تابعنا
بعد فك النيجر تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة وفرنسا، أفادت وزارة الدفاع الأمريكية بأنباء عن دخول قوات روسية إلى قاعدة عسكرية في نيامي، وهو ما يشير إلى تقارب موسكو مع القيادة العسكرية النيجرية، ويرجح سيناريو مماثلاً لجارتيها مالي وبوركينا فاسو.

أفاد مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية يوم الجمعة 3 مايو/أيار الجاري بأن جنوداً روساً دخلوا القاعدة الجوية الاستراتيجية 101، التي تقع قرب العاصمة النيجرية نيامي، موضحاً في حديثه مع وكالة رويترز أن "(الوضع في القاعدة) ليس جيداً، لكن يمكن إدارته على المدى القصير".

وتعدّ هذه الأنباء الأولى التي تؤكد الوجود العسكري الروسي في النيجر، التي سبق وأعلن مجلسها العسكري الحاكم فك تعاونه العسكري مع كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وهو ما يرجح فرضية وجود تقارب عسكري بين موسكو ونيامي، بشكل مشابه لما حصل في كل من مالي وبوركينا فاسو.

روس في قاعدة أمريكية!

وفي تصريحاته المذكورة، أشار المسؤول العسكري الأمريكي إلى أن سلطات النيجر كانت قد أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بدخول القوات الروسية إلى أراضي البلاد، محدداً عدد هذه القوات بنحو 60 عسكرياً روسياً.

وأعلنت وسائل إعلام روسية ونيجرية في منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي ما كشف عنه المسؤول في البنتاغون، إذ بث التليفزيون الرسمي في البلد الإفريقي يوم 12 أبريل/نيسان تقريراً عن وصول خبراء عسكريين روس إلى النيجر، ونقل عن أحد هؤلاء الخبراء قوله: "نحن هنا لتدريب جيش النيجر، ولتعزيز التعاون العسكري بين روسيا والنيجر".

وأفاد الإعلام الروسي بأن هؤلاء الخبراء العسكريين الروس موجودون في النيجر لتدريب القوات المحلية على "مكافحة الإرهاب"، ونقلت عن الكرملين تأكيده اهتمام روسيا والدول الإفريقية بالتعاون الدفاعي ومواصلة تطوير هذا التعاون.

وفي 3 مايو/أيار قلّل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، من تأثير وجود القوات الروسية في القاعدة الجوية 101 على وجود الجيش الأمريكي في القاعدة نفسها، وقال أوستن إن الجنود الروس "موجودون في مجمع منفصل ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأمريكية أو معدّاتنا، ولا أرى في الوقت الحالي مشكلة كبيرة هنا فيما يتعلق بحماية قواتنا".

وهو ما أكدته أيضاً قيادة القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) أن القوات الروسية موجودة في بناية منفصلة عن مكان وجود الجيش الأمريكي في القاعدة 101.

الجيوش الغربية خارج النيجر

تأتي هذه التطورات بعد إعلان النيجر قبل نحو شهرين فك تعاونها العسكري مع القوات الأمريكية، ومنذ ذلك الوقت عمدت واشنطن إلى نقل قواتها من القاعدة الجوية 101 في نيامي إلى القاعدة الجوية 201 في مدينة أغاديز.

ومنذ توقيع التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والنيجر عام 2012، يستضيف البلد الإفريقي أكثر من 1000 جندي أمريكي، يشاركون في التدريبات والعمليات الأمنية الإقليمية وحماية القاعدتين الجويتين اللتين يوجد فيهما عناصر الخدمة الأمريكيون.

وتعدّ "القاعدة الجوية 201" الأمريكية في الشمال النائي للنيجر وحيدة من نوعها في منطقة الساحل، إذ تُستخدم لتشغيل الطائرات من دون طيار التي توفر قدرات استخبارية واستطلاعية ورقابية وهجومية بالغة الأهمية للجيش الأمريكي، ومن دونها ستكون الولايات المتحدة غير قادرة إلى حدّ كبير على تمييز مجموعة من التهديدات التي تمثلها هذه الجماعات المسلحة في المنطقة.

وأعلن المجلس العسكري الحاكم في النيجر في بيان بثه التلفزيون الرسمي يوم 16 مارس/آذار الماضي قطع العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة بـ"مفعول فوري"، وإلغاء الاتفاق العسكري الذي يجمع البلدين.

وقال المتحدث باسم الحكومة النيجرية أمادو عبد الرحمن، إن "حكومة النيجر (...) تقرّر بكل مسؤولية أن تُلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر".

ورداً على هذا القرار، أشار البنتاغون إلى رفض واشنطن مسار تطور العلاقات بين النيجر وروسيا وإيران، وقالت المتحدثة باسم الوزارة الأمريكية سابرينا سينغ، إن "الوفد الأمريكي كان هناك لإثارة عدد من المخاوف (...) كنا قلقين بشأن المسار الذي كانت تتجه إليه النيجر، لذلك كانت هذه محادثات مباشرة وصريحة، للحديث عن مخاوفنا والاستماع إلى مخاوفهم".

من جانبها قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارين جان بيير، إن الولايات المتحدة "تراقب عن كثب الأنشطة الدفاعية الروسية" في النيجر من أجل "تقييم وتخفيف المخاطر المحتملة على الأفراد والمصالح والأصول الأمريكية".

وفي سبتمبر/أيلول 2023 وافقت فرنسا على قرار مشابه كان قد أقره قادة النيجر عقب انقلابهم على حكم الرئيس محمد بازوم، وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقتها قائلاً: "لقد وضعنا حداً لتعاوننا العسكري مع سلطات الأمر الواقع في النيجر، لأنها لم تعدّ ترغب في محاربة الإرهاب"، مشيراً إلى أن بلاده ستسحب جميع قواتها من النيجر بنهاية 2023.

هل يتكرر السيناريو نفسه؟

تشترك دول الساحل الثلاث (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) في قيادتها من مجالس عسكرية عقب سلسلة الانقلابات التي شهدتها خلال السنوات الأخيرة، كما تتشابه تلك المجالس العسكرية في مواقفها المعادية للوجود العسكري الغربي، واتجاهها إلى ربط علاقات دفاعية مع روسيا.

وفي هذا الصدد، يرى الصحفي التشادي خالد بن علي، أن "توجُّه النيجر وحليفتيها مالي وبوركينا فاسو، نحو المعسكر الروسي، يحتِّم عليها تقويض النفوذ الغربي، لا سيّما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا".

وفي حديث سابق مع TRT عربي، أعرب بن علي عن اعتقاده أنه لا شك في أن "قرار النيجر له صلة بتمدد النفوذ الروسي، الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية في جبهات متفرقة عبر حرب وكالات".

في المقابل، يقوّض هذا التوجه في النيجر استراتيجيات الدول الغربية في المنطقة التي تحتل قلب القارة الإفريقية. وخسرت باريس موضع قدم مهماً في دول الساحل غرب إفريقيا، بانسحابها من النيجر، إذ أنهت القوات الفرنسية وجودها في 5 قواعد عسكرية في البلاد، فضلاً عن مصادر مهمة للطاقة وموارد طبيعية.

وتحصل فرنسا على نحو 35% من طاقتها الكهربائية عن طريق اليورانيوم المخصب الذي تجلبه من النيجر، إذ إنها تلبي جزءاً كبيراً من احتياجاتها للغاز الطبيعي من الغاز النيجري الذي يأتي إليها عبر نيجيريا والجزائر مروراً بأسفل البحر الأبيض المتوسط. وتأتي خسارة مصادر الطاقة الحيوية هذه في وقت تشهد فيه أسعار الطاقة ارتفاعاً ملحوظاً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

من ناحية أخرى يوضح الأكاديمي إسماعيل محمد طاهر، أن "الولايات المتحدة لديها هي الأخرى رهانات استراتيجية، خصوصاً برنامجها الخاص في الساحل، مثلاً فيما يخص الموارد النفطية هناك التي تراهن عليها في سياق مساعيها لتقليل الاعتماد على الواردات البترولية من الشرق الأوسط، وكذلك مساعيها ليكون لها موطئ قدم وحلفاء في المنطقة".

ويرى طاهر في حديثه مع TRT عربي أن التوترات الأخيرة قد تضع هذه المصالح الاقتصادية الأمريكية أيضاً على المحكّ، خصوصاً أنها تأتي بعد إعلان النيجر رفقة كل من مالي وبوركينا فاسو، الخروج من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) والعمل على إنشاء اتحاد اقتصادي خاص بها، وهي الخطوة التي تثبت أنها "ماضية قُدماً في استقلاليتها عن القوى الغربية".

TRT عربي
الأكثر تداولاً