تعرض للفشل، فهرب دينارد إلى أنغولا ومنها إلى فرنسا، ليعود بعد ذلك برفقة مجموعة من المرتزقة ويقاتل إلى جانب موبوتو سيسي سيكو المعارض حينها لنظام كاتاغا، مقابل المال والامتيازات المادية.

وبتولي موبوتو الرئاسة عقب انقلابه على السلطة، طلب من دينارد المساعدة لنزع سلاح بعض المرتزقة والمتمردين، خشية تصفيته. إلا أن دينارد، مقابل المال مرة أخرى، خطط للإطاحة بحكم موبوتو. ولكن الحظ لم يحالفه بفشل الانقلاب.

لتكون وجهته بعد ذلك جزر القمر التي كانت انطلاقة جيل من المرتزقة، الذين استخدموا في حروب إفريقية.

إدانة ومساءلة قانونية

حكم على دينارد لأول مرة بالسجن لخمس سنوات في فرنسا، وذلك على إثر كشف تحقيقات لوثائق تعرض خطط معاركه في بنين بالكامل، فيما حكم عليه في بنين بالإعدام. إلا أنه أفلت من المساءلة القانونية، بهروبه إلى جزر القمر على متن قارب مدجج بالسلاح ومليء بالمرتزقة.

ثم حوكم بعد ذلك مرة أخرى على خلفية أحداث جزر القمر، إلا أن محاميه اعتبروا أن دينارد أصبح كبش فداء الجمهورية الفرنسية، إذ إنه كان يقوم بأداء الخدمات الموكولة إليه دون الإفصاح عنها في العلن.

وتعليقاً على ذلك قال الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية إن أجهزة الاستخبارات "حين لا تكون قادرة على القيام بأنواع محددة من العمليات السرية الخاصة، فهي تستخدم تشكيلات موازية، وهذا هو الحال الذي كان عليه بوب دينارد".

وفي السياق ذاته، حين سئل بوب دينارد إن كان حقيقة قد تلقى الضوء الأخضر من فرنسا لتدخلاته العسكرية أجاب قائلاً: "ليس بالضبط، تلقيت ضوءاً أصفر فقط".

لكن السلطات الفرنسية والدوائر القضائية واصلت إنكار علاقتها بمجموعات المرتزقة التي شكلها دينارد، ونفت التهم في التورط في تدخلاته العسكرية.

وفي عام 2003 تبنت الجمعية الوطنية مادة من النص التشريعي في فرنسا، تنص على عقوبات بالسجن وغرامات لمن "ينظمون نزاعاً أو يشاركون فيه مقابل المال دون أن يحصلوا على أمر من دولة".

إلا أن كثيرين يعتبرون أن النص القانوني جاء بعد فوات الأوان، بعد سنوات من حروب المرتزقة الرهيبة في إفريقيا.

توفي دينارد عام 2007، بعد أن تورط في عدة جرائم حرب وخطط لانقلابات عديدة، واتهم كذلك بالتورط في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا في نهاية التسعينيات.

TRT عربي