ازدواجية معايير واشنطن: محاولة سلب حق مشروع وتعامٍ عن آخرين (Murat Cetinmuhurdar/Ppo/Reuters)
تابعنا

في الوقت الذي تتجه فيه إدارة بايدن إلى استحسان تعاون ألمانيا مع روسيا حول "خط أنابيب نورد ستريم 2" المثير للجدل، وبذريعة أن "الوقت قد فات لوقفه وأنه من الأفضل التعاون مع ألمانيا"، إلا أن الإدارة الأمريكية تنتهج معايير مزدوجة إزاء تعاون تركيا مع روسيا بشراء أنقرة أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية S-400، والذي وقعت أنقرة وموسكو اتفاقية توريده قبل ما يقارب 4 أعوام.

ولم تكف واشنطن منذ ذلك الحين عن الشجب والتنديد بصفقة S-400 المُبرمة بين تركيا وروسيا، بل وعمدت إلى فرض عقوبات على تركيا وقادت حملة تشويه لها داخل الناتو.

ومن المثير للذهول أيضاً، أنه في الجلسة ذاتها التي أعلنت فيها مسؤولة أمريكية رفيعة المستوى أمام مجلس الشيوخ الأمريكي توصُّل بلادها إلى اتفاق مع ألمانيا حول "نورد ستريم"، تطرقت المسؤولة نفسها، وهي فيكتوريا نولاند مكلَّفة الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الأمريكية، إلى موقف واشنطن إزاء صفقة S-400 التركية-الروسية قائلةً: "العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على تركيا لا تزال سارية المفعول".

وعلى صعيد آخر، لم تحرك واشنطن ساكناً بحق بعض الدول أعضاء حلف شمال الأطلسي ممن ابتاعت من موسكو أنظمة دفاع صاروخي، في فعل مماثل لما أقدمت عليه أنقرة بشكل مشروع.

مقاربة مغايرة إزاء وضعين مماثلين

تحرّكت الإدارة الأمريكية سريعاً من أجل التوصل إلى تفاهم مع برلين بحق خط نورد ستريم الروسي، فألغى بايدن معظم العقوبات المرتبطة بخط أنابيب نورد ستريم 2 التي طالب بها الكونغرس، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للبيت الأبيض.

خطوة يراها الجمهوريون بالولايات المتحدة بأنها بمثابة "هدية" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. والذي وصفها السناتور الجمهوري تيد كروز، بأنها "انتصار جيوسياسي تاريخي" للرئيس الروسي فلاديمير بوتين و "كارثة للولايات المتحدة وحلفائها" على حد تعبيره.

لكن بطبيعة الحال بايدن وإدارته لا يشاطرونهم الرأي، بذريعة أنه بموجب هذا الاتفاق "تلتزم ألمانيا اتخاذ تدابير على المستوى الوطني والضغط من أجل اتخاذ تدابير فعالة على المستوى الأوروبي، بما في ذلك عقوبات لحصر قدرات التصدير الروسية نحو أوروبا في قطاع الطاقة". إضافة إلى الإشارة إلى أن "الوقت قد فات" ولم يعد من مفرِ من التعاون مع برلين حول هذا الملف.

ويأتي هذا النهج كتحوّل مفاجئ من الإدارة الأمريكية الجديدة، خلافاً لموقف إدارة ترمب الذي كان قد صرّح بأنه: "من المفترض أن نحتمي من روسيا، لكنهم (ألمانيا) يدفعون مليارات الدولارات لها. أعتقد أن ذلك غير مناسب على الإطلاق. (..) إن ألمانيا، بقدر يُشعر بالقلق، أسيرة لروسيا".

وتعود على موسكو أرباح هائلة بفضل نورد ستريم، وهو ما يراه مراقبون كأضعاف مضاعفة من تربُّح الأخيرة من صفقة S-400 مع أنقرة، وأن الصفقة توفّر مجالاً لروسيا لمزيد من الابتزاز للغرب.

وهنا يكمُن التناقض، فبالرغم من إبداء أطراف وازنة في الحكومة التركية عديد المرات استعدادها لتبديد قلق الحلفاء في الناتو بخصوص منظومة S-400، وإصرارها على تقاسم عبء الحلف وجميع قيمه، ووضع الناتو في مركز أمن أنقرة، إلا أن حلف شمال الأطلسي ظل متمسكاً بموقف واشنطن، واستمرت المزايدات والعقوبات تُفرض على تركيا.

سلبُ حقٍ مشروعٍ وتعامٍ عن آخرين

تتمسك أنقرة بحقها المشروع في شراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية S-400، وهذا ما أعلمت به إدارة بايدن بشكل صريح.

فيما تحاول واشنطن ممارسة المزيد من الضغط على أنقرة للتخلي عن هذا الحق المشروع، وذلك بفرض عقوبات على الأخيرة بموجب قانون كاتسا (مكافحة خصوم الولايات المتحدة عن طريق العقوبات)".

ويرى متابعون لقضية العقوبات الأمريكية على تركيا أن الغرب تجاهل حاجة تركيا لنظام دفاعي لثلاثة عقود، وهو ما دفع أنقرة للجوء إلى موسكو للحصول على نظام S-400 الروسي. ويأتي هذا إضافة إلى ملف طائرات F-35 التي رغبت تركيا في المشاركة في تصنيعها، وهو ما رفضته أمريكا لعدم رغبتها في إطلاع أنقرة على التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها. فتركيا إذن في حالة رد فعل طبيعي ومشروع لاحتياجها للتأمين العسكري.

ويتساءل البعض عن سبب عدم تغير وتعنُّت الموقف الأمريكي إزاء تركيا بسبب صفقة S-400، بالرغم من عدم اتساق خط السياسة الخارجية والمصالح الإقليمية لأنقرة وموسكو وبشكل جلي، حيث يظهر ذلك للقاصي والداني مع ارتفاع وتيرة الصفقات العسكرية والأمنية بين تركيا وأوكرانيا وخاصة في مجال الطائرات بدون طيار، إضافة إلى اختلاف نهج تركيا وروسيا في التعامل مع الحرب في سوريا وفي ليبيا.

ومن مظاهر ازدواجية المعايير لدى واشنطن يأتي شراء 20 دولة أخرى، من ضمنها دول أعضاء في الناتو مثل بلغاريا واليونان وسلوفاكيا، لنظام S-300 روسي الصنع (النسخة الأقدم من S-400)، وهو ما لم تنتهج الولايات المتحدة إزاءه أي موقف ولم تحرك ساكناً للاعتراض أو التنديد أو فرض عقوبات، وهو ما يعكس سياسة "الكيل بمكيالين" التي يتبعها البيت الأبيض.

TRT عربي