تابعنا
تشهد الأسواق نفاداً وعجزاً في المواد الغذائية الأساسية والخضراوات واللحوم التي اعتاد الفلسطينيون في غزة توافرها بكميات كبيرة في مثل هذه الأوقات تزامناً مع بداية شهر رمضان نتيجة للحصار الإسرائيلي القاسي منذ بداية الحرب.

تغيب أجواء شهر رمضان لهذا العام عن الفلسطيني عبد الله أبو عمرة الذي نزح من منزله في حي تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة، إلى مدينة رفح الواقعة أقصى جنوبي قطاع غزة، بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر السادس على التوالي.

وتسيطر حالة من الخوف والقلق على أبو عمرة ومئات الآلاف من الفلسطينيين في ظل التهديدات الإسرائيلية المتكررة بشن عملية برية واسعة النطاق في مدينة رفح التي تشهد نزوح 1.3 مليون نسمة بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولا توجد أي مظاهر احتفالية لشهر رمضان في ظل عمليات التدمير الواسعة التي تشهدها مناطق القطاع المختلفة، إذ شهدت تدميراً واسع النطاق وغير مسبوق للمنازل والأبراج السكنية والمدارس والمساجد.

كما تشهد الأسواق نفاداً وعجزاً في المواد الغذائية الأساسية والخضراوات واللحوم التي اعتاد الفلسطينيون في غزة توافرها بكميات كبيرة في مثل هذه الأوقات تزامناً مع بداية شهر رمضان نتيجة للحصار الإسرائيلي القاسي منذ بداية الحرب.

علاوة على ذلك، فإن كثيراً من الأسعار قفزت بدرجة كبيرة يتجاوز بعضها عشرة أضعاف سعرها الطبيعي، لا يتمكن من خلالها الفلسطينيون من توفير احتياجاتهم الأساسية ولا سيما السلع الأساسية اللازمة لتناول طعام السحور والإفطار خلال شهر الصوم.

وإلى جانب ذلك، تخلو الأسواق من توافر زينة رمضان التي لطالما كانت تنتشر بشكل مبكر وقبل حلول شهر الصوم بشهر تقريباً ويزيد، في ظل عدم وقف إطلاق النار واستمرار الحرب الإسرائيلية وحالة التجويع والقتل التي تجري بحق الفلسطينيين.

وبمحاذاة هذا الأمر، فإن البضائع المتوافرة في الأسواق لا تتطابق مع تلك التي كانت تعرض في هذه الأوقات، والتي تتناسب مع احتياجات الصائمين مثل المربى والحلويات واللحوم والأصناف المتنوعة من الطعام التي كانت تتوافر بكميات كبيرة ووفيرة.

واعتاد الفلسطينيون في مثل هذه الأوقات التبضّع وشراء احتياجاتهم لشهر رمضان من الأسواق والمراكز التجارية والمحال المتنوعة، بما في ذلك الأسواق الشعبية التي كانت تشهد حركة اقتصادية غير معتادة مقارنة مع الأيام العادية.

رمضان: رائحة الدم والجوع

في هذا السياق، يقول النازح الفلسطيني عبد الله أبو عمرة، إن أجواء رمضان في قطاع غزة لهذا العام تغلب عليها رائحة الدم والجوع جراء استمرار الحرب الإسرائيلية وحالة والحصار التي تشهدها مناطق مدينة غزة وشمالي القطاع.

ويضيف أبو عمرة لـTRT عربي أنه وعائلته لم يقوموا بتوفير أبرز الاحتياجات اللازمة لشهر رمضان المبارك في ظل عدم توافرها بالأساس إلى جانب سيطرة حالة الخوف والقلق من إمكانية تكرار النزوح في ظل تهديدات الاحتلال باجتياح مدينة رفح.

ووفقاً للنازح الفلسطيني، فإن الخشية من المجهول تعتبر أبرز مصادر القلق والتفكير للفلسطينيين هذه الأيام، وهو ما يجعل كثيرين يأملون أن تشهد الفترة الأولى من شهر رمضان إمكانية التوصل إلى اتفاق يوقف الحرب، وينهي حالة القتل والتجويع.

ويشير أبو عمرة إلى أن النزوح والعيش في خيام ومراكز الإيواء مع عشرات الآلاف من النازحين يجعل حلول شهر رمضان أكثر صعوبة لهذا العام، ويجعل من شهر الصوم مختلفاً ومغايراً في أجوائه عن جميع السنوات الماضية التي عاش بها في قطاع غزة.

الصوم قبل بداية الشهر

أما الفلسطيني غازي عبد السلام الذي لم ينزح من شمال القطاع فيعيش مع عائلته حالة جوع شديدة جراء نقص المواد الغذائية وعدم توافرها في الأسواق المحلية بفعل حالة الحصار الإسرائيلي المفروض على هذه المناطق منذ بداية الحرب.

ويقول عبد السلام لـTRT عربي إن شهر رمضان جاء مبكراً في مناطق غزة والشمال هذه الأيام خلافاً لبقية المناطق جراء اضطرار كثيرين للبقاء من دون طعام ليومين وثلاثة، بفعل عدم توافر الطعام في مناطق سكنهم هذه الأيام.

ويشير إلى أن كثيرين هذه الأيام يلجؤون إلى الاعتماد على أعلاف الحيوانات لصناعة الخبز أو الاعتماد على بعض الأعشاب وحشائش الأرض لصناعة الطعام للتغلب على حالة النقص الشديدة في الأغذية والطعام، وهو ما يفاقم حالة الجوع.

ويوضح أن شهر رمضان سيفاقم من الحالة الصحية للآلاف في ظل عدم انتهاء حرب الإبادة والتجويع التي يخوضها الفلسطينيون منذ بداية هذه الحرب في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي وعدم وجود تدخلات كافية توفر الطعام للجميع، وتضمن وضع حدّ لهذه الحالة.

ويطالب عبد السلام بتدخل الدول الإسلامية والعربية مع بداية شهر رمضان، لتوفير الاحتياجات الأساسية في الأسواق أو ضمان وصول الطعام والشراب للجميع من دون نقص مع عدالة في التوزيع، بما يراعي وجود قرابة أكثر من 500 ألف نسمة في شمال غزة.

وبحسب بيانات وزارة الصحة ومصادر طبية في غزة فإنّ 27 فلسطينياً فقدوا أرواحهم، من بينهم أطفال وكبار في السن وسيدات بفعل سوء التغذية والجفاف في قطاع غزة، أغلبيتهم من مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة، وسط توقعات بارتفاع العدد في ظل استمرار حالة التجويع.

أجواء غائبة ومساجد مهدّمة

وعلى غير العادة فإن كثيراً من المناطق لا يوجد فيها مساجد، إذ دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرات المساجد في القطاع سواء عبر قصفها جواً أم من خلال عمليات النسف التي طالتها خلال عمليات الاقتحام البري التي جرت لغزة.

من جانبه، يؤكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة أن حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة للشهر السادس على التوالي لها انعكاسات خطيرة على استقبال الشعب الفلسطيني لشهر رمضان المبارك.

ويقول الثوابتة لـTRT عربي إن الفلسطينيين في غزة يستقبلون الشهر، وهم يعيشون أجواء الحرب الوحشية وفي ظل قتل متواصل، إذ تجاوز عدد الشهداء 31 ألف شهيد، وأكثر من 72 ألف جريح، وأكثر من 7 آلاف مفقود، "وبالتالي فإن كل بيت فيه آلام وأحزان نتيجة هذه الحرب المدمّرة لكل شيء، بما فيها مئات المساجد، التي تعد المنارة الأولى والأبرز في شهر رمضان المبارك".

ويتابع: "الناس منشغلون بكيفية توفير احتياجاتهم الأساسية للأطفال وللأسرة بشكل عام، ولديهم شعور بالقلق والتوتر، رمضان يأتي على غزة وقد قتل الاحتلال فرحة هذا الشهر العظيم، فإن هذا العالم يعيش أسوأ مراحل عمره من الافتراء والتواطؤ ضد أهالي القطاع وقمة التماهي مع الاحتلال في حربه لإبادة شعبنا الفلسطيني".

ويشير مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أن شهر رمضان يأتي هذا العام وقد دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي 506 مساجد من دون مراعاة لمشاعر المسلمين، ومن دون أي اعتبارات دينية، ومن دون أي اعتبارات لحرمة هذه المساجد كدور للعبادة، في الوقت الذي أصبح فيه قطاع غزة مدمراً بنسبة تجاوزت 80% من حيث القطاعات الحيوية كافة.

ويؤكد الثوابتة أن غزة تحتاج يومياً إلى 1000 شاحنة من المساعدات الحقيقية لتدخل إلى القطاع، في ظل هذا الحصار وهذه الحرب والمجاعة، "ومطلوب من كل الدول العربية والإسلامية تأمين وضمان إدخال هذه المساعدات إلى قطاع غزة قبل فوات الأوان".

TRT عربي