أجرت بحرية ست دول أعضاء في حلف الناتو مناورات "بولاريس 21" البحرية الأكبر في منطقة غرب المتوسط (Pascal Pochard-Casabianca/AFP)
تابعنا

أجرت القوات البحرية لكلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان مناورات بحرية تُعدّ الأكبر في منطقة غرب المتوسط منذ سنوات. هذه المناورات التي أتت باسم "بولاريس 21"، استمرت على طول أسبوعين، من 18 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أي بعد يوم من انطلاق تدريب بحري آخر أجرته القوات الروسية والجزائرية.

فيما تأتي هذه التحرّكات العسكرية من الجانبين وسط التنافس الاستراتيجي الغربي الروسي حول غرب المتوسط، والتوتر المتصاعد بين موسكو وواشنطن عقب اتهام الأخيرة الأولى بتحضير اجتياح بريّ لأوكرانيا. الأمر الذي يضع المنطقة في قلب الصراع القائم بين هاتين القوتين العالميّتين، هي التي تعيش أساساً على وقع نزاع بين الجارين المغرب والجزائر.

سباق مناورات على غرب المتوسط

وشاركت في مناورة "بولاريس 21" أكثر من 22 سفينة حربية، منها حاملات الطائرات الفرنسية شار ديغول، و13 فرقاطة تُضاف إلى سفن حربية كانت راسية عند مدخل مضيق جبل طارق في مياه محيط الأطلسي، وغواصات منها واحدة نووية فرنسية. وجواً، عرفت مشاركة 60 طائرة مقاتلة، وعشرات المروحيات الحربية، وطائرات الاستشعار "أواكس" الأمريكية و"أوريون 8". إضافة إلى أكثر من ستة آلاف جندي من الدول الثمان المشاركة.

وبحسب موقع وزارة الجيوش الفرنسية، تكمن أهمية المناورة في "رفع جاهزية الاشتباك على مستويات وساحات معركة متعددة في وقت متزامن"، كل هذا في بيئة "تشلّها الهجمات السيبرانية، والتشويش على اتصالات الراديو وانتشار أخبار زائفة من شأنها التأثير على العمليات العسكرية وأهدافها الاستراتيجية".

وشملت المناورة سيناريوهات تحاكي هجوم قوات عسكرية لدولة سُمّيت "ميركور" وأُشير إليها باللون الأحمر، على دولة أخرى أُشير لجيشها بالأزرق. وكتب موقع "لوتيليغرام" الفرنسي بأن "نوعية العتاد المستعمل من طرف قوة ميركور لا تملكه سوى تركيا أو روسيا". ورجّح أن المقصود بالسيناريو هي روسيا التي غالباً ما أُشير إليها باللون الأحمر العائد إلى الحقبة السوفياتية، وكذا لأنها الوحيدة التي لديها الإمكانيات الحربية والوجود العسكري قبالة الشواطئ الأوروبية الأطلسية.

البحرية الروسية التي كانت قواتها حاضرة بالقرب من مكان إجراء المناورة، وراقبت أطوارها. كانت هي الأخرى تُجري مناورة مع نظيرتها الجزائرية انطلقت يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني.

مناورة تأتي، بحسب بلاغ وزارة الدفاع الجزائرية، في إطار "تجسيد التعاون العسكري الثنائي الجزائري الروسي لسنة 2021"، وشملت "مناورات تكتيكية وتمارين لاعتراض واقتحام سفن مشبوهة، مكافحة الزوارق المعادية بالإضافة إلى البحث والإنقاذ والمساعدة في البحر، وتهدف إلى تبادل الخبرات وتعزيز التنسيق المشترك".

وبحسب وسائل الإعلام الروسية، شارك في هذه المناورات العسكرية البحرية أسطول مكوّن من الفرقاطة "الأدميرال غريغوروفيتش"، والسفينة الدورية "دميتري روغاتشيف" وزورق الإنقاذ "SB-742" من التجمع الدائم للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. ويرى محللون أن روسيا من خلالها تسعى إلى "إثبات حضورها" في منطقتي غرب المتوسط وإفريقيا عموماً.

الرباط والجزائر في قلب التنافس الدولي

هذا ووافق البانتاغون شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على تسليم المغرب منظومة الدفاع الجوية "باتريوت". في صفقة تُضاف إلى حزمة أسلحة أخرى بقيمة 4.25 مليار دولار للقوات المغربية، بما في ذلك 36 مروحية هجومية ثقيلة من طراز "AH-64 Apache" وغيرها من الأسلحة ومعدّات الصيانة المرتبطة بها. كما أجرت القوات الأمريكية والمغربية مناورات مشتركة، أبرزها "أسد إفريقيا" شهر يونيو/حزيران الماضي.

في المقابل، زودت روسيا الجزائر بأنظمة صاروخية للغواصات متطورة للغاية ولا تملكها سوى سبع دول في العالم. جُرّبت خلال مناورات "مركب الردع 2021" البحرية المشتركة شهر سبتمبر/أيلول الماضي بالقرب من الحدود المغربية. حيث رُميت صواريخ وتوربيدات لقصف أهداف على سطح البحر و"دُمّر الهدف بنجاح" بحسب بلاغ نشرته وكالة الأنباء الجزائرية.

فيما تحدثت جريدة "هيسبريس" الإلكترونية المغربية أن "من غير المستبعد أن تسمح الجزائر، في ظلّ هذه الظروف التي تعيشها، بإقامة قاعدة عسكرية روسية على أراضيها". وعلّق خبير استراتيجي مغربي لنفس المصدر بأن إقامة قاعدة عسكرية روسية في وهران "يعني إخلالاً بالتوازنات العسكرية لصالح روسيا على حساب أوروبا، وهو ما يترتّب عنه تغيير في قواعد الاشتباك".

الأمر الذي يرى فيه مراقبون وجود سباق كبير روسي-غربي حول مدّ النفوذ الاستراتيجي في منطقة غرب المتوسط وشمال إفريقيا، وهو امتداد لتنافسهما الكبير الذي يتّسع ليشمل نقاط تماس كثيرة بينهما حول العالم. هذا التنافس الذي يركب في حالة المتوسط على التصعيد القائم بين البلدين الجارين، الجزائر والمغرب.

TRT عربي