تابعنا
يرى خبراء ومختصون تحدثوا لـTRT عربي أنّ فكرة إغراق الأنفاق بمياه البحر، وإن كانت نظرياً ممكنة، إلّا أنّها على أرض الواقع ستواجه كثيراً من الصعوبات التي تجعلها تفشل بشكل كبير دون أن تحقق غاياتها.

لا تزال فكرة إغراق أنفاق قطاع غزة حاضرة في مخططات إسرائيل، بهدف القضاء على قوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على القتال، دون تحقيق هدف واحد من الأهداف التي أعلن عنها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

وتشكّل الأنفاق في قطاع غزة "حجر عثرة" ومصدر قلق للقوات الإسرائيلية المتوغلة في أنحاء القطاع منذ أشهر، وما زال اختراق هذه الأنفاق وكشفها أمراً بالغ الصعوبة أمام الهندسة الإسرائيلية التي لا تعرف حتى اليوم أبعاد وأعماق ومساحات هذه الأنفاق.

واعتمدت كتائب القسام منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" في عام 2000، على هذه الأنفاق سلاحاً رئيسياً في تنفيذ عدد من العمليات التي استهدفت مواقع عسكرية إسرائيلية داخل وخارج قطاع غزة، وكان أبرزها عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط في عام 2006، التي أشعلت سلسلة من الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأصبحت الأنفاق العنوان البارز لتلك الصراعات.

ويرى خبراء ومختصون تحدثوا لـTRT عربي أنّ فكرة إغراق الأنفاق بمياه البحر، وإن كانت نظرياً ممكنة، إلّا أنّها على أرض الواقع ستواجه كثيراً من الصعوبات التي تجعلها تفشل بشكل كبير دون أن تحقق غاياتها.

لا ضمان لنجاح إغراق الأنفاق

ويرى الخبير العسكري أيمن العامري أنّ حرب الإغراق التي تفكر بها إسرائيل لغمر أنفاق غزة بمياه البحر "لا ضمان لنجاعتها لأسباب لها علاقة بمواقع العمليات العسكرية من جهة، ولطبيعة أرض المعركة من جهة أخرى"، وفق قوله.

ويقول العامري لـTRT عربي: "من ناحية مواقع العمليات العسكرية، فإنّ إسرائيل وبعد أكثر من 3 أشهر من الحرب على القطاع لا تعرف حتى الآن مواقع ومراكز تخزين وصناعة الذخائر التي توجد داخل الأنفاق، وهي لا تملك خرائط أو بيانات أو دلائل على مواقع العمليات العسكرية التي تحدث داخل الأنفاق، وبالتالي فإنّ الإغراق سيكون غير مجدٍ دون وجود دليل أو خطة أو خريطة".

وينوّه إلى أنّ منصات إطلاق الصواريخ التي تستخدمها المقاومة، التي من المفترض أن يجري اختيارها بناءً على أسس رياضيات علمية صحيحة لتتحقق إصابات في أهدافها، متباينة ومتباعدة من عدة مواقع، وهو ما يصعّب على إسرائيل معرفة مداخل ومخارج الأنفاق التي تنطلق منها الصواريخ لتُغرقها وتغمرها بالمياه بهدف تخريبها وإضعاف قدرات حماس.

ويشير العامري إلى أنّه من ناحية طبيعة أرض المعركة، فإنّ قطاع غزة له جغرافية متعددة، سواء الأرض السهلية أو الجبلية أو الوديان، وهو ما يجعل فكرة الإغراق صعبة جداً، بسبب عدم التمكّن من الوصول لكثير من المناطق، كما أنّ ارتفاعات وأبعاد الأنفاق ليست على ذات المستوى، وهو ما يجعل من إغراقها أمراً مستحيلاً.

ويبيّن الخبير العسكري أنّ بناء الأنفاق واستخدامها في العمليات العسكرية يجب أن تكون لها حسابات لغايات التحصين والردع، وأن لا تكون مترابطة معاً، وأن تتقاطع فيما بينها بفواصل يصعب اختراقها وتجاوزها.

ويوضح العامري أنّ حماس تدرك تماماً أنّ شبكة الأنفاق هي "حصنها الحصين" لتستمر في عملياتها القتالية، وبالتالي لا بدّ من وجود روادع قوية بهذه الأنفاق تمنع اختراقها سواء من خلال الإغراق أو التفجير.

جغرافيا قطاع غزة

يقول أستاذ الجغرافيا الطبيعية وليد سرحان، لـTRT عربي إنّ "عملية إغراق الأنفاق بالاعتماد على مضخات كبيرة لن تجدي نفعاً مع حال أنفاق غزة لأسباب تخصّ جغرافيا القطاع المترامي الذي يشكّل تموّجاً جغرافيّاً من شماله إلى جنوبه".

ويشير إلى أنّ المناطق الشمالية من القطاع، أغلبها زراعية وتربتها خصبة نوعاً ما، "وهو ما يجعل إغراق الأنفاق، إنْ وُجدت في تلك المناطق، صعباً، لأنّ حماس تعمل بتكتيك على محو آثار مداخل الأنفاق وتجعل شكلها مثل جزء طبيعي من شكل الأراضي المحيطة".

وينوّه إلى أنّ هذه الأراضي الخصبة تكتسب تماسك تربتها من المزروعات التي تُزرع فيها سواء كانت أشجاراً أو حبوباً، "وهو ما يصعّب عملية العثور على مدخل أي نفق من جهة، ومن جهة أخرى أنّ هذه المزروعات تشكّل مصدّات للمياه في حال الغمر، وبالتالي ضخّ المياه في هذه المناطق بشكل عشوائي أمر محكوم عليه بالفشل".

ويضيف سرحان أنّ المناطق الوسطى من القطاع هي مناطق مكتظّة جداً بالمباني والسكان، وإذا كانت في تلك المناطق أنفاق فهي بالتأكيد تحت هذه المباني المتراصّة، ما يجعلها مخفية أكثر وذات أعماق أكبر قد تصل إلى 30 أو 60 متراً، وبالتالي فإنّ إغراقها أمر محال.

ويختم بأنّ "طبيعة الجغرافيا الخاصة بقطاع غزة تميل لصالح المقاومة وتعطيها امتيازاً بحيث لا يمكن للقوات الإسرائيلية أن تخترقه أو تُغرقه بمياه البحر، كما يخطَّط له".

لا خطط ولا إمكانات ولا قدرات

من جانبه يرى الخبير في التخطيط الأمني والاستراتيجي محمد الصفدي، أنّ أي عمل عسكري يتطلب 3 أسس قبل التنفيذ: أولاً الخطة، ثانياً القدرة، ثالثاً الإمكانات. موضّحاً أنّ "القوات الإسرائيلية في ملف إغراق الأنفاق لا تملك أي أساس من هذه الأسس الثلاثة".

ويضيف الصفدي في حديث لـTRT عربي، أنّ "إسرائيل ليست لديها خطة واضحة حول آلية إغراق الأنفاق ونقاط البداية والنهاية أو مخططات أو خريطة لهذه الشبكة، كما أنّها لا تمتلك قدرات تمكّنها من رصد الأنفاق في الوقت نفسه حال إغراقها، ولا تمتلك الأدوات الكافية إلّا 4 مضخات يصعب أن تغمر مئات الكيلومترات من الممرات بالمياه".

ويشير إلى أنّ تفكير إسرائيل في هذا الحل "ينطوي على أمرين اثنين؛ أولاً أنّها تحاول أن تخرج على الشارع الإسرائيلي بانتصار وإنجاز وإن كان شكلياً، وثانياً أنّها يئست من قتال قوات المقاومة التي ألحقت بالقوّات الإسرائيلية والآليات العسكرية دماراً كبيراً، ما سبَّب خسائر تُقدَّر بالملايين".

ويبيّن الصفدي أنّ شبكة أنفاق قطاع غزة لها أبعاد عمودية وأفقية متباينة الأطراف، فيها ذات أعماق متفاوتة بعضها 10 أمتار، والبعض الآخر 50 متراً وأكثر، كما أنّها ممتدة على طول مساحات القطاع لمسافة تتجاوز 450 كيلومتراً، وهو ما يجعلها منيعة على أي محاولة لإغراقها أو تفجيرها.

ويلفت الخبير الاستراتيجي إلى أنّ هذه الأنفاق وفقاً لنظام هندستها، متشعّبة وتعد متاهة كبيرة بعضها بلا مخرج وبعضها بلا نهاية، وهو ما يمنح المقاومة حريّة كبيرة في القتال ونصب الكمائن للقوات الإسرائيلية التي تسير دون علم أنّه يوجد في هذا الموقع مدخل أو مخرج نفق.

ويؤكّد الصفدي أنّ حماس لديها تكتيك استراتيجي في القتال، لأنّها تتخذ من هذه الأنفاق مواقع لاحتجاز الأسرى الإسرائيليين، وهو ما يصعّب على مجلس الحرب الإسرائيلي اتّخاذ خطوة الإغراق، خصوصاً في ظل الضغط الكبير من الشارع الإسرائيلي الداعي لعقد صفقات تبادل أسرى دون شروط.

ويختم الصفدي بأنّ "إسرائيل اليوم في وضع حرج، وقد نبشت عش الدبابير عندما وضعت القضاء على حماس ضمن أهدافها المعلنة، ودفعت بجنودها نحو المجهول في أرض معركة مغلقة لا يعرف فيها الجندي الإسرائيلي من أين تأتيه الرصاصة أو القذيفة".

TRT عربي