تابعنا
أشارت العديد من التقارير إلى أن قوات "فاغنر" قد تدخلت في عدة صراعات داخل القارة الإفريقية، مما يثير التساؤلات حول قدرتها على التأثير في حالة السلم والأمن لدى الدول الإفريقية، لا سيما حالياً في الصراع السوداني.

أثار تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن إتاحة موسكو تدخُّل عناصر مجموعة "فاغنر" الروسية المسلحة في الصراع الدائر بالسودان تكهناتٍ بشأن قدرة التشكيلات المسلحة عموماً على تأجيج وحسم الصراعات العسكرية داخل البلدان التي تشهد نزاعات، وبالتالي زعزعة حالة الأمن والاستقرار في المناطق المحيطة.

يُذكر أن عديداً من التقارير أشار إلى أن قوات "فاغنر" قد تدخلت في عديد من الصراعات داخل القارة الإفريقية، مما يثير التساؤلات حول قدرتها على التأثير في حالة السلم والأمن لدى الدول الإفريقية، لا سيما حالياً في الصراع السوداني.

فقد تردد اسم قوات "فاغنر" بقوة وفق وسائل إعلام عالمية أشارت إلى ظهور أدلة على تسليحها لقوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، وتخوض معارك عسكرية مع الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان.

وتُصنَّف قوات "فاغنر"، التي يتهمها الغرب بتجنيد مرتزقة حول العالم، منظمةً شبه عسكرية أو "شركة عسكرية خاصة" على ارتباط وثيق بالكرملين.

وظهرت المجموعة لأول مرة في ساحة المعارك في أثناء ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، فيما توسعت عملياتها بشكل أكبر خلال السنوات التي تلت ذلك، إذ انتشرت عناصر "فاغنر" في مناطق صراع عديدة، كسوريا وليبيا ومالي وأوكرانيا.

الصراع السوداني والهدف الأعلى

في هذا السياق قال مستشار أكاديمية ناصر العسكرية في مصر اللواء عادل العمدة، في حديث لـTRT عربي إنّ مجموعة "فاغنر" هي "تشكيل مسلح جرت الاستعانة به في عدة دول مثل أوكرانيا، وكان لها دور واضح في حسم بعض النقاط لصالح روسيا".

وفي سياق الصراع السوداني أشار اللواء إلى وجود دعم من قوى دولية وإقليمية للعناصر المسلحة داخل السودان، وأن "المستهدف الحقيقي ليس السودان، إذ إنّ الصراعات المسلحة لا تستهدف فقط دول الصراع، بل تستهدف أيضاً دول الجوار عبر زعزعة الوضع الأمني ونقل الفوضى"، حسب قوله.

وتابع: "تأجيج الصراعات المسلحة داخل الدول يستهدف إلغاء النظام السياسى للدولة، ما يعني إلغاء سيادتها، ومن ثم نشر الفوضى في دول الجوار باعتباره هدفاً أعلى".

وأوضح الخبير العسكري أن تصريحات لافروف عن الاستعانة بـ"فاغنر" في السودان "ليست اعترافاً روسياً صريحاً بوجود التشكيل المسلح على الأراضي السودانية".

ويرى أن "هناك أجهزة استخبارات دولية وإقليمية تؤثر في الصراع السوداني، لكنها لا تملك قوة حسم المعركة لصالح جانب ضد آخر، وهنا يكمن السبب وراء الاستعانة بالمليشيات أو تشكيلات المرتزقة".

ورغم أن إمكانيات الجيش السوداني العسكرية على الأرض أفضل فإنّ "قوات الدعم السريع يمكنها استنزاف الجيش بمعارك كر وفر طويلة الأمد"

وأضاف: "قوات الدعم السريع موالية لحميدتي بسبب علاقات عشائرية وقوة المال، ومن عيوبها أن عديداً من قواتها، التي جرى تجنيد عناصرها من عشائر في تشاد ودارفور، لم يذهب إلى الخرطوم أبداً ولا يعرف التضاريس التي يتركز فيها القتال الآن".

بدوره يُعرِّف الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عماد جاد مجموعة "فاغنر" بأنها "تنظيم مسلح قوي له نجاحات في أوكرانيا وليبيا وتمتلك عناصره مهارات تدريب عالية، فضلاً عن المعدّات المتطورة. وتَدين المجموعة بالولاء لموطنها، روسيا، وبالتالي تنفذ سياستها بشكل غير مباشر حتى لا تتورط موسكو في مشكلات سياسية رسمياً".

وقال الباحث لـTRT عربي إنّ "الأزمة في السودان تكمن في العدد الضخم لقوات الدعم السريع وتمكّنها من الحصول على أسلحة متطورة، بالإضافة إلى تلقي عناصرها تدريبات تأتي بدعم خارجي من قوى يهمها الحضور في المشهد السوداني والتأثير فيه لأسباب استراتيجية مختلفة".

وأوضح جاد أن هناك دولاً تدعم البرهان لإيمانها بأن الغلبة في النهاية للجيش النظامي، فيما تدعم قوى أخرى حميدتي على اعتبار أن عناصر الدعم السريع لديها قدرة على خوض حروب غير نظامية، حروب شوارع، نتيجة خبراتها المكتسبة من نزاع دارفور، في حين أن الجيش النظامي لا يمتلك مثل هذه الخبرة، ما يعني أن التشابه التكتيكي والروحي بين "فاغنر" وقوات الدعم كبير، إذ إنّ كلتيهما تجيد الحروب غير النظامية.

"فاغنر" وتكرار سيناريو تشاد

من ناحيته أكد مدير تحرير مجلة "آفاق إفريقية" بالهيئة العامة للاستعلامات رمضان قرني لـTRT عربي أن القراءة الدقيقة لتصريحات وزير الخارجية الروسي بخصوص إتاحة وجود "فاغنر" داخل السودان تأتي في إطار التعاون العسكري بين السودان وروسيا.

وقال: "تحاول روسيا الإمساك بطرفي المعادلة السودانية، فمن ناحية تتعاون رسمياً مع الجيش السوداني، إذ تركّز التعاون العسكري بينهما في عدة مجالات تُوّجت بتوقيع اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في ميناء بورتسودان، وهو الاتفاق الذي ينتظر انعقاد المجلس التشريعي لإقراره، ومن ناحية أخرى تُبنى جسور قوية بين (فاغنر)، ممثلة روسيا غير الرسمية، وبين عناصر الدعم السريع، بدليل زيارات (حميدتي) لروسيا في مناسبات عدة حين كانت قوات الدعم جزءاً من المؤسسة العسكرية السودانية".

وأضاف قرني أن "قوات (فاغنر) تُعتبر ممثلاً للسياسة الخارجية الروسية في إفريقيا، بدليل دورها في مالي وإفريقيا الوسطى"، موضحاً أنه طبقاً لما سبق فإنه يوجد "تعاون روسي مع أحد أطراف الصراع السوداني لحماية المصالح العسكرية والسياسية الروسية في إفريقيا، وهذا الطرف بوضوح هو قوات الدعم السريع"، حسب قوله.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحاول "توجيه نظر العالم إلى وجود قوات (فاغنر) في إفريقيا، وفي السودان تحديداً، محاولةً لتقليب الرأي العام ضد روسيا".

وقال إنّ مَن "ينظر إلى السيناريو التشادي ودور قوات (فاغنر) فيه يرَ أنه ليس من المستبعَد تكرار الأمر في السودان عن طريق قوات الدعم السريع وما تتلقاه من دعم من قوات (فاغنر)"، على حد وصفه.

وسبق أن أبدت تشاد مخاوفها من تصاعد التوترات العسكرية في الخرطوم، إذ إنّ تلك المخاوف ترتبط بالعلاقات بين قائد قوات الدعم السريع بعدد من رجال القبائل التشادية.

وأوضح قرني أنه "بتتبع ما جرى تسريبه من وثائق للاستخبارات الأمريكية سنرى توصيفات لمحاولة مجموعة (فاغنر) شبه العسكرية في شباط/فبراير الماضي تجنيد متمردين تشاديين وإنشاء موقع تدريب لـ300 مقاتل في جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة، باعتباره جزءاً من مؤامرة آخذة في التطور لإسقاط الحكومة التشادية".

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى "العلاقة الوطيدة بين حميدتي والنظام السياسي الجديد في تشاد، ووجود توافق إقليمي ودولي حول الرئيس الحالي لتشاد، الذي جاء بعد اغتيال والده في شبه محاولة انقلاب على السلطة هناك"، على حد وصف قرني.

TRT عربي