تابعنا
حذر برنامج الأغذية العالمي من أن الجوع بدأ في الانتشار بشكل واسع في مختلف مناطق قطاع غزة، إذ بات "الناس يشعرون بيأس متزايد خلال محاولة إيجاد الغذاء لإطعام أسرهم"، مؤكداً "ازدياد حالات الجفاف وسوء التغذية بشكل متسارع في القطاع".

تدخل الحرب على قطاع غزة شهرها الثالث، وسط استمرار جيش الاحتلال في سياساته القائمة على التدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة، وتهجير أكبر قدر ممكن من السكان، التي كان آخر فصولها ما جرى في بلدات بني سهيلا، وعبسان، وخزاعة، والزنة، شرقي خان يونس، بعد أن أجبرهم الاحتلال على النزوح باتجاه رفح جنوباً.

ووفقاً لتقديرات وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فقد استقبلت مراكز الإيواء ما يقرب من 1.2 مليون نازح، يقيمون في 155 منشأة تابعة لـ"أونروا"، نزحوا من مختلف مناطق قطاع غزة، فيما قدرت عدد النازحين من منازلهم بـ1.9 مليون شخص، أي ما يقرب من 85% من سكان قطاع غزة.

الاكتظاظ الهائل داخل مراكز الإيواء وحولها، شكَّل بيئة مواتية لانتشار الأمراض المُعدية وتحديداً بين الأطفال، فيما حذرت "أونروا" من خطر انتشار هذه الامراض، مشيرة إلى أن ما يقرب من 170 ألف طفل لديهم التهابات رئوية.

أجساد الأطفال فريسة الأمراض المُعدية

لجأت ياسمين عاشور رفقة طفلها أمير "9 سنوات" إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، التقيناها وهي تضع الكمادات على جبهة أمير في محاولة لخفض درجة حرارته المرتفعة.

وفي حديثها مع TRT عربي، أرجعت ياسمين سبب تفاقم حالة طفلها إلى بقائه في المستشفى، إلى جانب المصابين، في ممر يعجّ بجرحى الحرب والنازحين من الأطفال، في ظل انعدام التهوية، حيث الجو العام بداخله يساعد على انتشار الأمراض المُعدية بشكل سريع، وهذا ما سبَّب حالة أمير الذي يعاني منذ أسبوعين السخونة المرتفعة وسعالاً حادّاً.

وبعد تفاقم حالة الطفل أمير، لجأت والدته إلى قسم الأطفال في المستشفى الذي تنزح فيه، وبعد انتظار دام لساعات أمام غرفة طبيب الأطفال، كان عليها الاصطدام بتحدٍّ آخر يتمثل في الحصول على الأدوية من الخارج، ورغم حصولها عليها لم تفِ بالغرض، وظلت حالة أمير غير مستقرة.

وفي زاوية أخرى من المستشفى، تحدث مراسل TRT عربي مع والد الطفل عدلي الصيفي "7 سنوات"، الذي نزح وعائلته إلى بيت أقاربه في دير البلح وسط القطاع، لتقصف إسرائيل مسجداً مجاوراً للمنزل، على أثره بدأ الطفل بالمعاناة من سخونة شديدة وقيء متكرر مصاحب للإسهال وتشنجات مستمرة.

يُرجع والد الطفل ارتفاع درجة حرارة عدلي والتشنجات التي تصيبه إلى آثار "ما بعد الصدمة" التي تعرض لها بعد قصف الاحتلال، إضافةً إلى ذلك يعاني عدلي وشقيقته نسرين "3 أعوام" من أعراض الجفاف وقلة الوزن وشحوب الوجه، بعد أن اضطرت العائلة إلى تقليص عدد الوجبات اليومية إلى وجبة واحدة من الخبز المحشو بالزعتر أو الجبنة، نظراً لانخفاض كميات الطعام المتوفرة.

وحذر برنامج الأغذية العالمي من أن الجوع بدأ في الانتشار بشكل واسع في مختلف مناطق قطاع غزة، إذ بات "الناس يشعرون بيأس متزايد خلال محاولة إيجاد الغذاء لإطعام أسرهم"، مؤكداً "ازدياد حالات الجفاف وسوء التغذية بشكل متسارع في القطاع".

وأظهر رصد أجراه البرنامج أن "ما بين 83% و97% من الأسر لا تستهلك ما يكفي من الطعام، وفي بعض المناطق يصل إلى 90% من الأسر تعاني عدم تناول أي وجبة طعام ليوم وليلة كاملين".

مراكز الإيواء وخطر المرض

تعاني مراكز الإيواء أزمة متفاقمة بعد استقبالها عدداً كبيراً من النازحين، وسط النقص الواضح في الاحتياجات الأساسية كافة، وعدم قدرتها على مستوى البنية التحتية والتجهيز، على استقبال هذا العدد من النازحين.

هذا الأمر ظهر بشكل واضح مع الطفلة نغم التي تعاني مرض السكري، ما يجعل دخولها دورة المياه بشكل مستمر إجبارياً.

وتقول والدة الطفلة نغم لـTRT عربي إن "ابنتها تعاني التهابات شديدة نتيجة حشرها البول، وهو الذي سبَّبه بُعد الحمام داخل المدرسة النازحة إليها في النصيرات عن خيمتها، إذ يبعد نحو 100 متر، وفي حال وصولها تضطر نغم وغيرها من الفتيات إلى الانتظار طويلاً على باب الحمام للدخول، نظراً للعدد الكبير من النازحين الذين يحتاجون لدخول حمام المدرسة".

وتضيف والدة الطفلة وهي تنتظر أمام الطبيب في مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، أن مخزون السكر عند نغم عالٍ جداً، لذلك جاءت إلى المستشفى، لا سيما أنها تعاني جفافاً حاداً.

بدوره يشير الدكتور وائل شحادة، طبيب الأطفال في مستشفى شهداء الأقصى، إلى أن عدد الأطفال المصابين بالنزلات المعوية والالتهابات والسخونة والأمراض الجلدية يشهد تصاعداً خطيراً.

ويضيف شحادة لـTRT عربي، أن عدد الحالات التي تصل إلى المستشفى 4 أضعاف الحالات التي كانت تأتي قبل الحرب على غزة، وجُلّها من الأطفال صغار السن، مرجعاً ذلك إلى عوامل عدّة منها المياه الملوثة، والطعام غير الصحي، بالإضافة إلى الاكتظاظ الكبير داخل مراكز الإيواء والازدحام والاحتكاك بين النازحين.

بين القصف والجوع

نعيمة شاهين، نازحة من شمال غزة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تقف يومياً ساعات طويلة في طوابير متعددة للحصول على حاجاتها الأساسية، فالوقت يمر في غزة خلال الانتظار في طوابير الخبز والوقود والخضار وغيره.

وتقول نعمة لـTRT عربي، إن "أسعار الخضراوات والمعلبات مرتفعة جداً، لا تستطيع توفير المال حتى تشتري كميات وفيرة لتقضي حاجة أبنائها، خرجت من منزلها ومعها قليل من المال، لكنه نفد مع استمرار القصف ومكوثها فترة طويلة في المنطقة النازحة إليها، إذ اضطرت لإعداد وجبة طعام واحدة فقط خلال اليوم، فيما يمرّ اليوم ومَعِدات أبنائها خاوية".

وبعد قضائها ساعتين في سوق مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، ستعود نعمة إلى بيتها خاوية اليدين، إلا من عدد من حبات البندورة والبصل.

"مَن لم يَمُت بالقصف سيموت من الجوع"، هكذا عبّرت نعيمة عن عجزها في توفير الطعام لأبنائها، في ظل الشح الكبير في السلع والمواد الغذائية.

وأدت ندرة الخضراوات والفاكهة والسلع الغذائية إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير داخل الأسواق في قطاع غزة، وتسبب في ذلك إغلاق المعابر والحصار المطبق الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين وصعوبة وصول المزارعين إلى الأراضي الزراعية الحدودية.

TRT عربي