السودان / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

عاشت القارة الإفريقية في 2023 عاماً مليئاً بالأحداث والمستجدات على مختلف الأصعدة، جعلها تحت مجهر العالم كله، خصوصاً مع تواصل الانقلابات العسكرية في القارة، لا سيّما الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في النيجر وأحدث أزمة سياسية كبيرة كادت أن تتطور إلى نزاع عسكري إقليمي ودولي في غرب القارة.

وكان الصراع على الحكم في دول إفريقية عدّة أهم ميزات الواقع الإفريقي، إذ اندلعت أزمة عاصفة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع تتواصل لأكثر من 9 أشهُر، فيما أثارت المحطات الانتخابية في القارة أزمات سياسية وتبادل التهم بين الحاكمين والمعارضة.

ورغم الإقبال المتزايد من القوى الكبرى الطامحة إلى إيجاد موطئ قدم داخل القارة الإفريقية، فإن الاضطرابات الشعبية والصراعات السياسية وتنامي الفقر وغياب الأمن ميزت العام المنصرم في القارة.

حرب أهلية في السودان

في 15 أبريل/نيسان الماضي انفجرت حرب أهلية في السودان بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يترأس البلاد، ونائبه محمد حمدان دغلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع، بسبب خطة إدماج هذه القوات في الجيش. اتسعت رقعة النزاع المسلح بين الطرفين وتصاعدت أعمال العنف في كل البلاد، ما أدى إلى مقتل 12 ألفاً وإصابة أكثر من 30 ألفاً، فيما فشلت كل محاولات الوساطة الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق قالت الباحثة في الشؤون الإفريقية بجامعة القاهرة نِهاد محمود إن "الوضع في السودان يشهد تعقداً يوماً تلو الآخر منذ اندلاع الاشتباكات في منتصف أبريل/نيسان الماضي"، مبيّنة أن البلاد باتت بين خيارين، كلاهما شديد الخطورة، سواء استمرار الاقتتال والتخريب للمرافق والبنى التحتية أو سيطرة قوات الدعم السريع على البلاد.

وتشير محمود في حديثها مع TRT عربي إلى أنّ الصراع في السودان "أنتج أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ دفعت الأحداث قرابة 7.1 مليون شخص إلى ترك منازلهم، وفرَّ 1.2 مليون شخص إلى دول الجوار التي تعاني بالفعل من أوضاع اقتصادية وسياسية صعبة وتحديات داخلية متنامية".

وتوقعت الباحثة في الشؤون الإفريقية استمرار القتال وتأزم الأوضاع الإنسانية وتزايد أعداد النازحين وسط فشل محاولات الوساطة بوقف القتال، سواء من قِبل الاتحاد الإفريقي أو الإيغاد أو محادثات السلام التي أجريت في جدة.

تواصل الانقلابات

خلال 2023 عاشت القارة الإفريقية على صفيح ساخن بسبب تواصل موجة الانقلابات التي ضربت النيجر في 26 يوليو/تموز، وأطاحت بالرئيس محمد بازوم، ما خلّف ردوداً إقليمية ودولية متباينة كادت أن تتحول إلى حرب إقليمية بعد تهديد المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري وإعادة الحكم المدني في البلاد.

ومع تمسك المجلس العسكري بالحكم في نيامي، عرف موقف إيكواس تصدّعاً بعد تهديد بوركينا فاسو ومالي بالتصدي لأي عملية عسكرية في النيجر، وهو ما أنتج تراجعاً في الموقف الإقليمي والدولي، واضطرت فرنسا إلى إعادة سفيرها إلى باريس وسحب قواتها من البلاد.

بعد أسابيع من انقلاب النيجر أطاح الجيش في الغابون بالرئيس عمر بونغو بعد 4 أيام من انتخابه لولاية ثالثة، لينهي بذلك حكم عائلة بونغو بعد 56 عاماً من حكم البلاد.

وعلى عكس انقلاب النيجر لم يواجَه انقلاب الغابون بردود أفعال عنيفة وتعاملت فرنسا مع التغيير في ليبرفيل بهدوء، ولم تطالب بعودة الرئيس بونغو على خلاف إصرارها على شرعية الرئيس بازوم في النيجر.

ويرى المحلل الاستراتيجي ورئيس اللجنة الجزائرية الإفريقية للسلم والمصالحة أحمد ميزاب أنّ "اختلاف التعامل بين الانقلابين كان سببه مصالح فرنسا".

ويشير ميزاب في حديثه مع TRT عربي إلى أنه في المقابل جرى غض البصر عن انقلاب الغابون لأنه لا يضر بمصالح باريس.

8 انتخابات رئاسية

شهدت القارة الإفريقية خلال عام 2023 تنظيم 8 انتخابات رئاسية أسفرت عن محافظة 6 رؤساء على مناصبهم في سيراليوني وزيمبابوي والغابون ومدغشقر ومصر والكونغو الديمقراطية، فيما انتُخب رئيسان جديدان في نيجيريا وليبيريا.

ورافق الإعلان عن النتائج في أغلب هذه الانتخابات تشكيك من المعارضة واتهامات بالتزوير، خصوصاً في الكونغو الديمقراطية مؤخراً وفي زيمبابوي وسيراليون والغابون.

وقالت الباحثة في الشؤون الإفريقية نِهاد محمود إنه "من الصعب التنبؤ بأن تخطو بلدان القارة خطوات حقيقية إلى الأمام نحو الديمقراطية"، مشيرة إلى أنّ الديمقراطية في المنطقة تواجه كثيراً من التعثّر والتحديات، التي اقترنت في حالات عدّة بإجراءات وممارسات ديمقراطية شكلية، مثل نتائج الانتخابات الرئاسية في زيمبابوي والكونغو الديمقراطية خلال 2023 التي لم ترضِ المعارضة.

وتلفت محمود إلى أنّ "المجالس العسكرية التي سيطرت على الحكم عبر الانقلابات لم تفِ بمواعيد الانتخابات التي جرى الاتفاق عليها، مثل مالي التي أجّلت الانتخابات التي كانت مقررة في 2024 لأسباب فنية بعد التصديق على الدستور الجديد، وهو الأمر ذاته الذي تكرر في غينيا مع تصاعد المواجهة بين المجلس العسكري الحاكم وفصائل المعارضة بعد فشل الحوار في مايو/أيار 2023".

تراجع النفوذ الفرنسي

مع تزايد الاحتجاجات الشعبية ضد الوجود الفرنسي في دول إفريقية عدة، مثل تشاد ومالي والكونغو الديمقراطية وغينيا والنيجر، اضطرت فرنسا في عام 2023 إلى سحب قواتها من النيجر وبوركينا فاسو، وسط توتر غير مسبوق في العلاقات بين باريس وعدد من الدول الإفريقية.

وفي مالي صوّت الشعب لصالح الدستور الجديد في 18 يونيو/حزيران 2023 الذي نصّ عن التخلي عن اللغة الفرنسية بوصفها لغة رسمية للبلاد وتحويلها إلى لغة عمل فقط. وتأتي هذه الخطوة وسط توتر العلاقات بين البلدين منذ الانقلاب العسكري في مالي عام 2020، الذي تبعه مغادرة القوات الفرنسية للبلاد في أغسطس/آب 2022.

واعتبرت الباحثة نهاد محمود أنّ "الانقلابات الأخيرة المندلعة منذ عام 2020 وصولاً إلى النيجر في عام 2023 كشفت عن تراجع النفوذ الفرنسي بشكل كبير داخل إقليم غرب إفريقيا، منطقة نفوذ باريس التقليدية الاستراتيجية".

وأضافت أن "التراجع الفرنسي يمكن التماسه بشكل واضح من خلال مراقبة الاحتجاجات الشعبية التي صاحبت هذه الانقلابات وأعلنت دعمها للقادة العسكريين ونادت بخروج باريس من بلادها، وهو ما حدث بالفعل من رحيل للقوات الفرنسية في النيجر وبوركينا فاسو خلال 2023 وفي مالي بأغسطس/آب 2022".

وتبيّن محمود أنّ "العدائية ذاتها تجاه فرنسا كانت على الصعيد الاقتصادي، خصوصاً مع نظر كثير من الأفارقة إلى باريس بوصفها مستنزفاً لثرواتها ومقدراتها وتركهم في فقر مدقع، مقابل إبداء الرغبة في تعميق الشراكة مع روسيا بديلاً عن باريس".

من جانبه اعتبر المحلل الاستراتيجي أحمد ميزاب أنه "من الصعب على فرنسا أن تستسلم في إفريقيا وتقدّمها على طبق من ذهب لمنافسيها، رغم أنها تعمل الآن على الحفاظ على الحد الأدنى لإعادة ترتيب أوراقها لتعود من بوابة أخرى، وهذا يتطلب مساحة من الزمن".

ويشير إلى أن "أبرز السيناريوهات المفضلة لفرنسا هي الفوضى والاضطرابات، بما يبرر العودة والسيطرة وإعادة تنظيم الأمور باعتبارها كانت في السابق ترسم معالم الأنظمة السياسية، خصوصاً في غرب القارة".

ويلفت ميزاب إلى أن "الحضور الفرنسي أصبح مرفوضاً في إفريقيا نتيجة انتشار فكر جديد ومفهوم اجتماعي أكثر انفتاحاً، خصوصاً في ظل التطور التكنولوجي"، مشيراً إلى أنّ فرنسا بدورها لم تتخلَّ عن المنطق الاستعماري والتعالي في التعامل واستنزاف الثروات دون أن تقدّم شيئاً لدول القارة.

تزايد الإقبال على إفريقيا

لم يكن عام 2023 في إفريقيا مليئاً بالأزمات السياسية والإنسانية فقط، بل شهد تزايد الإقبال الدولي على القارة ومهّد لدولها شركات اقتصادية وتنموية جديدة تفتح لها آفاقاً رحبة، فانضم الاتحاد الإفريقي رسمياً في سبتمبر/أيلول الماضي إلى مجموعة العشرين خلال القمة التي استضافتها العاصمة الهندية نيودلهي.

كما سارعت الدول الكبرى إلى عقد قمم مع المجموعة الإفريقية للاستفادة من المكامن الاقتصادية على غرار القمة الإفريقية الروسية في يوليو/تموز الماضي، والقمة الإفريقية مع مجموعة العشرين بالعاصمة الألمانية برلين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وفي هذا السياق رجعت الباحثة نهاد محمود تصاعد التدافع على القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة إلى أسباب عدة، أهمها ما تمتلكه القارة من موارد طبيعية ونفطية ومعدنية لازمة لاقتصادات القوى الكبرى والناشئة، إضافةً إلى أن إفريقيا تمثل سوقاً ضخمة لمنتجات هذه الدول باعتبار الطبيعة الاستهلاكية للقارة التي يتخطى تعدادها ملياراً و200 ألف نسمة.

وتوضح محمود أن "الفاعلين الدوليين يريدون كسب تأييد الكتلة الصوتية الكبيرة التي تتمتع بها إفريقيا في المحافل الدولية، لا سيما الأمم المتحدة، وهو ما حصل في مارس/آذار الماضي عندما رفضت 25 دولة إفريقية التصويت لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، تزامناً مع تمدد النفوذ الروسي داخل إفريقيا"، حسب قولها.

من جانبه اعتبر أحمد ميزاب أن الصراع الدولي احتدم حول منطقة غرب إفريقيا في عام 2023 التي عرفت مؤشرات تمهيدية لسلسلة من الأحداث ستنفجر في 2024.

ويعتقد ميزاب أن "التنافس في غرب إفريقيا سيكون أحد المحددات الأساسية في تثبيت الموقع داخل النظام العالمي الجديد، في ظل تراجع غير مسبوق للنفوذ الفرنسي وبروز قوى جديدة مثل روسيا والصين".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً